يوم العلم في السعودية... تاريخ حافل بالدلالات

مراحل تاريخية

عرف علم المملكة ست مراحل في تصميمه وصورته حتى وصل إلى حالته المعهودة. في البدء كان بلون أخضر، في وسطه هلال أبيض؛ هذا هو علم إمارة الدرعية الأولى التي أسسها محمد بن سعود واستمرت من 1750 إلى 1818.

أما المؤسس الملك عبد العزيز فاختار أن يُزيل الهلال، ويستبدله بشهادة التوحيد على علم أخضر كامل وكتابة كلمة الشهادة بالخط الأبيض مع وجود مساحة بيضاء على يسار العلم. هذا هو علم إمارة نجد منذ دخول الملك عبد العزيز الرياض عام 1902 حتى 1921. وربما رأى الملك المؤسس أن الهلال لا يعبر عن شعار عربي إسلامي، وإنما هو من بقايا رموز العثمانيين. في رحلة توحيد البلاد وضم المزيد من المناطق وصل تاريخنا إلى أن أصبحت بلادنا تُعرف باسم مملكة نجد منذ عام 1921 حتى 1926وهنا تغير العلم من جديد نتيجة للتوسع، وأصبحت عبارة "لا إله إلا الله" كبيرة على المساحة الخضراء، وأصبح الجزء الأبيض الطولي يمين العلم، كما أضيف السيف الأبيض أسفل كلمة الشهادة، رمزاً لإقامة العدل والحزم.

 في المرحلة الرابعة أزيل السيف وبقي العلم أخضر محاطاً بلون أبيض وفي وسطه كلمة الشهادة باللون الأبيض. هذا العلم دام ما بين 1926 و1931 تحت اسم مملكة نجد والحجاز. المرحلة الخامسة جاءت في سنة 1932 مع إعلان قيام المملكة العربية السعودية، وفيها صار العلم أخضر بالكامل وعليه كلمة الشهادة بشكل كامل باللون الأبيض، وأسفل كلمة الشهادة، السيف الأبيض حيث تكون نهاية السيف مع بداية كلمة الشهادة.

أما المرحلة السادسة فكانت في عهد الملك فيصل عام 1973 حيث غُيِّرت مقاسات العلم وكلمة الشهادة كما غُيِّرت بداية السيف الأبيض ونهايته، وأصبح المقبض أسفل بداية كلمة الشهادة، وينتهي بنهايتها نحو السارية، كناية عن انتهاء القتال، وبقاء السيف رمزاً للقوة والمنعة.

وقبل ثلاثين عاما، في 1993، صدر أمر ملكي نص على أن لون العلم أخضر، عرضه يساوي ثلثي طوله تتوسطه كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" تحتها سيف مسلول ولا ينكس العلم أبدا.

العلم في الثقافات

من جهة المظهر، العلم في ثقافات العالم القديم والحديث هو قطعة قماش، غالبا ما تكون مستطيلة أو رباعية الأضلاع، ذات تصميم وألوان مميزة. وهناك أعلام كثيرة، فقد يستخدم العلم رمزا لمنظمة أو لتجمع بشري، وفي أوروبا القديمة كان لبعض النبلاء أعلام تميز حدود أراضيهم، وقد تطورت الأعلام عبر التاريخ الإنساني فصارت أداة لتحديد الهوية، وظهرت أهميتها أول ما ظهرت في البيئات التي يكون فيها الاتصال صعبا، وعندما يكون الحديث عن علم دولة فهذا يعني أيضا دولة ذات حدود سياسية معلومة. وهنا يبرز وجه العلم الجوهري.

العلم قديم في تمثيله للدول، وتاريخ ابتداء الدول في اتخاذ الأعلام غير معلوم، هناك من يرجع نصب أول علم إلى السفن المصرية قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وهناك من يرجع ذلك إلى الصين قبل ألفي سنة، ليكون علامة على أبناء الوطن وتمييزهم عن الأعداء في حال الحرب. علم الدولة يرمز إلى الدولة. ووضع علم الدولة على منشأة أو على سفينة أو طائرة يدل على الانتماء إلى تلك الدولة وفيه إخطار لمن تقدم إليهم السفينة أو الطائرة بجهة انتمائها.

ولاء وانتماء

أهم من ذلك كله، يدل العلم على الولاء، يدل على الانتماء، وعلى الهوية الوطنية، وهذا ما يجعله مقدسا عند كل إنسان. قد يقول قائل: ما قيمة قطعة من القماش؟ فيغفل أن القيمة ليست للقماش بل إلى ما يرمز إليه ذلك القماش. الرمز في الفلسفة، هو ما يدل على غيره، شيء مادي محسوس يشير إلى معنى عميق كبير. وفي حالة العلم فالمعنى حقا كبير، فهو يشير إلى الوطن الذي يحبه أهله حبا جما ويذودون عنه بأرواحهم، وهو يدل في نهاية المطاف على مفهوم المواطنة، حيث أن علاقة الإنسان بوطنه، وبعلم هذا الوطن، تتحدّد أيضاً من خلال الأواصر التي تجمعه بغيره من أبناء الوطن والمقيمين على أرضه، وتصبح علاقة واجب ومسؤولية تجاه الدولة وسائر أفراد المجتمع.

يتميز علم المملكة عن سائر الأعلام بلونه الأخضر والسيف وكلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، في إشارة إلى أنها مملكة عربية قبل كل شيء، وترفع راية التوحيد بمعنى أن الإسلام هو دينها الرسمي، لكنها لا تسير في مسار الدول الثيولوجية الرجعية. على هذا يدل العلم السعودي، كما أنه يتميز بأنه العلم الذي لا يُنكس البتة مهما كانت الظروف.

في زمن "الغفوة/الصحوة" كتب بعض رجال الدين كتابات يقررون فيها أن تحية العلم كفر يخرج من الإسلام، وساد توجه في وزارة التعليم الممتلئة بالصحويين من أتباع الأجندات الإخوانية المريبة لإلغاء تحية العلم في المدارس السعودية، فأصبحت لا ترى الاصطفاف الصباحي، فكتبتُ في تلك الأيام مقالة بعنوان "في مدرستنا لا يوجد طابور صباحي" تحدثت فيها عن هذه القضية، فصدر بيان من وزارة التعليم بعد مقالي بيومين يأمر بالاصطفاف ورفع العلم وتحيته فرفعناه وحييناه معلمين وطلابا. فتساءل أحد ظرفاء المدرسين أيامها عن سبب التغيير، فأجابه آخر بأن السبب هم من يكتبون في الصحف، كفى الله شرهم.