أعلنت في الأول من مارس/آذار القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر العربية)، بعد نحو شهرين من إعلان القائمة الطويلة التي احتوت على ست عشرة رواية عربية، وكانت لجنة الجائزة هذا العام قد انعقدت برئاسة الروائي المغربي محمد الأشعري، وعضوية كل من ريم بسيوني الروائية وأستاذة اللغويات في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وعزيزة الطائي الناقدة والروائية العمانية، وفضيلة الفاروق الروائية والباحثة الجزائرية، وتتز روك المترجم والأكاديمي السويدي.
وصلت إلى قائمة البوكر القصيرة من العراق رواية "حجر السعادة" لأزهر جرجيس، ومن عُمان "تغريبة القافر" لزهران القاسمي، ومن ليبيا "كونشيرتو إدواردو قورينو" لنجوى بن شتوان، ومن الجزائر "منا قيامة شتات الصحراء" للصديق حاج أحمد، ومن مصر "أيام الشمس المشرقة" لميرال الطحاوي، ومن السعودية "الأفق الأعلى" لفاطمة عبد الحميد.
تجدر الإشارة إلى أنها المرة الثانية التي تصل فيها روايات كل من نجوى بن شتوان وميرال الطحاوي إلى القائمة القصيرة، وأزهر جرجيس الى القائمة الطويلة، وهي المرة الأولى لكل من زهران القاسمي والصديق حاج أحمد وفاطمة عبد الحميد.
أول ما يلفت في اختيارات المحكمين لروايات هذه الدورة، تعبير كتّابها عن قضايا بلدانهم المحلية الشديدة الخصوصية، تلك القضايا التي تنطلق من بيئاتهم ومجتمعاتهم وتبقى معبرة عن أحلام وآمال وتحديات كل بلد. نلقي هنا نظرة على كلّ من هذه الروايات الست بشيءٍ من التفصيل.
"حجر السعادة" لأزهر جرجيس
تروي "حجر السعادة" حكاية الصبي كمال الذي يهرب من بيت أسرته صغيرا، ويتحوّل إلى واحد من "أطفال الشوارع" في بغداد، ويخوض رحلة شاقة وصعبة للنجاة بنفسه من كل ما يلاقيه في هذه الشوارع من مشكلات. يتماهى الطفل مع تلك الشوارع ويشعر بالانتماء إليها وتتقلب حاله بين "مولانا" الذي ظن فيه رجلا صالحا، فإذا به يستغل الأطفال، الى أن يتعرف إلى المصوّر الفوتوغرافي خليل الذي يتعلم منه فنون التصوير وتتحوّل حياته بعدها. رحلة شاقة وعسيرة تتضمن العديد من الأخطار والصعوبات، وتكشف عن وجهٍ قاسِ للمدينة التي تنتشر فيها الميليشيات والعصابات، ويسعى البسطاء جاهدين للعثور على حجرٍ واحد بسيط يعيد إليهم السعادة والأمن!
استطاع أزهر جرجيس بمهارة سردية، وبلغة تمزج بين الواقعية والكوميديا السوداء، أن يستعرض حياة المجتمع العراقي من خلال أبطال الرواية وشخصياتها على اختلافهم، وأن يرصد من خلالهم ما يشهده هذا المجتمع من أزمات وصراعات، وعلى الجانب الآخر أن يرسم حلما يبدو رومانسيا وشاعريا بكيفية الخلاص من هذين القهر والظلم عبر الحلم والأمل، الذي يضعه الشاب في ذلك الحجر الذي يحمله معه، ويمكنه من خلال التركيز عليه من أن ينسى همومه فيكون بمثابة حجر السعادة له!
"منا قيامة شتات الصحراء" للصادق حاج أحمد
على الرغم من ارتباط أدب الصحراء روائيا بأسماء ليبية مثل إبراهيم الكوني، إلا أن الصديق حاج أحمد يسعى الى كتابةٍ مغايرة وسردٍ مختلف في رواية الصحراء وينطلق فيه بقوة هذه المرة من الجزائر، عبر حكاية جماعة تضطرها ظروف الحياة الصعبة والجفاف الذي أصاب واديها إلى الهجرة والشتات إلى جنوب الجزائر ومنطقة تمنراست، ومنها إلى جنوب ليبيا، والمشاركة في حرب تشاد، ثم الأسر والخروج إلى شمال مالي بحثا عن أمل الحياة مرة أخرى.
أول ما يفاجئ في هذه الرواية هو معجمها اللغوي الشديد الفرادة والغرابة، إذ يبدو الكاتب فيها حريصا على أن تحمل اللغة طبيعة الحياة وخشونتها وجفافها كذلك، وهو ملمح إن كان يتماشى مع عالم الرواية، إلا أنه قد يبدو منفرا للقارئ الذي يتعرف إلى هذا المعجم وهذه المصطلحات للمرة الأولى:
يسرنا الإعلان عن مرشحي القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2023. اقرأوا المزيد عن الروايات الست المرشحة للفوز بجائزة هذا العام: https://t.co/Q7Lod4PuJZ#القائمة_القصيرة #أدب #الرواية_العربية_2023 pic.twitter.com/thtLqW3jH0
— International Prize for Arabic Fiction (@Arabic_Fiction) March 1, 2023
"الروايات الفامايستية المتواترة بمخيمات إغاثة الحياة ونجدتها بالمناطق الحدودية الجزائرية، برج باجي مختار، تيمياوين، تين زاوتين، عين قزام، تفيد أن الشهور البعدية لموسم عام الجفاف، أو كما يطلق عليه في اللغة التارقية (أوتاي والباسن) قلت، تفيد تلك المرويات المتناقلة بشتات مخيمات جنوب الجزائر، أن أولئك الأقوام، نوموا شهورهم اللاحقة من محرقة الصحراء، بتلك التخوم الخميصة، المهم وبدون تحفظ يمكن الجزم أنها أحسن أيامهم العجاب بعد قيامة هذه القارعة".
يجد القارئ لدى تأمل هذه الفقرة كنموذج، صعوبة في طول الجملة والعديد من الكلمات والمفردات المجهولة، وهذه ظاهرة تستمر على طول الرواية، ويبررها الكاتب/ السارد برغبته في تمثل لغة الصحراء ومفرداتها وعالمها، كما يبرز عنده الحرص على توثيق ورصد عادات وتقاليد هذه القبائل الصحراوية التي تحمل إرثا ثقافيا ومعرفيا مختلفا، سواء من التوارق (هكذا يكتبها بالتاء) أو الحسانيين أو الكيدال، وغيرهم.
تحضر الصحراء هذه المرة لا بوصفها مكانا يمكن التأقلم معه أو العيش فيه، بل على نحوٍ آخر تبدو فيه طاردة قاسية وحشية، تسعى العائلات للفرار منها ومن قسوتها في رحلة ليست أقل قسوة، ولكن يحدوها الأمل أن تجد موطئا آخر أقل قسوة. هكذا نرتحل معها ونتعرّف أثناء رحلتها الى ما تلاقيه من صعاب ومشقة، وكيف تؤثر الخلافات السياسية والعرقية على مصائرها، كما تكشف استغلال أصحاب السلطة والنفوذ لهؤلاء البسطاء الذين يتورطون في حروبٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، حيث تحضر حرب تشاد 1987 ومعسكرات التدريب التي ينخرط فيها أفراد هذه القبائل الذين يريدون أن يضمنوا لأنفسهم حياة كريمة في كل مكانٍ يرتحلون إليه.