في الوقت الذي كانت تنادي فيه أوروبا بقيادة سياسية قوية، أدّى النجاح الذي أحرزته جورجيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية في تحقيق الاستقرار في سياسات البلد التي سادها الاضطراب إلى ترجيح قيامها بدور قيادي أوسع في الشؤون الأوروبية.
فمنذ أن تقاعدت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن لعب دور في سياسة الصفوف الأمامية في عام 2021، تواصل البحث في مسعى للعثور على زعيم أوروبي بإمكانه أن يلعب دورا حاسما في الشؤون العالمية. أصبحت المستشارة الألمانية الصوت المهيمن في السياسة الأوروبية خلال السنوات الـ 16 التي أمضتها في السلطة والشخصية المرجعية التي يلجأ إليها زعماء العالم الآخرون عندما تلوح في الأفق أزمة عالمية كبرى.
وفي حين أنّ تقدير ميركل للأمور لم يكن على الدوام معصوما عن الخطأ – إذ أنّ تعاملها مع أزمة اللاجئين السوريين قد أدى إلى تقويض مكانتها السياسية جدّيا – فقد كانت تُعتَبر زعيمة تتمتع بالحكمة والحصافة وكان حكمها على الأمور محطّ تقدير كبير، سواء أكان ذلك في طريقة تعاملها مع تداعيات الانهيار المالي الذي حدث عام 2008 أو السياسة التي اتبعتها بغرض احتواء مخططات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوسعية.
تلك علامة بارزة على الدور المهيمن الذي كانت تلعبه ميركل في السياسة الأوروبية جعلت من الصعب أن يظهر أي مرشح مناسب كي يحلّ محلها. ولم يستطع زعيما ألمانيا وفرنسا، وهما الدولتان اللتان تهيمنان عموما على المشهد السياسي في أوروبا، حتى الآن ملء الفراغ الناجم عن تقاعد ميركل.
ولا شك في أن التردد الذي أبداه خليفة ميركل في منصب المستشار، أولاف شولتز في الاستجابة للأزمة الأوكرانية يعني فيما يعنيه أنّ برلين وجدت نفسها غالبا على خلاف مع حلفائها الأوروبيين، الأمر الذي اتضح من الخلاف الأخير الذي حصل بشأن تزويد القوات الأوكرانية بدبابات غربية.
بالمقابل، أدّت محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للعب دور في قيادة الجهود الدبلوماسية التي هدفت إلى تحسين العلاقات مع روسيا، إلى نتائج عكسية تماما، فبدلا من السعي إلى الوصول إلى تسوية للصراع في أوكرانيا عن طريق التفاوض، استجاب بوتين لمبادرات ماكرون ببساطة بأن كثّف هجومه العسكري ضدّ الشعب الأوكراني.
كان بوريس جونسون هو الزعيم الأوروبي الوحيد الذي قام بدور قيادي حقيقي في القضية الأوكرانية، لكن جهوده انتهت على نحو مفاجئ عندما تمّت إقالته من منصبه على نحو تعوزه الكياسة في الصيف الماضي.
وفي ظلّ ندرة السياسيين الأوروبيين الذين يتمتعون بمؤهلات قيادية جديّة، ظهر في سماء السياسية الإيطالية بشكل غير متوقع نجم ميلوني كقوة مهيمنة في السياسة الإيطالية أدّى إلى تكهنات بأنها قد تبرز على الساحة كمرشحة مثلى لتولي الدور القيادي الذي كانت تتولاه ميركل.
تبدّى ظهور ميلوني كلاعب رئيسي في السياسة الأوروبية في وقت سابق من هذا الشهر عندما سافرتْ إلى الهند والإمارات العربية المتحدة بهدف تنشيط علاقات روما في تلك الناحية من العالم. وأعربت ميلوني عن رغبتها في إعادة بناء العلاقات الدفاعية التي كانت قائمة بين البلدين في نيودلهي، حين اجتمعت برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وتوصّل البلدان إلى اتفاق يقضي بإجراء تدريبات عسكرية وتدريبات مشتركة.
في غضون ذلك، هدفت الزيارة التي قامت بها ميلوني إلى الإمارات إلى إصلاح العلاقات في أعقاب الخلاف الدبلوماسي الأخير، الذي نجم عن القرار الذي اتخذته الحكومة الإيطالية السابقة والقاضي بفرض حظر على بيع الأسلحة للإمارات. ودفعت هذه الخطوة التي اتخذتها روما الإمارات إلى القيام بالردّ فطردت الطائرات والأفراد الإيطاليين من قاعدة المنهاد الجوية الإماراتية ومنعت الطائرات العسكرية الإيطالية من استخدام مجالها الجوي.
ولكن جهود ميلوني استطاعت إصلاح ذات البين، حين أُعلِن عن تعاون مجموعة إيني الإيطالية للنفط والغاز مع شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) لإقامة عدد من مشاريع نقل الطاقة.
وصرّحت ميلوني بعد اجتماعها مع رئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بأنه قد إعيد تأسيس الثقة المتبادلة من أجل القيام بتعاون مستقبلي في مجالات تتراوح بين مجالات الطاقة ومجالات الدفاع.
وقالت للصحافيين في أبو ظبي إن المحادثات قد جرت "على أفضل ما يرام وسنعيد بناء الشراكة الاستراتيجية التي كانت تربطنا. ارتبطت إيطاليا تاريخيا بعلاقات قوية للغاية مع الإمارات التي واجهت صعوبات جديّة في السنوات الأخيرة."