قبل أكثر من مائتي عام، قادت غالية البقمية معركة “تربة” الشهيرة وانتصرت فيها ضد القوات العثمانية، إبان الدولة السعودية الأولى. آنذاك، وقفت غالية مع جيشها موقفا بطوليا للدفاع عن الوطن، ذلك بتوزيع الأسلحة وتحفيز الجيش، بعدما أخفت خبر استشهاد زوجها في المعركة. وتولت مهام القائد حتى لا يتأثر الجيش وينهزم، فهزمت الأعداء وسجلت بذلك الانتصار أعظم الملاحم في الجزيرة العربية بقيادة امرأة سعودية.
لنا في مأثرة الفارسة غالية، ما يضع حجر الأساس لشخصية المرأة في السعودية، التي تميزت عبر التاريخ بأنها مؤثرة وقادرة على صناعة الفارق وأخذ القرارات الصائبة، والطموح بخوض كل التحديات، ومنها التحديات الخاصة بها وبمسيرتها.
هنا إضاءة على صورة المرأة السعودية الفعلية اليوم، وما حققته على أرض الواقع، واستعادة سريعة لأهم القوانين الجديدة أو المعدّلة التي ساهمت في التغيير، وأهم السياسات التي أوصلت إلى واقع جديد تعكسه البيانات الصادرة عن مؤسسات محلية ودولية، وتعكسه أيضاً أسماء النساء اللواتي بدأن يلمعن في المجالات كافة، بدءا بالتعليم وصولا الى الابتكار والرياضة وريادة المؤسسات والعلوم وإرسال أول رائدة فضاء الى محطة الفضاء الدولية.
عصر جديد
في ثمانينات القرن الماضي، كانت خطوات المرأة السعودية توصف بالبطيئة والمتأخرة، إذ كانت في منأى عن كل شيء، والممانعات المجتمعية تضيّق عليها اتساع طموحها. لعلّ المسألة الأبرز التي كان يجري الحديث عنها، هي الحقّ في قيادة السيارة، لما يمثله هذا الحق من رمزية كبيرة، ولما يخفيه من حقوق أخرى لا تستطيع المرأة ممارسة دورها في عملية البناء والتنمية، دون حيازتها. لذا جاءت خطوة إقرار حق المرأة في قيادة السيارة في المملكة، إيذانا بعصر جديد أصبحت فيه جزءا لا يتجزأ من رحلة تحقيق الأحلام الكبرى، وهذا ما عبر عنه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في الحوار الذي أجرته معه مجلة "ذه أتلانتيك": "أنا ادعم السعودية ونصف السعودية من النساء لذا أنا أدعم النساء".
وإذا أردنا رصد تطور واقع المرأة السعودية، فلا بد من أن نبدأ بالتعليم. ففي حين أدخل التعليم الرسمي للبنين وتأسست أول مديرية للتعليم في عام 1926، صدر القرار الرسمي بتطبيق تعليم المرأة في عام 1960 أي بعد 34 عاما من تطبيقه على البنين، إذ كان المجتمع ينظر في السابق الى التعليم على أنه أمرٌ سيئٌ للمرأة يصرفها عن مهامها الأساسية، وأسندت مهمة الإشراف على تعليم النساء إلى الرئاسة العامة لتعليم البنات، وكان تعليم المرأة محصورا في موضوعات محددة.
بحسب دراسة الباحث الدكتور فهد لؤي آل غالب الشريف التي نشرها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ظل تطور تعليم المرأة محدودا وبطيئا، إلا أن تضاعف أسعار النفط في السبعينات دفع الحكومة إلى التوسع في تعليم البنين والبنات وتوجيه اهتمام أكبر لجودة التعليم وبناء المرافق التعليمية، واستثمرت إيرادات النفط في التوسع في برامج الابتعاث الخارجي في الجامعات الغربية. ونتيجة لتلك الجهود، سُدّت الفجوة بين الجنسين على مستوى المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في عام 1994.