يحتفل العالم بيوم المرأة في الثامن من مارس/آذار، لكن هل تخطت المرأة العربية العوائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأصبحت ذات مساهمة فاعلة في عملية الانتاج في مختلف الدول العربية؟
تطورات مهمة حدثت على مدى القرن العشرين وخلال العقدين الأولين من هذا القرن. أصبحت النساء أكثر تعليماً وتأهيلاً للعمل في مختلف الأنشطة المدنية وزادت أعداد المعلمات والطبيبات وربما تفوقت على أعداد الذكور في عدد من الدول العربية. وتشهد الجامعات والمعاهد العليا في مختلف البلدان العربية تدفقات مستمرة ومتزايدة من الطالبات وتبيّن الاحصاءات الوطنية أن أعداد الطالبات تفوق أعداد الطلبة الذكور في العديد من المؤسسات التعليمية.
كذلك تزايدت أعداد العاملات في المؤسسات الخاصة مثل المصارف والشركات المالية وشركات الخدمات ومنشآت الضيافة والفنادق. وتبلغ نسبة الإناث من العدد الإجمالي لسكان العالم العربي 48,3 في المئة بموجب بيانات البنك الدولي للعام 2021. وقد تكون النسبة حول هذا المعدل في عدد من البلدان العربية أو أعلى قليلا، لكن من المهم أن نفهم كيف تتعامل المجتمعات العربية مع المرأة وكيف يتم تحديد أدوارها الاجتماعية والاقتصادية وهل تحسنت التعاملات خلال السنوات والعقود الماضية؟
يقدر عدد السكان في العالم العربي بموجب تقديرات البنك الدولي بـ 456,5 مليون نسمة، أي أن هناك 220,5 مليون نسمة من الإناث في مختلف البلدان العربية. معلوم أن غالبية المواطنين في الدول العربية تتسم بصغر السن حيث تقدر نسبة الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين بـ 60 في المئة من العدد الإجمالي لسكان العالم العربي. كما أن نسبة مهمة من فئة الشباب وصغار السن تتمتع بتعليم مناسب. لكن توفير فرص العمل لا يزال بطيئاً ومتواضعاً في الدول العربية التي تعد ذات قاعدة سكانية كبيرة مثل مصر والجزائر والسودان المغرب وتونس والعراق، ولذلك فإن الفرص المتاحة أمام النساء تظل محدودة نظرا إلى المفاهيم والقيم الاجتماعية السائدة في هذه المجتمعات. وربما حصدت المرأة امكانات أفضل للحصول على العمل في دول الخليج بسبب صغر القاعدة السكانية وكون هذه البلدان مستوردة للعمالة.
لا تزال المجتمعات العربية تضع شروطاً وعراقيل أمام عمل المرأة وتعطل مشاركتها في العملية الإنتاجية، كما أن أنماط العلاقات العائلية ومنظومات القيم في أوساط ريفية أو في مناطق مهمشة تحصر دور المرأة في المنزل وتربية الأبناء.
يضاف إلى ذلك أن بلدان الخليج تتمتع بإمكانات مالية جيدة وأوضاع اقتصادية ملائمة لتوظيف المرأة على الرغم من الثقافة الاجتماعية المحافظة في هذه البلدان. تقدر أدبيات البنك الدولي لعام 2021 استنادا إلى تقديرات منظمة العمل الدولية أن معدل البطالة بين النساء في العالم العربي بنسبة 20,2 في المئة في حين لا تزيد على 8,7 في المئة بين الذكور. قطاع الخدمات في العالم العربي يوظف نحو 54,4 في المئة من إجمالي العاملين في العالم العربي، وتعمل غالبية النساء في هذا القطاع، ولذلك فإن النمو في هذا القطاع يتيح المزيد من الوظائف للمرأة، أما الركود فيؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة بين النساء.
صعوبات أمنية
لا تزال المجتمعات العربية تضع شروطاً وعراقيل أمام عمل المرأة وتعطل مشاركتها في العملية الإنتاجية، كما أن أنماط العلاقات العائلية ومنظومات القيم في أوساط ريفية أو في مناطق مهمشة في الكثير من المدن العربية تؤكد أن دور المرأة ينحصر في المنزل وتربية الأبناء وتحمل مسؤوليات خدمة الأسرة. وعلى الرغم من تلقي غالبية الفتيات التعليم ودعم الدولة لحصول البنات على التعليم، فإن عدداً من المتعلمات، ومنهن الحاصلات على الشهادات الجامعية، يضطررن للمكوث في البيوت من دون المشاركة في قوة العمل. هناك عوامل اقتصادية أشمل قد تعطل عمل المرأة.
تحاول منظمات الأمم المتحدة المتخصصة أن تحفز عملية تمكين المرأة وتعزيز دورها الاقتصادي في مختلف بلدان العالم ومنها البلدان العربية، إلا أن تقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة يشير إلى ارتفاع مستويات المصاعب سواء أكانت اقتصادية أم أمنية خلال السنوات القليلة الماضية. ويحمّل التقرير تدهور أسعار النفط منذ عام 2014 جانباً من المسؤولية عن تراجع فرص العمل بعدما تراجع معدل النمو الاقتصادي سواء في البلدان العربية المصدرة للنفط أو تلك البلدان المعتمدة على دعم وتمويلات بلدان الخليج. لكن هذه الأسباب الاقتصادية ليست الوحيدة التي تعرقل تمكين المرأة الاقتصادي، حيث تبين الامم المتحدة أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) لا تزال تواجه تحفظات من عدد من حكومات البلدان العربية، ومنها ذو طابع اقتصادي، مثل تلك المتعلقة بالمساواة في حقوق ابرام العقود وإدارة الممتلكات.
المرأة العربية وريادة الأعمال
قطعت المرأة العربية شوطاً جيداً في ريادة الأعمال وتمكنت من قيادة مؤسسات اقتصادية في قطاعات حيوية مثل القطاع المصرفي والنفطي والعقاري، وأـصبح هناك عدد من سيدات الأعمال اللواتي يهيمنّ على مؤسسات ذات قيمة اقتصادية وتعمل في أنشطة حيوية. قد لا تكون نسبة النساء اللواتي يشغلن مواقع قيادية في المؤسسات الاقتصادية كبيرة أو تلبي الطموح الهادف الى المساواة أو على الأقل ما يمثل تمكينا مناسبا للمرأة العاملة، بيد أن التطورات الجارية لا تزال تعزز التفاؤل. العديد من النساء ورثن مواقعهن في مؤسسات عديدة من آبائهن أو أزواجهن، ولا شك في أن ذلك يؤكد قبول البيئة الاجتماعية للدور الإداري والاقتصادي للمرأة. هناك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لا توظف عدداً كبيراً من العاملين، أبرزت دورا أساسيا للمرأة فيها بعدما تبنت دول عربية، خصوصاً في منطقة الخليج، تشجيع قيامها وتوفير التمويلات الميسرة لها.
الاستقلال الاقتصادي للمرأة يمنحها حرية في اختياراتها الاجتماعية ويعزز دورها كزوجة وأم ويمنحها القدرة على الاستقلال في حياتها، ويدعم الاستثمار في القوة البشرية العربية.
تعمل هذه المؤسسات المحدودة الحجم في قطاعات عديدة وبرز دور المرأة في تأسيس هذه الشركات أو المؤسسات خصوصاً في قطاع المطاعم والمقاهي والخدمات السياحية وخدمات التجميل، وهناك أيضا تلك المتعلقة بصناعة الملابس والسلع المنزلية. تعمدت الكثير من الفتيات الإنخراط في دراسة فنون المطاعم والمطابخ وصناعة الملابس وتصميم الأزياء بما يؤكد الانعطاف المهم في التوجهات المهنية للمرأة العربية خلال السنوات المنصرمة، والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية ومتطلبات سوق العمل.
أصبح انخراط المرأة في سوق العمل واقعاً في العالم العربي ومن الصعب تقييده. وباتت المرأة تملك حريتها واستقلالها الاقتصادي بعدما تأهلت تعليمياً وتمكنت من الحصول على العمل في الإدارات الحكومية أو منشآت القطاع الخاص أو أسست عملها الخاص أو المستقل.
غني عن البيان ان الاستقلال الاقتصادي للمرأة يمنحها حرية في اختياراتها الاجتماعية ويعزز دورها كزوجة وأم ويمنحها القدرة على الاستقلال في حياتها. لا شك في أن الافادة من دور المرأة في العمل الاقتصادي سوف يدعم الاستثمار المفيد للقوة البشرية في مختلف البلدان العربية، إذا ما تم صوغ برامج التنمية البشرية على أسس علمية مفيدة تأخذ في الاعتبار التحولات التقنية ومتطلبات أسواق العمل. لكن يجب أن تكيَّف القوانين والأنظمة الحاكمة للعمل الاقتصادي والتوظيف والتقاعد بما يؤدي إلى استثمار أفضل لدور المرأة الاقتصادي. هناك قوانين تفرض تقاعد المرأة بعد سن الخمسين التي أصبحت تعتبر سناً مبكرة وتعطل الافادة من النساء اللواتي كسبن خبرة مفيدة في مجالات العمل. كذلك هناك اشتراطات تحول دون انخراط المرأة في مهن مثل تلك المتعلقة بالانشاءات أو الأمن. وتواجه دول الخليج محددات اجتماعية وقيمية تعطل اضطلاع المرأة في مهن ووظائف حيوية مثل التمريض الذي يعتمد على الوافدات بشكل كبير، على الرغم من وجود معاهد متخصصة تحث على انخراط المرأة الخليجية فيها. يظل دور المرأة في الحياة الاقتصادية في مختلف البلدان العربية دون الطموح ومن المهم السعي لإنجاح برامج تمكين المرأة اقتصادياً.