مشهورة قصة (أسطورة؟) أبي نؤاس مع معلمه خلف الأحمر، حين استأذنه لقول الشعر، فطلب إليه خلف الأحمر أن يحفظ ألف مقطوعة من الشعر، وحين حفظها وألقاها على مسامعه، أمره الأحمر بأن ينساها قبل أن يجيزه لقول الشعر.
تذكرت هذه القصة خلال استخدام برنامج الذكاء الاصطناعي، "تشات جي بي تي"، حيث طلبت منه، بداية بالإنجليزية، ثم بالعربية، كتابة قصيدة تتضمن مجموعة من المفردات اخترتها سلفا له. وعلى عكس ما يتواتر عن أخطاء البرنامج الفادحة في مجالات الأرقام والعلوم، بدا واضحا أنه يستطيع "إنتاج" قصيدة، بالفعل. ولا أبالغ إن قلت إن القصيدتين (العربية والإنجليزية)، والمكوّنتين من مقاطع عدّة تتخذان نموذجا لهما القصيدة الموزونة الإنجليزية (أما بالعربية فتبدو أقرب إلى الترجمة، إذ يبدو أن لا نموذج معتمدا بعد)، ليستا أسوأ بكثير من أطنان الشعر الذي تحفل به خصوصا منصات التواصل الاجتماعي. لكنّ السؤال يبقى: هل ما أنتجه البرنامج هو شعر حقا؟
الإجابة بالطبع: لا.
ولكن قبل الاستطراد في هذه المسألة، لا بأس بتفصيل تجربتي قليلا في كتابة الشعر عبر "تشات جي بي تي".
بين قصيدتين
بدا لافتا بالنسبة إليّ، أن البرنامج ارتبك حين طلبت منه كتابة قصيدة بالعربية تتضمن مفردات: "ليل، حزن، صباح، فرح، بيت وغابة"، وظلّ متوقفا عند الكلمات الأولى: "يا ليل الحزن، بي...". وبعد محاولات لم تنجح في تجاوز هذه الكلمات لأكثر من عشر دقائق، قمت بتبديل الكلمات، فجعلتها "اكتب قصيدة فيها بيت، حب، فرح، ضوء، سماء"، فأنتج البرنامج خلال ثوان قصيدة سمّاها بنفسه "قصيدة الحب السماوية". لا بأس بمشاركة هذه القصيدة هنا، إذ لعلها تكون أول قصيدة عربية يكتبها هذا البرنامج، وقد جاءت من أربعة مقاطع:
في ذاك الليل الهادئِ الجميلِ
وأنا أسيرٌ في أفكاري الدَّليلِ
إذ تعالى بيتٌ في قلبي ينبضُ
بأنغامِ الحبِّ والفرحِ المُفتَرِضِ
وفجأة أشرقَتْ سماءٌ بأنوارٍ
تداعبُ الفؤادَ وتشعُّ في الأذهانِ
وفي ضوئها الناعمِ العذبِ الرائعِ
تحوّلتْ الأحلامُ إلى واقعٍ تراهُ الأعيانِ
فما أجملَ هذا الحبِّ الذي يسكُنُ
في قلبي ويسري في شراييني
وما أروعَ هذا الفرحِ الذي يغمُرُ
روحي ويجعلُها ترتقي إلى السَّماءِ المحيطةِ بيني
فليسَ هناكَ أجملُ من هذا الضَّوءِ
الذي ينيرُ دروبَ الحياةِ المضيئةِ
ويشعُّ بالأملِ والتفاؤلِ
ويزرعُ في القلبِ السُّرورَ والسَّعادةِ.
حتى لو أخذنا "القصيدة" أعلاه على بساطتها و"آليتها"، سنجد فيها كلمات وتعابير لا يمكن استخلاص معنى منها ولا صورة شعرية، مثل "وأنا أسيرٌ في أفكاري الدليل" أو "الفرح المفترض" (بكسر الراء) أو "السماء المحيطة بيني" أو "ينير دروب الحياة المضيئة"، وهذا أقرب ما يكون إلى التعامل مع روبوت بدائي لا يزال يتهجّى لغة (الشعر) لا قبل له بها.
أما القصيدة التي طلبتها من البرنامج باللغة الإنجليزية، فلا تتضمن مثل المشكلات الواضحة التي تتضمنها زميلتها العربية، وقد أعطاها البرنامج عنوان "قصيدة حب ليلة ماطرة"، وهذا نصها بالإنجليزية:
Love and sadness mix like rain on leaves
Falling softly in the night like whispered grieves
Trees sway in the wind, their branches low
A sight to behold, like the ebb and flow
The table stands still, a silent witness
To the emotions that spill, like an endless bliss
With each drop of rain, love and sadness unite
In a dance that's both pain and pure delight
The night is dark, but the rain brings light
Cleansing the soul with its misty might
Trees stand tall, like sentinels of the heart
Guiding us through the storms that tear us apart
And so the rain keeps falling, night after night
A reminder of love that's both beautiful and bright
The table remains steadfast, a symbol of hope
That through the rain and sadness, love can cope