طريق المصالحة الوطنية في ليبيا مليء بالعقبات والتحديات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، لكنه غير مستحيل. تحقيق المصالحة ووقف العنف على الأرض شرط أساس نحو الانتخابات وإعادة توحيد البلاد وإنهاء حرب أهلية، يتصارع فيها حلفاء الأمس وخصوم اليوم بدعم خارجي متواصل، منذ إطاحة العقيد معمر القذافي بطريقة دراماتيكية عام 2011 في سياق ما عُرف بالربيع العربي.
ولعل زيارة المبعوث الأميركي وليام بيرنز مسؤول وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية واجتماعه مع كل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عبد الحميد دبيبة، ولقاءه بالمشير خليفة حفتر رئيس الجيش الوطني في بنغازي، إشارة من الولايات المتحدة ومعها أصدقاء ليبيا، إلى أن العالم تعب من هذه الحرب المجنونة وحان الوقت لوقفها، كي لا تكون خلفية لصراعات ونزاعات وأعمال إرهابية تطال أجزاء من أفريقيا والشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. وكانت ليبيا في عهد القذافي مسؤولة عن عدد من العمليات الإرهابية ضد مصالح كثير من الدول، منها تفجير طائرة "بان أميركان" فوق بلدة لوكربي في اسكتلندا نهاية ثمانينات القرن الماضي.
تعتقد واشنطن أن ليبيا لا تزال وكرا ومنبعا لعمليات إرهابية محتملة، قد لا تسيطر عليها الحكومتان المتنافستان على السلطة. وهناك مخاوف حقيقية عبّر عنها المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، أمام مجلس الأمن الدولي في أول تقرير له حول الوضع الداخلي، قائلا إن "بعض اللاعبين على الساحة الليبية يعرقلون التقدم صوب الانتخابات". وتزداد المخاوف من أن يصبح التقسيم الحالي للبلاد أمرا واقعا تفرضه القوى المسيطرة على الأرض وداعموها من الخارج.
وتوقع خبراء في مركز "سترافور" الأميركي للدراسات الأمنية والاستخباراتية، المقرب من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، في تقرير جديد يرسم ملامح التطورات المتوقعة في العام 2023، أن تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عاما آخر مضطربا. وهناك مخاوف حقيقية من أن أي فشل في الوصول إلى الانتخابات، من شأنه تفجير الحرب مجددا في ليبيا، مما قد يفتح مساحة جديدة للاحتكاك بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، في المنطقة المتاخمة بين أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط والبحر المتوسط،وتكون امتدادا غير مباشر للحرب في أوكرانيا،خصوصا أن تركيا أحد لاعبيها الأساسيين.