إذ تنطلق الدورة الخامسة والتسعون من جوائز الأوسكار خلال أيام، نتوقف عند جملة من التحديات تواجه أهم جائزة سينمائية عالميا، إلى جانب قراءة مستفيضة للترشيحات الأساسية ومَن هم الأقرب إلى دخول نادي الرابحين.
تنطلق هذه الدورة في الثاني عشر من مارس/آذار حاملة ما يُثير اهتمام أوساط كثيرة تبدأ بالوسط السينمائي الأميركي والدولي، وتشمل المتنافسين على الجائزة الذهبية الأشهر والإعلاميين والمتابعين من النقاد والهواة والمحترفين على حد سواء.
لكل فريق نصيب من هذا الاحتفال. لكل جائزة صداها. لكل فائز مصير قد يكمن في استمرار نجاحه أو ارتقائه مستوى أعلى.
الأوسكار، هو ذلك الصرح الذي انطلق ليل السادس عشر من مايو/أيار 1929 للمرّة الأولى. جزء أساسي من تاريخ السينما بأسره بدأ ذلك الحين، إذ لم تكن هناك أي مبادرات شبيهة تهدف إلى تكريم مؤسسة ما بالإنتاجات السينمائية والاحتفاء بصانعيها.
تلك الدورة شملت الأفلام التي عرضت على الشاشات الأميركية ما بين الأول من أغسطس/آب 1927 والأول من الشهر نفسه من سنة 1928. احتشد في فندق "هوليوود روزفلت"، الذي لا يزال قائما إلى اليوم مع بعض غبار التاريخ المديد، أرباب الصناعة وأبناؤها، وذهبت الجوائز الرئيسية (وربما اعتبرت كلها رئيسية) إلى فيلم "أجنحة" Wings لوليم ولمان وكان بذلك أول فيلم ينال أوسكارا في التاريخ.
أفضل مخرج كان فرانك بورزاج عن "السماء السابعة"، فيلمه العاطفي الممتاز الذي تقع أحداثه في باريس، وإلى جانبه على الصعيد الكوميدي المخرج ذي الأصل الروسي لويس مايلستون عن فيلمه "فارسان عربيان" (Two Arabian Knights).
على صعيد الممثلين خطف الألماني إميل جانينغز الأوسكار عن فيلم حربي آخر هو "الوصية الأخيرة" (The Last Command) في حين نالت جانيت غاينور الجائزة نفسها عن بطولتها لفيلم "السماء السابعة".
مستويات مقلقة
لا يزال الأوسكار يثير الحماسة ذاتها بعد 94 سنة ويشكّل الأهمية الكبيرة لصانعي السينما والمشتركين في كل خانة من خانات صناعتها. من الكتابة إلى عمليات ما بعد التصوير، مرورا بالإخراج والتصوير والتمثيل والمؤثرات وجوانب العالم الوهمي الذي يعيش بيننا منذ أكثر من 120 سنة.
هناك تحديات كبيرة في كل دورة من دورات الأوسكار وخصوصا من العام 2000 حتى اليوم.
لا تطاول تلك التحديات التي يدلف إليها المتنافسون على جوائز "أكاديمية العلوم والفنون السينمائية" مالكة الأوسكار تاريخا وحاضرا ومؤسسات، بل تطاول أساسا على وضع الحفل الأوسكاري في حد ذاته. وبالتالي قيمته ومعناه، وما إذا كان لا يزال اليوم يحوز الأهمية الكبيرة نفسها.
لقد شهدت نسبة مشاهدي حفل الأوسكار هبوطا شبه متوال من العام 2000 إلى العام الماضي. إذ بلغ عدد مشاهدي الحفل على شاشات المحطات التلفزيونية في الولايات المتحدة 46 مليونا و330 ألف مشاهد في سنة 2000 بحسب موقع Statista، الذي لا يزال الرقم الأعلى منذ ذلك الحين حتى العام الماضي عندما وصل عدد المشاهدين إلى خمسة عشر مليونا و360 ألف مشاهد.
في العام 2021 بلغ أدنى مستوى له إذا اكتفى بعشرة ملايين و400 ألف مشاهد.
خلال هذه السنوات كانت هناك قمم عالية لكنها لم تتساو مع الرقم المسجل لسنة 2000. مثلا ارتفعت النسبة من 33 مليونا سنة 2003 إلى 34 مليون و530 ألف مشاهد في 2004، وبعد سنوات من الهبوط حقق الأوسكار نسبة عالية سنة 2014 عندما بلغ عدد مشاهديه 43 مليونا و700 ألف مشاهد. لكن النسبة صارت دون ذلك الرقم المذكور، من ذلك العام إلى السنة الماضية.
الحفل الذي يُبث على شاشة ABC الأميركية يأتي مدعوما باتفاق مع مالكي تلك المحطة ("وولت ديزني كومباني") التي تدفع للأكاديمية مليار دولار طوال عشر سنين تنتهي في العام 2026 قابلة للتجديد كما يتوقع خبراء المهنة على الرغم من تراجع الإقبال.
نسب متفاوتة
بناء على ذلك كله، فإن إقبال المشاهدين في أميركا، وباقي العالم، على أهميّته، يشكل نصف الحافز الذي يقف وراء اهتمام صناعة السينما في هوليوود وحول العالم بهذا المنجز الضخم. النصف الثاني، والأهم، يتألّف من صانعي السينما في كل جانب وشأن واحتراف. يحلّ الأوسكار في آخر صف موسم الجوائز الذي يحتوي على البافتا البريطاني والغولدن غلوبز الأميركي وسيزار الفرنسي وعشرات الجوائز التي توزعها مؤسسات وطنية، وهو يعتبر شيخ الجوائز تاريخا وأكبرها إلى اليوم.
هناك أكثر من سبب، بينها اعتماد أهل المهنة اليوم على تسجيل التميّز والنجاح تماما كما كانت حال من سبقهم من منتجين ومخرجين وكتاب ومديري تصوير وموسيقيين وباقي المنتمين إلى فعل صناعة الفيلم وإنتاجه. هوليوود تحتاج إلى الاحتفاء بنفسها، بصرف النظر عن نسبة المشاهدين. ستكون سعيدة أكثر لو ارتفعت هذه النسبة، لكن الأوسكار ذاته ليس موقع نقاش أو مساومة.
هناك 9579 مقترعا، كلهم أعضاء في الأكاديمية كشرط. هذا جسدٌ متين من المقترعين يفوق عدد المقترعين في أي مناسبة أخرى. النسبة الكبرى من هؤلاء هي من الممثلين والممثلات (قرابة 40 في المئة) يتبعهم المخرجون والمنتجون (نحو 26 في المئة) ثم باقي أصحاب الحرف المختلفة.
هذا لا يعني أن الجميع يصوّت معا في وقت واحد. ذلك لأن الترشيحات تنقسم ثلاثة أقسام أساسية: الترشيحات الأولى التي تتم فيها مشاهدة كل فيلم روائي أو تسجيلي أو رسوم متحركة تختاره اللجنة. من هذه النسبة يتم اختيار "اللائحة الطويلة" لكل قسم، ومنها يدلف الجميع إلى الترشيحات الرسمية.
هذه الترشيحات الرسمية هي التي يصوت عليها المقترعون جميعا. ما سبق ذلك، تختلف النسب من مسابقة إلى أخرى.