لا يزال ملايين المصريين حائرين يتساءلون عن موعد الخروج من الأزمة الاقتصادية التي غيرت أنماط حياتهم وأولوياتها، وأدت إلى اضطرابات وتبدلات قاسية لدى كثر منهم بعد تعويم الجنيه المصري، ولا سيما في ضوء ما نجم عن ذلك من تضخم وارتفاعات يومية في الأسعار.
في السابق كان مبرر التضخم استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، لكن هذا التبرير لم يعد ينفع بعد تعويم العملة المصرية أكثر من مرة في فترة قصيرة، ما رتَّب تراجعا في قيمة الجنيه، ورفع بالتالي أسعار كل ما تستورده مصر من الغذاء ومستلزمات الإنتاج في مختلف المجالات، وصار الفقر يقترب أكثر من الطبقة المتوسطة فيدفعها إلى قرارات جذرية تغيّر من أنماط معيشتها.
كثر يلمحون إلى أثر الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي وحصول مصر على قرض قيمته ثلاثة مليارات دولار، مقسطة على 46 شهرا لتعديل الخلل في ميزان المدفوعات، مع اشتراط خفض قيمة العملة. ترافق ذلك مع بعض التطمينات الحكومية والوعود بتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي المقدمة إلى الفئات الأولى بالرعاية. لكن القوة الشرائية لمختلف السلع والمنتجات انخفضت على الرغم من التصريحات البراقة، في حين تشهد الأسواق حالة من الركود، فالأسعار أصبحت خارج السيطرة حتى مع تدخل الحكومة لضبط السوق بلا جدوى، ولم يسلم القطاع الخاص والشركات الصغيرة والمتوسطة من شروط الصندوق. وجاء أثر التعويم على المصريين كافة، انخفاضا في قيمة الجنية في مقابل الدولار بنسبة 65 في المئة في 10 أشهر فقط، وصار الدولار في مستوى 30 جنيها.
في الجانب السلبي للتعويم، يرى بعض الخبراء أن الإجراء غير ملائم في بعض الأحيان لأسباب عدة منها: زيادة الضرائب على المواطنين، وإضعاف الشركات المحلية في المنافسة عالميا بسبب ارتفاع التكلفة، وارتفاع أسعار المواد الخام. أما الجانب الإيجابي لتعويم الجنيه فيتمثل في رأي خبراء آخرين في زيادة الصادرات للمنتجات المحلية وزيادة الطلب عليها بسبب انخفاض العملة، وتشجيع ترشيد الاستهلاك والاعتماد على المنتجات المحلية نتيجة لارتفاع أسعار المنتجات المستوردة، وزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية لاستغلال فرصة انخفاض العملة.
ويعيش ثلث سكان مصر البالغ عددهم 104 ملايين نسمة تحت خط الفقر، بحسب أرقام البنك الدولي، وثمة ثلث آخر معرّض للفقر. وأوقفت مرونة سوق الصرف عمل السوق الموازية والمضاربات على الدولار في يناير/ كانون الثاني الماضي "بعدما فقدت مصر أكثر من 20 مليار دولار من "الأموال الساخنة"(Hot money) التي خرجت خلال الربع الأول من العام الماضي من البلاد"، وكانت هذه الجملة التي جاءت على لسان المسؤولين المصريين هي جرس الإنذار الذي استدعى تدخل الحكومة والمصرف المركزي في شكل حاسم في سوق الصرف.
وترتب على ذلك أزمة عنيفة في شح العملات الأجنبية، وعدم قدرة المستوردين على توفير الدولار لإتمام الإفراج عن المنتجات التي تكدست في الموانئ المصرية لتصل قيمتها الإجمالية إلى 14 مليار دولار في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2022، قبل أن ينجح المصرف المركزي في تضييق الفجوة بين أسعار صرف الدولار في السوق الرسمية والسوق السوداء، من خلال التدخل عبر العديد من الإجراءات، وسط تشديدات على ضرورة القضاء على الدولرة والمضاربات التي شهدتها سوق الصرف في مصر خلال الفترة السابقة.