كييف - اجتمع المسلمون المتحدروت في غالبهم من مناطق أوكرانيا الشرقية والجنوبية ذات يوم جمعة في أواخر شهر فبراير/شباط للصلاة في مسجد على قمة تل في العاصمة الأوكرانية وهم يواجهون الرياح العاتية في الخارج.
في غضون ذلك، كان مسلمون آخرون من خارج أوكرانيا يواجهون ظروفا أقسى بكثير على طول جبهات تبعد مئات الكيلومترات إلى الشرق، حيث كانت تدور معارك ضارية حول بلدات صغيرة يمكن وصفها بأنها معارك رمزية أكثر منها استراتيجية، لكنها مع ذلك جزء لا يتجزأ من "كل كيلومتر مربع" تعهّد الكثير من الأوكرانيين بالدفاع عنه.
بعدما اختُتمت الصلاة الجماعية في مسجد كييف وانفضّ المصلّون، تخلّف في المسجد قرابة 12 رجلا، بعضهم من أجل دراسة تفسير القرآن وتلاوته على الأرض الدافئة المفروشة بالسجاد الأحمر، وقد أشعلوا البخور وراحوا يتابعون القرآن في مصاحف كبيرة أمامهم.
في سبتمبر/أيلول 2022، أثار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي – المتحدّر من أصل يهودي – المفاجأة خارج البلاد عندما ظهر في فيديو وهو يقف بجوار لوحة كييف التي أقيمت لإحياء ذكرى رجل دينٍ مسلم قاد المقاومة ضد الأمبراطورية الروسية في القوقاز في القرن التاسع عشر.
خاطب زيلنسكي "شعوب القوقاز وسيبيريا وشعوب روسيا الأصلية الأخرى" قائلا: "أنا أقف الآن في ذلك الجزء من كييف الذي عاش فيه الإمام شامل، بطل داغستان وبطل القوقاز بأكمله في ستينات القرن التاسع عشر. وكما ترون، تعرف أوكرانيا تمام المعرفة كيف تكرم أبطالكم".
أضاف "يُدفع المواطنون الروس إلى حال الفقر دفعا كي يذهبوا إلى الحرب، ويقعون في الدَّين، يرهبهم القمع وتحاصرهم الدعاية بمضايقتها". لكنه تابع "يمكنكم تغيير هذا".
يدرك أولئك الذين يعيشون هنا تمام الإدراك أن الإسلام شكّل على الدوام جزءا لا يتجزأ من هذه الأرض. فمن بين الجمهوريات السوفياتية الخمس عشرة السابقة، كان ثمة ست جمهوريات ذات غالبية مسلمة.
ويبدو أن العلاقات بين أوكرانيا والعديد من الدول ذات الغالبية المسلمة قد توثقت أكثر منذ الهجوم الروسي الواسع النطاق على أجزاء عدة من أوكرانيا، الذي بدأ في 24 فبراير/شباط من العام الماضي، الأمر الذي يمثل تصعيدا كبيرا في الصراع الدائر منذ عام 2014.
في وقتٍ متأخرٍ من ليلة 26 فبراير/شباط، أنذرت صافرات الإنذار الأشخاص الموجودين في كييف، ومن ضمنهم مراسل "المجلة" بالذهاب إلى الملاجئ فورا.
وأعلن الجيش الأوكراني في 27 فبراير/شباط أنه أسقط 11 طائرة من أصل 14 طائرة مسيرة إيرانية الصنع في وقتٍ متأخر من يوم الأحد وصباح يوم الإثنين، ومن ضمنها جميع الطائرات التسع التي كانت تستهدف كييف.
لعب المقاتلون المسلمون من أوكرانيا نفسها والمقاتلون القادمون من المنطقة الأوسع - بما في ذلك القادمون من الشيشان ودول أخرى في القوقاز - دورا رئيسا في القتال ضد روسيا منذ بدء الصراع في عام 2014.
وعلى الرغم من عدم توفر إحصاءات يمكن الثقة بها، زعم العديد من أعضاء الجالية المسلمة الذين تحدثت إليهم "المجلة" في أواخر فبراير/شباط، أن هناك عددا يتراوح بين مليون ومليوني مسلم من بين عدد سكان أوكرانيا الذي قُدّر في عام 2021 بأكثر من 43 مليون نسمة.
كما يعيش في روسيا ما لا يقل عن 20 مليون مسلم من أصل إجمالي عدد السكان الذي يزيد على 140 مليون نسمة. وكشف مفتي روسيا في عام 2018، أنه يوجد ما لا يقل عن 25 مليون مسلم في روسيا، وعلق الكثيرون على النمو الكبير في عدد السكان المسلمين، حيث تزيد معدلات المواليد بينهم عنها في المجتمعات الأخرى.
بعض هؤلاء المسلمين "الروس" موجودون الآن في أوكرانيا، ويحاربون روسيا. فعلى سبيل المثل، ظهر لواء الشيخ منصور الشيشاني في أحد أكثر مقاطع الفيديو إثارةً، الذي نُشر في أوكرانيا العام الماضي وهو يقاتل في الصفوف الأمامية.
أمّنت الجدران التي تحيط بمسجد قمة تل كييف ملاذا لفترة قصيرة من البرد القارس في الزيارة التي قامت بها "المجلة" في 24 فبراير/شباط، في وقتٍ كان من الممكن فيه رؤية لمحات من نهر دنيبرو الذي يجري عبر المدينة شاقا طريقه بين الأبنية التي تحف بالشوارع المنحدرة إلى الأحياء السفلية من المدينة. ينبع النهر من منطقة بالقرب من سمولينسك في روسيا ويتدفّق عبر بيلاروسيا قبل أن يعبر أوكرانيا كي يصب في البحر الأسود، حيث تقع مدن الموانئ والشواطئ الأوكرانية المقابلة لتركيا.
قال رجلٌ كان يؤدي الصلاة في المسجد إنه ينحدر من منطقة في خيرسون الواقعة في الجنوب الشرقي من أوكرانيا لكنه أفلح في الفرار في الأيام الأولى للاحتلال الروسي لمدينته العام الماضي. وأضاف أنه تمكّن لاحقا من إخراج عائلته الصغيرة، لكن ذلك كان أمرا معقدا للغاية.
وقال رجلٌ آخر إن عائلته تنحدر أصلا من دونيتسك، وهو إقليم يقع أيضا في الجزء الشرقي من البلاد حيث تدور حاليا أعتى المعارك.
ورحّل الاتحاد السوفياتي السابق مئات الآلاف من تتار القرم في مايو/أيار 1944 إلى مناطق أخرى، كان يقع معظمها في أوزبكستان. ولم يُسمح لهم بالعودة إلا بعد عقود من ذلك التاريخ. ولقي الآلاف حتفهم أثناء الترحيل وبعده بسبب الظروف القاسية التي عانوا منها. واعترفت أوكرانيا، وليتوانيا، ولاتفيا، وكندا رسميا بالترحيل الجماعي باعتباره إبادةً جماعية.