لا يزال الجدال محتدما حول علاقة بريطانيا التجارية المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، ولم يفقد تأثيره السياسي السيء، بعد مرور ثلاث سنوات على خروج لندن من الاتحاد (بريكست).
عندما أنهى رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون أخيرا علاقة المملكة المتحدة الإشكالية مع بروكسيل في 31 يناير/كانون الثاني 2020، ساد أوساط السياسيين من جميع الاتجاهات شعور عام بالارتياح لاعتقادهم بأن الجدالات المريرة حول علاقة المملكة المتحدة المستقبلية بأوروبا يمكن أن تهدأ أخيرا.
نجح جونسون في ديسمبر/كانون الأول 2019 في تحقيق نصر ساحق له، بسبب وجود أكبر أغلبية برلمانية محافظة منذ مارغريت تاتشر. ويعود ذلك في المقام الأول إلى الوعد الذي قطعته حملته بـ"إكمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". وتمكنت لندن تحت قيادته أخيرا من إبرام اتفاقية انسحاب واسعة النطاق غطّت طيفا واسعا من المسائل مثل المال وحقوق المواطنين والترتيبات الحدودية وسبل حلّ النزاعات.
وعلى الرغم من أن الاتفاقية، التي صادق عليها برلمانا المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في أواخر يناير/كانون الثاني، لم تكن مثالية. فقد وضعت إطارا للعلاقة التجارية المستقبلية بين بريطانيا وبروكسيل وسمحت للندن بحرية متابعة صفقات تجارية جديدة مع أجزاء أخرى من العالم.
مع ذلك، فيما نجحت اتفاقية الانسحاب في تحقيق هدفها الرئيس في إنهاء عملية التفاوض العسيرة حول العلاقات المستقبلية لبريطانيا مع بروكسيل، طغى على السطح عيب رئيسي واحد تمثّل في الترتيبات المنفصلة التي توصّل إليها جونسون في علاقة أيرلندا الشمالية التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
منذ بداية عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي بدأت بقرار بريطانيا التاريخي عام 2016 مغادرة الاتحاد الأوروبي، ظهرت قضية أيرلندا الشمالية كواحدة من أكثر القضايا تعقيدا. ففي حين أن هذا الإقليم هو دستوريا جزء من المملكة المتحدة، إلا أنه الجزء الوحيد من الدولة الذي له حدود برية مباشرة مع الاتحاد الأوروبي بطول 310 أميال (حوالى 500 كيلومتر) مع جمهورية أيرلندا.
وتعتبر الحدود الأيرلندية موضوعا شديد الحساسية، تثير استياء الجمهوريين الأيرلنديين الحاد، لأنهم يعتبرون هذه الحدود من بقايا الحكم الاستعماري البريطاني الذي يعيق سعيهم القديم لإعادة توحيد جزيرة أيرلندا.
قبل التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت ضوابط الحدود بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية قد أزيلت تقريبا، وذلك كجزء من اتفاقية "الجمعة العظيمة" التي تفاوض عليها توني بلير في عام 1998 لإنهاء عقود من العنف الطائفي بين الكاثوليك والبروتستانت. في ذلك الوقت، لم يكن وجود ما يسمى بالحدود "الصلبة" بين دبلن وبلفاست ضروريا، لأن كلا من المملكة المتحدة وأيرلندا كانتا عضوين في الاتحاد الأوروبي.