في المقابلة التي اجرتها "المجلة" مع برنامج الذكاء الاصطناعي الجديد "تشات جي بي تي"، اقتربت الاجابات التي تناولت القضايا العربية مرتين مما يُشبه رأيا سياسيا يستحق الصفة هذه.
مرة في اجابته عن إمكان التوصل الى سلام بين اسرائيل والفلسطينيين، ومرة ثانية عن الحل المقترح للأزمة في سوريا. الاسئلة الثلاثة الأخرى من بين الاسئلة الخمسة التي تضمنتها المقابلة، جاءت ردود "تشات جي بي تي" عامة وتقوم على تقييم محايد (الحرب الاوكرانية- الازمات التي يعاني منها العالم العربي) وعلمي - تقني (اسباب الزلازل في سوريا وتركيا) إذا جاز التعبير.
الاجابتان المنطويتان على "رأي" تستحقان التأمل. فإلى جانب لجوء "تشات" في جميع ردوده تقريبا الى الابتعاد عن تقديم وصف دقيق من خلال استخدامه كلمات "معقدة" و"ديناميكية" و"يصعب التوقع" وما شابه، قدم البرنامج الذي يشغل بال العالم حاليا، مستويين مختلفين في كلامه عن القضيتين الفلسطينية والسورية.
لنبدأ مع اجابته عن تسوية القضية الفلسطينية. يقول "تشات جي بي تي": ينبغي لكلا الطرفين (الفلسطيني والاسرائيلي) أن يبديا استعدادا لتقديم التنازلات وأن يتفاوضا بحسن نية. لكن ذلك يتطلب أيضا دعم المجتمع الدولي، ولا سيما دعم اللاعبين الرئيسيين كالولايات المتحدة والدول العربية، ناهيك بمشاركة المنظمات الدولية والإقليمية كالأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي".
ويتابع "في النهاية يمكن القول إن تحقيق السلام سيتطلب التزاما طويل الأمد واستعدادا لمعالجة القضايا الأساسية التي تغذي الصراع. وعلى الرغم من أنها قد تكون مهمة صعبة وشاقة، فإن من الممكن تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين باتباع النهج الصحيح وفي حال توفر القيادة الحكيمة والدعم الدولي".
الملاحظة التي لا يمكن أن تفوت القارئ العربي هي ان الاجابة تضع الفلسطينيين والاسرائيليين في مساواة كاملة. عليهما ان "يستعدا لتقديم التنازلات والتفاوض بحسن نية". تتلاءم الرؤية هذه مع المواقف التي تبناها المجتمع الدولي وخصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي في ما يخص آليات التفاوض.
المساواة بين الطرفين، وإن كانت ضرورة للتفاوض "بحسن نية" ألا انها تغفل التفاوت الهائل في موازين القوى بين الجانبين والسياق التاريخي للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي والاهم أنها تتجاهل البعد الاخلاقي للقضية التي يلخص "تشات جي بي تي" عناصرها بـ "حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية، ووضع القدس ومصير المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وحقوق اللاجئين الفلسطينيين".
عناصر القضية كما يذكرها البرنامج صحيحة. لكن لكل واحد منها خلفيات قانونية. هل المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية شرعية أم لا؟ أي هل تتفق مع القانون الدولي أو تتعارض معه؟ يحملنا السؤال الى واحد أعمق:هل يتبنى "تشات جي بي تي" القانون الدولي في القضية الفلسطينية او ينكره؟ فالاجابة شديدة الوضوح باتساقها مع الخطابة التي لجأ المجتمع الدولي اليها لتسهيله اجراء المفاوضات وتذليل العقبات امامها . بكلمات ثانية: لو لم يجر الالتفاف على ذكر الوضعية القانونية للمستوطنات الاسرائيلية لما وافقت الحكومة الاسرائيلية على الشروع في المفاوضات. تنازلت السلطة الفلسطينية عن اعتبار المستوطنات خرقا للقانون الدولي وعن التمسك بقرارات مجلس الامن الدولي في هذا الخصوص وأصبح الموقف الدولي هو ان المستوطنات موضوع تفاوض وليس ادانة وازالة ما يتفق مع السياسة الاسرائيلية بفرض أمر واقع غير قابل للتغيير.
هل يتبنى "تشات جي بي تي" القانون الدولي في القضية الفلسطينية او ينكره؟ الاجابة شديدة الوضوح باتساقها مع الخطابة التي لجأ المجتمع الدولي اليها لتسهيله اجراء المفاوضات وتذليل العقبات امامها.
ووصل الرأي هذا الى "تشات جي بي تي".