عندما نتطرّق إلى المنافسة الصينية -الاميركية على الساحة الإفريقية، فإننا نعني في المقام الأول البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، رغم أن شمال أفريقيا لا يشكل استثناءً من هذه المنافسة. فشمال أفريقيا يمثّل مجموعةً متباينةً من الفرص والتحديات لكل من الصين والولايات المتحدة لكونه جزءا من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولقربه الجغرافي من أوروبا. أما المنطقة الأفريقية المهمة الواقعة جنوب الصحراء، فقد كانت الولايات المتحدة، على مدار القرن الماضي، تحظى بالأفضلية فيها، لأسباب اقتصادية، وسياسية، وعسكرية، لكنّ الصين آخذةٌ باللحاق بها على نحوٍ سريع في الآونة الأخيرة.
فحجم الاهتمام الدولي الذي جرى إيلاؤه لأفريقيا جنوب الصحراء مُذهل، وعلى وجه الخصوص منذ عام 1990. وهو يذكرنا بالفترة الواقعة بين 1884 و1910 عندما قامت القوى الاستعمارية الأوروبية بتقسيم أفريقيا بهدف استغلال مواردها الطبيعية الغنية والذي غالبا ما يشار إليه باسم "التدافع على أفريقيا".
حصل "التدافع على أفريقيا" هذا عندما قسّمت القوى الاستعمارية الأوروبية أفريقيا بهدف استغلال الموارد الطبيعية الغنية فيها. وما نشهده اليوم يمكن أن يسمى "التدافع الثاني" على أفريقيا، الذي لم يقتصر هذه المرة على استغلال الموارد الطبيعية للقارة، بل صار يشمل أيضًا الأسواق والقوى العاملة وخطوط الاتصال البحرية. يضاف إلى ذلك تغير اللاعبين الرئيسيين.
انخرطت القوى الأوروبية في التدافع الأول. في حين شمل التدافع الثاني عددا كبيرا من اللاعبين. فبالإضافة إلى القوى الأوروبية التقليدية التي ما زالت تتمتع بمصالح كبيرة، أصبحت الصين والولايات المتحدة وروسيا اللاعبين الرئيسيين في يومنا هذا. كما أظهرت دول مثل البرازيل وتركيا وحتى إيران اهتماما متزايدا في العقد الماضي لكنه أقل شأنا من الآخرين بكثير.
وفي حين أن اهتمام كل من الصين والولايات المتحدة بأفريقيا حديث الشأن إلى حد ما، تبدو الصين اللاعب الرئيسي في القارة الأفريقية في يومنا هذا وتحاول الولايات المتحدة اللحاق بها. وما زالت الدول الأوروبية مثل فرنسا والمملكة المتحدة تحتفظ بمصالح كبيرة، لكن نفوذهما آخذ في التضاؤل بالمقارنة مع الصين.
بدأت ثروات أفريقيا في التحول في عام 2000 تقريبا بعد فترةٍ من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والنمو الاقتصادي الضعيف الذي شهدته بعد عقد من حصولها على الاستقلال في الستينيات.
فمنذ ذلك الحين، نما الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا نموا ملحوظا، لا سيما الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا جنوب الصحراء والذي تضاعف بمقدار خمسة أضعاف، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا الآن 3 تريليونات دولار اميركي مع وجود احتمالات واعدة بمزيد من النمو الاقتصادي الكبير.
تستحوذ أفريقيا على قدرٍ كبيرٍ من النفط والغاز وتستحوذ على ما يقارب 30٪ من الموارد المعدنية المهمة في العالم والتي تزوّد عالمنا الحديث بالطاقة. وعلاوة على ذلك، ستصبح أفريقيا موطنًا لـ 40 في المائة من سكان العالم بحلول نهاية هذا القرن. والأهم من ذلك أنه بينما يتقدّم السكان في السن في أماكن أخرى، بما في ذلك الصين، فإن سكان البلدان الأفريقية هم في الغالب من الشباب، وسيزداد عدد الشباب بأكثر من 500 مليون شاب على مدى العقود الثلاثة المقبلة.
ونتيجة ذلك، ستكون أفريقيا موطنا لـ 42 في المائة من سكان العالم في سن العمل. كما أنه من المتوقع أن يزداد سكان المدن في أفريقيا بعددِ يصل إلى أكثر من نصف مليار شخص بحلول عام 2040، وهذا الرقم أعلى بكثير من النمو الذي شهده نمو سكان المدن في الصين في عقدي طفرة الصين في مجالي الاقتصاد والطاقة.
قصارى القول، من المتوقع أن تصبح أفريقيا مصدرا رئيسيا للعمالة والطاقة، وأن تغدو سوقا نامية أيضا. غني عن القول إن هذا يعتمد على قدرة الأنظمة السياسية على توفير الصحة والتعليم اللازمَين لاستدامة النمو. فالقوة العاملة الكبيرة في أفريقيا المزودة بالمهارات اللازمة التي تؤهلها لوظائف القرن الحادي والعشرين وما بعده ستكون نعمة ليس للمنطقة فحسب، ولكن للاقتصاد العالمي ككل أيضا. سوى أن هذا يعتمد فوق ذلك على كيفية قدرة الاقتصادات الرئيسية في العالم، في كل من الغرب والشرق، على إقامة نوع من العلاقات مع أفريقيا والتي تتيح لها الاستفادة من إمكاناتها.
كما تكتسب أفريقيا أهمية إضافية في التصدي للتهديدات العابرة للحدود الوطنية. إذ لا يمكن معالجة الأوبئة وانعدام الأمن الغذائي وتغير المناخ والإرهاب على نحوٍ فعّال من دون إشراك القارة في الجهود الدولية المكرسة لمكافحة هذه التحديات المتزايدة.
تمتلك أفريقيا إمكانات هائلة لتوفير الغذاء في ظلّ وجود أراض شاسعة صالحة للزراعة وغير مستغلة. ولا يمكن التقليل من دورها أيضا في إدارة التغير المناخي في ظل وجود 30٪ من الغابات المطيرة في العالم فيها. من ناحية أخرى، ونظرا لضعف أنظمتها الصحية وهشاشة أنظمتها السياسية، فهي عرضة لانتشار الأوبئة والإرهاب على حدٍ سواء. ومع ذلك يمكن لأفريقيا أن تقدم مساهمة حاسمة في مواجهة هذه التحديات، إذا تم ضخ الاستثمارات اللازمة لذلك، وعلى العكس من ذلك، إذا لم تتم معالجة نقاط الضعف الخاصة بها على نحوٍ كافٍ، فسوف تشكل صعوباتٍ متزايدةٍ تواجه العالم.
باختصار وبحلول عام 2050، ستكون أفريقيا موطنا لربع سكان العالم وموئلا لموارد طبيعية هائلة. ويعزّز أهميتها حقيقة أنها تقع على خطوط الاتصال والتجارة البحرية الرئيسية في المحيطين الأطلسي والهندي.
فليس من المستغرب، والحال كذلك، أن تتنافس الصين والولايات المتحدة على النفوذ في هذه القارة التي يتوقع أنها ستنعم بمستقبل واعد.
يعود الارتباط الاميركي بأفريقيا إلى ما قبل تأسيس الولايات المتحدة. وقد كانت ليبيريا واحدة من أوائل الدول المستقلة في أفريقيا، وقد أسّسها عبيد اميركيون بعد تحريرهم عام 1820.
وبرغم ذلك، لم تكن الولايات المتحدة تولي أفريقيا الاهتمام اللازم حتى النصف الثاني من القرن العشرين، إذ لم تكن إمكانات أفريقيا الاقتصادية موضع اهتمام. لكن بعد نهاية الحرب الباردة ومع التهديد المتزايد للإرهاب ولمواجهة النفوذ الصيني، أبدت واشنطن اهتماما ملموسا. والمجال الوحيد الذي أظهرت فيه الولايات المتحدة فعالية مقبولة كان حلّ النزاعات، سواء بالانخراط المباشر أو من خلال الأمم المتحدة.
ثمة مجالان تزايد بهما نشاط الولايات المتحدة هما مجال التدخل الإنساني كما حدث في الصومال عام 1993 ومجال مكافحة الإرهاب، وإن ذلك ترافق مع ترددّ كبير. وفي عام 2007، تمّ إنشاء منظمة AFRICOM"" (القيادة الاميركية في أفريقيا) كترتيب عسكري الغرض منه بناء قدرات الدول الأفريقية بهدف إبطال مفعول عنف المتطرفين، والاستجابة للأزمات.