تحفل ساحة النشر العربية بالعديد من الإصدارات الجديدة اللافتة في مختلف الأجناس الأدبية.
"المجلة" ترصد أبرز هذه الكتب التي صدرت من مختلف دور النشر والبلدان العربية، وتقدّمها بصورة موجزة.
- "حدث ذات مرة في لبنان" - حازم صاغية
إن كان الحدث يشير إلى زمن ماضٍ في كتاب "حدث ذات مرّة في لبنان" للكاتب السياسي اللبناني حازم صاغية، إلا أنه ينفتح على الراهن والمستقبل معا، بنقده وتحليله وتفكيكه لظواهر ثقافية ومشاهدات ووقائع وأحداث يومية يسبرها ويكشف مختلف أبعادها التي قد تسلم مقاليدها بيسر للقارئ، وهو بذلك يواصل طريقته الدائبة في إسقاط القداسة عن شخصيات أضحت بمثابة أساطير منزّهة عن الأخطاء في الواقع.
يشتمل الكتاب الصادر عن “مؤسسة دار الجديد” البيروتية على مقالات تتناول العديد من القضايا الثقافية والحياتية والفكرية تظلّ موضع سجال، يدلي صاغية بدلوه الفكريّ النقديّ فيها بمعزل عن أية مراضاة أو محاباة، ما يمثّل وجبة فكرية دسمة تتشعّب في اتّجاهات مختلفة تغطّي خريطة حياتية واسعة.
ومن هنا يكون الحدث الماضي متجدّدا ومتفعّلا وقابلا للمواجهة والمقاربة وموضوعا تحت مجهر النقد المعمّق بأسلوب صاغية اللافت.
- "دنيا" - طه عدنان
بعد مسرحيته الناجحة "باي باي جيلو"، يعود الشاعر والمسرحيّ المغربيّ طه عدنان ليرصد في مونودراماه المسرحية "دنيا"، من إصدارات "دار الفاصلة للنشر" في طنجة، حالة تشظّي فتاة مغربية من الجيل الثاني لأسرتها في بلجيكا، تعاني من الاغتراب، تعيش أزماتها الشخصية والهوياتية معا، تثير أسئلة وجودية عن الحرية والمنفى والحياة والهوية والانتماء، وتتمرّد لتظهر مدى استحقاقها بالحياة التي تبحث عنها وتليق بها، وذلك من خلال مواجهة مع الذات والآخر، مع إرث متراكم من المآسي يحاول إبقاءها رهينة زمن لا تنتمي إليه.
يبقى طه عدنان وفيّا لفنّ المسرح، ينشر نصّه "دنيا" بالعربية في زمن بات التهافت فيه جليا على الرواية التي بدأت تحتلّ حيّزا أكبر في النشر والقراءة في العالم العربيّ، وتراه بذلك يشدّد على أهمّية هذا الجنس الأدبيّ الذي يشهد تراجعا ملحوظا في الواقع، في ظلّ غياب خشبة مسرحية تتبدّى تحدّيا في عالم اليوم الذي ينحو نحو الصورة والشاشة ويمضي بعيدا عن التفاعل الحميميّ والمباشر بين الكاتب والمسرحية والجمهور.
- "البقاء للأعنف" - عمر الحمادي
يعمل الإماراتي عمر الحمادي في كتابه "البقاء للأعنف – نظرة في جذور الراديكالية" الصادر عن "منشورات تكوين" على تفكيك عدد من القضايا المتعلقة بالإهاب والتطرف والعنف، ويبرز كيف أن هناك اتجاهين يتجاذبان عالمنا أحدهما يسحبه إلى الماضي والآخر إلى المستقبل، ويشير إلى أننا كلما انغمسنا في رحلة الرجوع إلى الوراء ازدادت عندنا مشاعر البقاء للأعنف التي تريد عالما يكون الأصل فيه شنّ الحروب وإذلال الخصوم.
يشرّح عمر الحمادي المفاهيم ويبحث في أصل الإرهاب والحرب والتوحش، ويظهر كيف أن التطرف ليس مجرّد ردّة فعل، ويصفه بأنه مؤسسة هلامية ممتدّة في حياة الإنسان تتغذّى بدوافعه وغرائزه وعقده وقهره، يتحكم قادتها بأتباعهم كيفما يريدون، وينتقد بذلك ظاهرة "تأجير العقول" التي يستغلّها دعاة التطرف بأساليبهم الملتوية والمتقنّعة بأردية دينية بعيدة عن جوهر الدين نفسه.
يبدو الحمادي في هذا الكتاب مشغولا بسؤال الحضارة التي تظلّ مؤجّلة كلما تنامت فيها المظاهر السلبية التي تقود الأفراد والجماعات إلى الماضي وتبقيهم أسراه بدلا من الانهماك الحقيقي بحاضر متفاعل يقودهم بثقة نحو المستقبل.
- "الرواية العربية والمحرّم" - سالم الفائدة
يواصل الباحث المغربي سالم الفائدة في بحثه "الرواية العربية والمحرّم – التلقّي، اللغة ورؤية العـالم" تتبّع فعــل
الرقابة والتحريم وأثرهما في السرد الروائي العربي الحديث، ويعيد طرح الأسئلة تبعا لضرورات الواقع، لفهم دوافع الحظر على الرواية العربية، وماهية الأسباب الحقيقية لقمع الخطاب الروائي وتأثير الاختيارات الجمالية والبنى الفنية واللغوية الروائية في إثارة الرقي، كما يسعى لتبيّن الخلفيات التي يتمّ من خلالها تلقّي النصوص الروائية المحظورة، إلى جانب بحث وتحديد الملامح الفنية المميزة لرواية المحرّم.
يروم سالم الفائدة في عمق دراسته الصادرة عن “أفــريقــيا الـشــرق”، الـــدفع للتفكير في ظاهرة التحريم بوجوهها المختــلفة، الدينية والسياسية والاجتماعية، ليس من منطلقات تاريخية أو حقوقية، أو استنادا إلى موقف فكري نابع من تبنّي التنوير فقط، بل من خلال التركيز تحديدا على النصوص ومضامينها، وبنياتها الدلاليـــة واللغوية، في تفاعل مع الســياقات الحاضنة لفعل الحظر والتحريم.
- "الأفعوان الحجري" - نوري الجرّاح
يقتفي الشاعر السوري نوري الجرّاح في مجموعته "الأفعوان الحجريّ – مرثية برعتا التدمريّ لمحبوبته ريجينا" والتي يختار لها توصيف "سيرنادا شرقية"، أثر الشرق في الغرب ويسبر أغوار التاريخ ناسجا ملحمته الشعريّة التي يستلهم أركانها ويعيد بناءها بطريقته الخاصّة، بحيث يسبغ عليها رؤيته للشعر والعالم، وكيف أنّ الحبّ يجمع البشر ويلغي الفروقات ويساهم بإثراء تاريخ الحضارات والشعوب التي ظلّت في تأثير وتأثّر عبر الزمن.
يكتب نوري الجرّاح ديوانه وهو مسكون بالجرح السوري الذي ما يزال نازفا من أكثر من عقد من الزمن، سابرا لتاريخ دمشقيّ موغل في القدم، ولكن في منفاه البريطاني الذي يعيش فيه منذ نحو أربعة عقود، وكأنه بهذه القصيدة يجمع شتات روحه الدمشقية وما أثراها من هويات في رحلته الحياتية والشعرية الغنية بمحطّات ومفارقات كثيرة وبإسقاطات واستلهامات تؤثث عالمه وتمنحه مفاتيح لبناء ملحمته الشعريّة.
ويندرج هذا الديوان الصادر عن “منشورات المتوسط” ضمن الاتجاه الشعري الذي يحفر فيه نوري الجراح منذ أكثر من عقدين، بل صنع لنفسه حيزا خاصا في المشهدية الشعرية العربية المعاصرة.
- "رأس مدركة" - يونس الأخزمي
الشرق أرض الكنوز المدفونة والحكايات الساحرة والصحاري المجهولة والمناطق النائية يمثّل إغراء وتحدّيا لبطل رواية "رأس مدركة" للعماني يونس الأخزمي الذي يلتقط خيوطا مهمّة لتحبيك روايته، بحيث ينتقل إلى بدايات القرن العشرين، وبنوع من الاقتفاء والتقصّي يتابع رحلات بحارة إنجليز في بحر عمان جنحت بهم سفينتهم وقضوا هناك في حادثة مروّعة، ويبحث مع بطله عن ذهب مدفون في أعماق سحيقة تشكّل في حدّ ذاتها عوالم جديدة مكتشفة.
يختم يونس الأخزمي ثلاثيته الروائية "بحر العرب" والتي تتألف من "برّ الحكمان" و"غبّة حشيش" بالإضافة إلى "رأس مدركة" الصادرة عن "دار عرب" اللندنية، بحيث يغطي مراحل تاريخية من تاريخ بلده والعالم، ناهيك عن التعمق في التقاط تفاصيل البيئة المحلّية عبر شخصيات متعددة الخلفيات تتحرك في فضاء مفتوح، وكيف أن تلك البيئة ذخرت بالأساطير التي ما تزال تشكّل جوانب من الواقع وتدفع إلى التفكّر فيها والبحث والإبحار في ثناياها، ويظهر أنّ الحكايات تبقى كنوز التاريخ التي لا تفقد ألقها وسحرها.