تغيّرت العلاقات كثيرا بين دمشق وطهران، خلال العقود الأربعة الماضية. كانت سوريا بوابة إيران إلى التمدد في المنطقة من المنصة اللبنانية عبر "حزب الله"، فأصبح "بقاء النظام السوري" خلال العقد الأخير رهنا بدعم إيران (قبل تدخل روسيا في 2015) وميليشياتها، وتحولت سوريا معبرا للنفوذ الايراني في عموم الاقليم.
هذه جولة، في محطات العلاقة بين دمشق وطهران منذ 1979 إلى الآن، تشمل نشر وئائق رسمية سورية نقلها نائب الرئيس الراحل عبدالحليم خدام معه من دمشق إلى باريس قبل انشقاقه في 2005:
بعد توقيع مصر اتفاق كامب ديفيد مع اسرائيل وانقلاب الرئيس صدام حسين على "ميثاق العمل العربي"والخلاف مع "منظمة التحرير الفلسطينية" بزعامة ياسر عرفات، وجد الرئيس حافظ الأسد في انتصار "الثورة"في ايران عام 1979مخرجا للبحث عن توازن، قبل أن يلجأ الى توقيع "معاهدة صداقة"مع الاتحاد السوفياتي بداية الثمانينات.
افاد الأسد، وقتذاك، من وجود شخصيات ايرانية معارضة للشاه في لبنان، ما لبثت أن تسلمت الحكم في طهران. رعت سوريا الموجودة في لبنان منذ سنوات، دعم "حركة أمل" قادة "حزب تحرير إيران" في لبنان الذين كانوا يعتبرون رئيس "المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى" موسى الصدر "مرجعهم".ضمت قائمة المريدين، من أصبح لاحقا بعد"الثورة"، أول رئيس وزراء في إيران؛ مهدي بازركان، ونائبه صادق طبطبائي ابن شقيقة الصدر، وبعض الوزراء، منهم: إبراهيم يزدي وزير الخارجية الذي خلفه بعد استقالته صادق قطب زاده، ومصطفى شمران الذي تولى لاحقا وزارة الدفاع.
"تهنئة حارة"
الأسد، اقتنص الفرصة. بادر بإرسال رسالة "تهنئة حارة" إلى الخميني، أكد فيها "حرص سوريا على التعاون الشامل" مع إيران. ردت طهران، المتعطشة لنفوذ في بلاد الشام، التحية بأكبر منها. هنا يروي نائب الرئيس السوري الراحل عبد الحليم خدام في أوراقه، التي حصلت عليها "المجلة"، أنه تلقى في مطلع أغسطس/آب عام 1979، دعوة من وزير خارجية إيران، إبراهيم يزدي. وصل إلى طهران في 15 أغسطس/آب، وكان في استقباله يزدي وطبطبائي.
في تلك الزيارة التاريخية يروي خدام الكثير من القصص، بينها، أنه في الساعة الثالثة من فجر اليوم التالي، دخل أحد مرافقيه وأيقظه، وأبلغه أن الشيخ محمد منتظري (نجل حسين علي منتظري الذي كان نائبا للخميني قبل الاختلاف معه)، ومعه مجموعة، يريدون اللقاء به. شنّ هذا "الشاب الثوري"، حملة شعواء ضد حزب "البعث"الحاكم في سوريا، ثم طلب الصلاة جماعة مع خدام.
بعد لقاءات خدام، الذي كان وقتذاك وزيرا للخارجية، مع بازركان، رئيس مجلس الوزراء، في حضور يزدي وزير الخارجية، وطبطبائي نائب رئيس الوزراء، وتأكيدهم أن "الثورة" في إيران "ستعمل على بناء علاقات قوية مع سوريا الشقيقة"، توجه مع يزدي إلى قم للقاء الزعيم الحقيقي في إيران، الخميني، فكان خدام أول مسؤول سوري يقابله، بل المسؤول السوري الوحيد الذي اجتمع به.
وصل الجميع إلى حي شعبي في قم. يقول خدام: "في مدخل المنزل، غرفة صغيرة فيها مكتب وطاولة يجلس إليها شيخ. وبعد أن سلمنا عليه، دخلنا إلى غرفة ثانية صغيرة، طولها لا يتجاوز المترين ونصف المتر، وعرضها كذلك، وعلى أرضها بساط عادي. وكان الخميني جالسا، فنهض لاستقبالنا. كان الرجل يجلس على الأرض، وكذلك فعلنا. كان يستمع إلى محدثيه من العرب باللغة العربية، ويجيبهم باللغة الفارسية".
تحدث الخميني قليلا. في هذا القليل، تبادلا التأكيد لتعزيز العلاقات "وطلب مني نقل شكره للرئيس الأسد، وتحياته له، وحرصه على العلاقات المتينة مع سوريا". يعلق خدام: "كانت المقابلة قصيرة رمزية، لكنها كانت بالغة الأهمية، من حيث معرفتي تصميم الرجل الذي لمسته في كل عبارة كان ينطق بها". زاد: "بعد عودتي إلى دمشق، عرضت مجريات الزيارة على حافظ، ووجدنا أن الظروف متوفرة للتعاون مع النظام الجديد في إيران".