بدأت روسيا هجومها على أوكرانيا، الذي أسمته "عمليه عسكرية خاصة"، قبل عام (24/2/2022)، لكن تلك العملية لم تنته بعد، ولا أحد يعرف كيف أو متى ستنتهي، والأهم إنها تمخّضت عن حرب، بمعنى الكلمة، إذ نجم عنها خراب مدن، وتدمير بني تحتية، وتشريد ملايين الأوكرانيين، وانهيار اقتصادهم وحياتهم الاجتماعية، مع أزمات اقتصادية عالمية.
في غضون كل ذلك، انتهجت القيادة الروسية سياسة متعددة الوجوه قوامها:
أولا، التعتيم على مسارات تلك الحرب ورفض أو منع، أي انتقاد لها، في نظام شمولي، لا يعترف بالتعددية الحزبية، ويتحكم بوسائل الإعلام، ويصادر حرية الرأي، والتعبير، بل ويعاقب عليه، إلى حد أن رئيس مجلس النواب الروسي فياتشيسلاف فولودين، المفترض أنه يمثل المواطنين، اقترح مؤخرا إضافة مادة حول مصادرة ممتلكات المعارضين باعتبار أن العقوبات الحالية بالغرامات والسجن ليست كافية.
ثانيا، تقصّد عدم الوضوح أو التخبّط، في تحديد أهداف تلك الحرب ("العملية العسكرية الخاصة")، إذ تراوحت من الدفاع عن حق التحدث باللغة الروسية وحماية الأقلية الروسية في إقليم دونباس، إلى نفي وجود أوكرانيا كبلد ودولة، باعتبارها جزءا من الجسم الروسي، في التاريخ والجغرافيا واللغة والثقافة والدين، وصولاً إلى استهداف تغيير النظام الدولي الراهن، بنزع الهيمنة الأميركية عن العالم وبالتحول إلى نظام متعدد الأقطاب.
وشمل ذلك، أيضا، ما أسمته القيادة الروسية بـ "عملية نزع النازية" من أوكرانيا، ودرء تحولها إلى قاعدة لحلف "الناتو"، وحماية روسيا من محاولات اضعافها وتهديدها وتفكيكها، وأخيرا اقتطاع أربعة أقاليم من أوكرانيا وضمها نهائيا إلى روسيا (بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم).
ثالثا، انتهاج سياسة الإنكار أو الانفصال عن الواقع، بنفي اية انعكاسات سلبية أو ارتدادات عكسية، لتلك الحرب على روسيا ذاتها، من كل النواحي، السياسية والاقتصادية والعسكرية.
هذا ينطبق على كل الأهداف، من إضعاف الهيمنة الأميركية، وإبعاد "الناتو" عن حدود روسيا، وفك العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة. إذ إن ذلك الغزو أدى إلى فتح صفحة جديدة في تاريخ أوكرانيا كبلد، وإلى انبثاق قومية أو عصبية اوكرانية، فهي إن لم تكن موجودة سابقا، فقد تبلورت بفضل بوتين ذاته، أي بسبب غزوه أوكرانيا وتشريد ملايين من شعبها.