عندما شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “عمليته العسكرية الخاصة” ضد أوكرانيا في شهر فبراير/شباط من العام الماضي، اعتقد الكرملين أن تحقيق "الأهداف العسكرية" سيتم في غضون بضعة أسابيع لا أكثر، وأن الجيش الروسي سينجح سريعا في الوصول إلى العاصمة كييف، وإطاحة حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي دون مقاومة تذكر.
في العودة إلى العام 2014، وقفت أوكرانيا مكتوفة الأيدي أمام التفوّق العسكري الروسي الكاسح، فاقتطعت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية ومناطق شاسعة من إقليم دونباس. بناء عليه، شنّ الكرملين هجوما العام الماضي على أوكرانيا لتحقيق خطة بوتين الكبرى بالاستيلاء على كل شبر من التراب الأوكراني، متصورا أنه سيواجه مقاومة ضعيفة.
ومع المعلومات الاستخبارية الخاطئة، وصل الأمر بالرئيس الروسي إلى الاقتناع خطأ، بأن الشعب الأوكراني سيستقبل جنوده استقبال الأبطال المحررين. على أرض الواقع، هبّت الرياح بما لا تشتهيه سفن الروس، وأثبت الأوكرانيون قدرتهم على مقارعة الجيش الروسي بكل ندية، فألحقوا به هزيمة مذلة، وأجبرته المقاومة الأوكرانية على التقهقر بدلا من إخضاع كييف في أيام عدة.
ومن ذلك الحين، سقط الروس في سلسلة من الهزائم التي استُهلت بغرق الطراد الروسي “موسكفا”، حامل لواء الأسطول الروسي في البحر الأسود. ومنذ شهر أبريل/نيسان وطوال الصيف الماضي، خسر الروس مدنا استراتيجية عدة من بينها خاركيف في الشمال الشرقي، وخيرسون في الجنوب.
في النتيجة، تقترب روسيا من وداع الذكرى السنوية الأولى لحربها ضد أوكرانيا وهي لا تزال في موقف دفاعي بعد ما تكبّدته من خسائر فادحة. وبحسب آخر التقديرات الأميركية، تجاوز عدد القتلى والجرحى الروس 100 ألف شخص، فضلا عن تكبّد موسكو خسائر كبيرة في العتاد من المدرّعات والطائرات المقاتلة. قد يشير ذلك إلى حاجة موسكو لشنّ هجوم يضاهي في قوّته الهجوم الأوّلي على كييف في فبراير/شباط العام الماضي، ما يفسّر لجوء القادة الروس إلى استهداف البنية التحتية الأوكرانية بالصواريخ والطائرات المسيّرة، فقد أيقنوا بما لا يدع مجالا للشك عجزهم عن إخضاع الأوكرانيين.
لا سبيل، إذا، أمامهم غير الضغط على حياة المدنيين الأوكرانيين بحرمانهم من الإمدادات الحيوية من الكهرباء والماء. وتبقى قدرة روسيا على مواصلة هجماتها اليومية ضد البنى التحتية الأوكرانية موضع نقاش.
ويوضح النقص الحاد في العتاد الحربي سعي بوتين الحثيث لتوطيد أواصر العلاقات مع طهران في أعقاب زيارته لها في يوليو/تموز الماضي، والتي تمخض عنها توريد “الحرس الثوري” لمئات المسيرات ليشد بها من أزر القوات الروسية في أوكرانيا. وصدرت تقارير عن عزم إيران على تزويد روسيا صواريخ أرض - أرض طويلة المدى، إلا أن مسؤولي الاستخبارات الأميركية أفادوا بعدم إتمام تلك الصفقات بعد.
وفي حين عانت روسيا طوال العام الماضي لمواصلة هجومها، خالفت أوكرانيا توقعات الجميع، ولم تقف عند حدود درء الهجوم الروسي، بل وصل الأمر إلى شن هجمات مضادّة على الروس. ويعزى الفضل في الانتصارات التي حققها الأوكرانيون أخيرا في ساحة القتال إلى الدعم العسكري الذي وفرته لها القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة. وكان لصواريخ “إنلاو” المتطورة البريطانية الصنع المضادة للدبابات أثرٌ هائل في كسر شوكة الهجوم الروسي على كييف، في حين منحت أنظمة صواريخ “هايمارس” الأوكرانيين القدرة على ضرب الأهداف في عمق المناطق التي تسيطر عليها روسيا، مما عرقل خطوط الإمداد الروسية بصورة بالغة. وبحسب التقارير، استهدف هجوم أوكراني بصواريخ “هايمارس” عشية رأس السنة الجديدة ثكنا عسكرية تقع في منطقة شرق أوكرانيا تسيطر عليها روسيا، مما أودى بحياة مئات المجندين الروس في أكبر خسارة تتعرض لها موسكو منذ اندلاع هذا الصراع.
وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها أوكرانيا، يعتقد المسؤولون العسكريون الأميركيون بوصول الصراع إلى طريق مسدود لا يملك فيه أي من الطرفين القدرة على توجيه ضربة حاسمة وقاصمة للآخر. وعلى الرغم من استمرار قدرة أوكرانيا على إسقاط غالبية الصواريخ التي تطلقها روسيا على أهداف البنية التحتية، يرجّح أن تواجه كييف صعوبات بالغة في شن هجمات مستقبلية ولا سيما في ضوء تحسين روسيا لدفاعاتها بشكل تدريجي، ودفعها بالمزيد من الجنود إلى جبهة القتال.