بعدما ركّز وزير الثقافة اللبناني الأسبق وأستاذ العلاقات الدولية والمبعوث الأممي غسان سلامة في الحلقة الاولى من حديثه الى "المجلة"، على ثلاثة اسباب تقلقه في العالم، "القلق العميق"، تتعلق بالتغيير المناخي والازمات الاقتصادية، واستعمال القوة، يتحدث اليوم عن وضع العرب في العالم ويقول ان "المنطقة العربية مقبلة في الفترة المقبلة على جو هائل من التغيير. حجم الضغط الاقتصادي وأزمة الغذاء سيتركان صدى كبيراً جداً. ممكن أن نرى احتجاجات وفوضى وخروج الناس الى الشوارع بسبب الفقر والمشاكل".
حزن لا دواء له امام صور المنكوبين التائهين في مدن وقرى ولدت الحضارة فيها وباتت اليوم ركاماً. زرت جلها عبر السنين وتنشقت في ازقتها عبق التاريخ العتيق. مؤلم ان تسترجع الآن اسماءها وقد ارتبطت بغضب الطبيعة القاتل، بمآسٍ انسانية لا تُحتمل... وبعجز السياسة ودونية حساباتها.
— Ghassan Salame (@GhassanSalame) February 12, 2023
وهنا نص الحديث:
- كلامك عن العالم وتطوراته واخطاره، ينقلنا الى المحور التالي من الحديث وهو كيف ينعكس هذا المخاض إن سمّيناه مخاضاً، علينا كعرب،"العالم العربي" أو منطقتنا؟
من أصعب الأمور على مَن تمسّك مثلي منذ نشأته بالفكرة العربية أن يعترف اليوم بأن العالم العربي بات في وضع يجعل من مجرد استعمال مفهوم "العالم العربي" أمرا اشكاليا. فمختلف أجزاء هذا الكيان ذهبت في ديناميات متنافرة يصعب الربط بينها. دول الخليج تستمع اليوم باستقرارها كما بغزل العالم بخيراتها ناهيك عن طموح الكثيرين للاستقرار فيها مما يترجم سياسيا بميل متعاظم لدى هذه الدول نحو مزيد من الاستقلالية بل من الجرأة في خياراتها ومواقفها كما يترجم أيضا بمزيد من التنافس فيما بينها. بالمقابل فان أحوال منطقة الهلال الخصيب في حال مؤلمة من تناقص استقلاليتها ومن ضمور دولها كما من تفكك مجتمعاتها وهي ظواهر مرضية غالبا ما تترافق وتتزامن في تاريخ الدول. أما إن نظرت شطر شمال افريقيا فإنك ستجد ديناميات مختلفة تماما قد يكون أبرزها اليوم هو صعود خطير في مستوى التوتر بين الدولتين الأكبر في ذلك الاقليم أي المغرب والجزائر وقد انقطعت العلاقات بينهما على كل الصعد من العلاقات الدبلوماسية للتواصل السكاني لأنابيب الغاز مما لا يبشر بأيام طيبة لكل الاقليم. من الصعب أن تجد تفككا بهذه الحدة في أوصال العالم العربي منذ استقلال دوله، هذا إن لم تأخذ بعين الاعتبار العلاقات التي باتت متناقضة مع اسرائيل بين تطبيع كامل وتطبيع سري ومقاطعة، أو النفوذ غير المسبوق لايران في الهلال الخصيب واليمن أو التدخل النشط لتركيا في غير موقع من دنيا العرب. لهذه الأسباب مجتمعة بات الحديث عن "عالم عربي" نوعا من الروتين أو ربما من تغليب العنصر الثقافي الذي يبقى قويا وفعالا في ربط العرب ببعضهم البعض ولكنه لم يعد ينفع في توصيف كيان سياسي أو اقتصادي مندمج إلى حد معقول لا سيما وأن وعاءه المؤسساتي المعروف أي جامعة الدول العربية ما عادت إلا شاهدا خاويا على أحلام أجيال سابقة لا يفقهها أبناء الجيل الراهن ولا يشتركون بها البتة.
- ماذا عن منعكسات التوتر الصيني – الاميركي والحرب الاوكرانية – الروسية؟
هناك من يعتقد أن المنطقة مقبلة في الأشهر المقبلة على جو هائل من التغيير. حجم الضغط الاقتصادي وأزمة الغذاء سيتركان صدى كبيراً جداً. ممكن أن نرى احتجاجات وفوضى وخروج الناس الى الشوارع بسبب الفقر والمشاكل. السؤال العام: هذا الوضع العالمي الجديد، هذا المخاض بكل أبعاده، اوروبا، اوكرانيا، تايوان، الصين، اميركا، كيف ينعكس على العالم العربي وعلى منطقتنا؟
في عالمنا يجب الموازنة بين العناصر الداخلية وعدم احتقارها، والعناصر الخارجية وأيضاً عدم تهميشها. هناك في حياتنا اليومية في المنطقة نوع من التمازج الدائم بين تأثرات النظام العالمي وبين المبادرات الصادرة من المنطقة. أرى في المنطقة حالياً عدداً من الأمور النافرة. أول هذه الأمور أن هناك عدداً من الأوطان أصبح بناء الدولة فيها متعذراً جداً. وبالتالي ستبقى في حالة صعبة من عدم وجود عقد اجتماعي بين المجتمع والدولة بسبب عدم وجود دولة. العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، ربما اليمن، وربما السودان، هي دول حالياً حيث وجود الدولة فيها افتراض أكثر مما هو حقيقةـ افتراض أن هناك دولة، لكن مقوّمات الدولة غير موجودة في حقيقة الأمر. ولن أرى معجزات تغيّر هذا الواقع في الأمد القريب، لذا سيبقى القلق هنا محدداً. ثانياً، في النظر إلى المشكل بين روسيا واوروبا والغرب اجمالاً، هناك حاجة متزايدة بوضوح إلى النفط والغاز العربيين. سيصبح هناك تدخلات هادفة بالذات لتأمين استمرار النفط والغاز بأكبر كميات ممكنة من كل الدول المنتجة في المنطقة العربية، وعلينا أن نقبل بذلك. لذلك سترى دولاً تتجه نحو الجزائر وليبيا لمحاولة فصل الموضوع النفطي والغازي عن الباقي، ومحاولة تأمينه للدول المستهلكة.
سترى أن عدداً من دول المنطقة سيحاول الافادة من هذه الحاجة إلى نفطه وغازه للحصول على أشياء أخرى. هنا أريد أن أتوقف عند الأشياء الأخرى. هذه الأشياء قد تكون سلاحاً لم يُعطَ حتى الساعة، قد يكون دعماً دبلوماسياً في خلاف بلد مع جيرانه. الجزائر طبعاً ستطلب من الدول التي تريد غازاً أن تقف معها في مواجهة المغرب، وغيرها من الدول ستطلب ذلك. لكن أعتقد أن عدداً من الدول المنتجة ستسعى إلى إعادة صياغة علاقة أقوى مع اميركا لتأمين مزيد من الحماية الاميركية لها. أعتقد أن هناك عدداً من الدول بدأت تقول للاميركيين نحن نريد غطاء أكثر فعالية لوضعنا العسكري مقابل أن نسير معكم في أمور مثل الغاز والنفط كما تريدون.
ألمس أن هناك دعوات إلى أن تأخذ الدول الكبرى ولا سيما الولايات المتحدة مبادرات أكبر لأمن واستقلال هذه الدول المنتجة للنفط والغاز مما كان عليه الوضع سابقاً، وهناك طبعاً في الكونغرس الاميركي نوع من التأفف من هذا الأمر. في كل الاحوال، فانني لا أرى تعزيزاً للمنظمات العربية.