لن يكون من قبيل المبالغة القول بأن أعظم حدث في تاريخ الجزيرة العربية في الألف سنة الماضية، هو قيام الدولة السعودية الأولى على يد مؤسسها الإمام محمد بن سعود رحمه الله عام ١٧٢٧. فمنذ مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وانتقال عاصمة الخلافة إلى الكوفة، وبعد ذلك إلى دمشق في الدولة الأموية، أسدل ستار غليظ من الغموض على تاريخ الجزيرة العربية، فغابت عن مشهد التاريخ، وعمت حالة من الفوضى، وغياب الاستقرار الأمني والسياسي، وخصوصا في وسط الجزيرة العربية التي يطلق بعض المؤرخين على تلك الحقبة الطويلة من تاريخها وصف "القرون الغامضة"، كما عند المؤرخ عبد الرحمن بن زيد السويداء في كتابه "الألف سنة الغامضة في تاريخ نجد".
هذا الأمر يؤكده كثير من المؤرخين والمستشرقين، حيث يقول المؤرخ والأديب أمين الريحاني في كتابه "تاريخ نجد الحديث وملحقاته" إنه منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى بداية العهد السعودي، لم يسعد العرب بمن يجمع شملهم، ويوحد كلمتهم، إلا مع قيام الدولة السعودية. الأمر نفسه يشير إليه الرحالة السويسري جون لويس بروكهارت (1817) حين يصف استتاب الأمن مع قيام الدولة السعودية الأولى، فيقول: "لقد توقف تقريبا كل النهب الفردي والجماعي بين كل من حاضرة جزيرة العرب وباديتها، التي لم تكن في الماضي تبتهج بشيء أكثر من ابتهاجها بالسلب والنهب. ولعله لأول مرة منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصبح التاجر يستطيع أن يخترق وحده صحراء الجزيرة العربية بأمان تام، وأصبح البدو ينامون دون خوف من أن تؤخذ دوابهم من قبل اللصوص الليليين".