تتسم المملكة العربية السعودية بكونها قوة عربية وإقليمية، لها ثقل اقتصادي وسياسي؛ فهي تحتل رقعة جغرافية واسعة، تغطي نحو 80 % من مساحة شبه الجزيرة العربية، أي ما يمثل ثلث مساحة الولايات المتحدة الأميركية، وتقع في ملتقى أهم طرق التجارة العالمية بين القارات الثلاث، آسيا وأوروبا وأفريقيا، علاوة على أنها أرض التاريخ وموطن أقدم الحضارات الإنسانية البائدة؛ كحضارة ثمود الذين عاشوا في مدائن صالح، وحضارة مدين، وتقعان في الجهة الشمالية الغربيّة من المملكة السعودية، ويرجع تاريخهما إلى ما قبل ميلاد المسيح،كما ضمت أقدم الممالك العربية؛ في القرن الثاني قبل الميلاد؛ مثل طسم وجديس ومملكة دلمون ومملكة كِندة جنوب العاصمة الرياض.
وهي منبع العروبة ومهد الإسلام، وقد حمّلها هذا الموقع أعباء ومسؤوليات سياسية كبيرة، جعلتها صمام أمان لاستقرار دول الخليج العربي، ودول الجوار العربية في مواجهة الأخطار والتهديدات التي تتعرض لها، فعملت على رأب الصدع أينما وجد في المنطقة العربية والإسلامية، وتفعيل العمل العربي المشترك على الأصعدة كافة مما ساعد على إرساء دعائم الاستقرار لتلك الدول.
وتعدُّ المملكة العربية السعودية من أهم دول منطقة الخليج العربي لما تملكه من مصادر قوى متنوعة؛ أهمها العوامل التاريخية والإستراتيجية، والقوى المادية والبشرية والعسكرية، وتنوع المناخ والتضاريس. وتعدُّ الدولة العربية الوحيدة التي لم تحتلها دول استعمارية، مما حافظ على اللغة العربية نقية خالصة من التلوث اللغوي الأجنبي؛ وذلك على المستوى الفصيح وعلى المستوى اللهجي.
لقد اتسمت سياسة المملكة العريبة السعودية منذ توحيدها عام 1932 بالاعتدال والوضوح، واستقلالية القرار، وعدم الخضوع إلي أي جهة من الجهات؛ لأنها دولة ذات سيادة تتصرف من منطلق مصالحها الخاصة دون الإضرار بمصالح الآخرين.
وكان للدين الإسلامي الذي تدين به الدولة وتتخذه دستورا لها، أثر كبير في سلوكها السياسي وعلاقاتها الخارجية، فبدا ذلك في انتهاج الهدوء في علاقاتها مع الآخرين، حيث تعّبر عن مواقفها بضبط النفس دون ردود أفعال عنيفة، مع الحرص على حلّ الخلافات بالحوار الهادئ وبالطرق الديبلوماسية، واعتماد سياسة عدم الانحياز، وإقامة علاقات تعاون مع الدول كافة، بواقعية تمثلت في تجنب الشعارات والمزايدات المضرة بأمن الوطن العربي واستقراره، مع دعم مصالح الشعوب العربية والإسلامية، والابتعاد عن التدخل في شؤون دولهم الداخلية، علاوة على دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية. وكان تبنيها ذلك المنطلق الديني، إدراكا منها لمكانتها الإقليمية والدولية، وحرصا على أفضل العلاقات مع جميع الدول، ما ساعدها على وقف الاستفزازات الخارجية، وجعلها من البلدان الأكثر أمنا واستقرارا.
كان للدين الإسلامي الذي تدين به الدولة وتتخذه دستورا لها، أثر كبير في سلوكها السياسي وعلاقاتها الخارجية، فبدا ذلك في انتهاج الهدوء في علاقاتها مع الآخرين، حيث تعّبر عن مواقفها بضبط النفس دون ردود أفعال عنيفة، مع الحرص على حلّ الخلافات بالحوار الهادئ وبالطرق الديبلوماسية
وطرأت تحولات وتغيرات جذرية، بتولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة، وصعود الجيل الثاني في شخص الأمير محمد بن سلمان لسدة الدولة، أدت الى تغير استراتيجي في نظرة السعودية إلى ما تتمتع به من مكانة وثقل استراتيجي وجيوسياسي رفيع، فتبنت مفهوم القيادة بالقوة الناعمة مما مكنها من التعامل مع القوى الإقليمية والدولية من منطلق الندية، لاسيما في ما يتعلق بأنظمتها الداخلية وقوانينها المجتمعية، وبسياساتها البترولية، وحقها في الدفاع عن نفسها وعن محيطها العربي من الأطماع الإيرانية.
أمّا على الصعيد الاقتصادي، فقد استثمرت القيادة السعودية منذ عقود موقعها الجغرافي الإستراتيجي بإبرام شراكات تجارية واقتصادية طويلة الأمد؛ تعزيزا لقوتها الاقتصادية، وكان انضمامها إلى مجموعة العشرين الاقتصادية الدولية منذ 2008 اعترافا دوليا بمكانتها كقوة اقتصادية دولية ذات تأثير كبير في الاقتصاد العالمي، مما مهّد الطريق لتكون الدولة العربية الوحيدة التي تنضم إلى أكبر تجمع اقتصادي عالمي للدول العشرين ذات الاقتصادات الكبرى المعروفة بـ"مجموعة العشرين – G20".
وهي اليوم – مع كونها تعدُّ من أقوى 20 اقتصادا مؤثرا على مستوى العالم- تسعى إلى أن تتصدر مكانةً أكثر تقدما بحلول عام 2030، الذي اتخذ رمزا لرؤية متكاملة ربطت بين الاقتصاد ومفهوم الوسطية الدينية، والحفاظ على البيئة والعلاقات الدولية والسياسة الخارجية. فقد ركزت "رؤية 2030" على أنّ مكانة المملكة لا تقتصر على قوتها الاقتصادية فحسب، وإنما على موقعها الجغرافي ومكانتها سياسيا وحضاريا ودينيا.
أمّا الدور الإقليمي والدولي للمملكة فيتمثل في الانضمام إلى تحالفات أمنية وسياسية لتحقيق الأمن والاستقرار؛ كالتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، ودعم النواحي الأمنية ضد التهديدات والممارسات المخالفة للقوانين والأعراف الدولية، وتسوية المنازعات بين الدول العربية والإسلامية بالطرق السلمية، ومساعدة الشعوب المستضعفة والنامية اقتصاديا، علاوة على المشروعات الإنسانية والإغاثية العاجلة للدول الإسلامية وغير الإسلامية إبان الكوارث والحروب، ومناصرة العرب والمسلمين دفاعا عن قضاياهم العادلة.
وفي نطاق مسؤوليتها نحو خدمة الإسلام، سعت إلى تكريس تعايش العالم الإسلامي مع العالم غير الإسلامي، وأعادت عبر الندوات والمؤتمرات التي تعقدها في دول العالم، طرح مفهوم الإسلام الصحيح- لتنقيته من الشوائب التي علقت به جراء ممارسات الجماعات المتطرفة التي تنتسب إلى الإسلام - بوصفه دينا قابلا للتفاهم والتصالح مع الأديان الأخرى، ما جعل للملكة دورا إسلاميا رياديا وتنويريا بديلا من الأيديولوجيات المتطرفة التي خرجت من رحم العالم الإسلامي.