صدر الأمر الملكي الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بأن يكون يوم 22 فبراير يوما للتأسيس، ليكون اليوم الذي يرمز إلى العمق التاريخي والحضاري والثقافي للمملكة العربية السعودية، عندما أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ / 1727. هذا هو نص الإعلان الرسمي عن هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا، وهي فرصة لنا لكي نتذكر تاريخنا ومن أين أتينا نحن كسعوديين.
كتب فقيه ومؤرخ البصرة الشيخ عثمان بن سند، وهو من المعاصرين لبداية الدولة السعودية، وفي ذات الوقت هو خصم من خصوم الدعوة السلفية، ما خلاصته أن "من محاسن هذه الدولة أنهم أماتوا البدع ومحوها. ومن محاسنهم أنهم أمّنوا البلاد التي ملكوها، وصار كل ما كان تحت حكمهم من هذه البراري والقفار، يسلكها الرجل وحده على حمار بلا خفر، خصوصا بين الحرمين الشريفين".
ويواصل عثمان بن سند: "ومنعوا من غزو الأعراب بعضهم على بعض، وصار جميع العرب على اختلاف قبائلهم – من حضرموت إلى الشام - كأنهم إخوان، أولاد رجل واحد، وهذا بسبب شدتهم في تأديب القاتل والسارق والناهب، إلى أن عُدم هذا الشر في زمان ابن سعود، وانتقلت أخلاق الأعراب من التوحش إلى الإنسانية، فكأنهم جعلوا تأمين الطرقات ركنا من أركان الدين".
انتهى كلامه، وهو في تقديري شهادة على درجة عالية من الأهمية من رجل وقع في خصومة مع الدعوة السلفية التي كانت مهمة في بداية تكوين الدولة، خصوصا عندما ينبهنا إلى أن ترسيخ الأمن كان شاغلا سعوديا منذ البداية.
الدول العظيمة تكبر بالتحديات على كافة الصعد، السياسية والعسكرية والفكرية والحضارية، والدولة العظيمة لا تجمد على أفكار قديمة، بل تتطور دائما وأبدا بسبب تلك التحديات الكبيرة التي تواجهها
لا أميل إلى تقسيم المؤرخين للدولة السعودية إلى ثلاث دول، بحيث يبدؤون بالدولة السعودية الأولى التي أسسها محمد بن سعود، ويثنون بالدولة السعودية الثانية التي أسسها تركي بن عبد الله (راعي الاجرب)، ويثلثون بالدولة السعودية الثالثة التي أسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، بل هي دولة سعودية واحدة منذ 1727 إلى زمننا هذا وعهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. الدليل على هذا هو أن تركي بن عبد الله الذي يُعدّ مؤسس الدولة الثانية، هو ابن عبد الله بن محمد الذي أعدم في إسطنبول بعد حملة محمد علي وتدمير الدرعية.
ليس هناك ما يمكن أن نعتبره فراغا سياسيا مديدا يجعلنا نقول إن دولة سقطت ودولة قامت. بعد أحداث الدرعية شرع الحاكم السادس من أسرة آل سعود، الرجل الشجاع تركي بن عبد الله في تثبيت حكم آل سعود، ولم تمض إلا فترة قصيرة حتى انتقل الحاكم الجديد إلى الرياض لتكون عاصمة المُلك بدلا من الدرعية التي دُمرت تماما.
الدول العظيمة تكبر بالتحديات على كافة الصعد، السياسية والعسكرية والفكرية والحضارية، والدولة العظيمة لا تجمد على أفكار قديمة، بل تتطور دائما وأبدا بسبب تلك التحديات الكبيرة التي تواجهها، وهذا ما حدث مع الملك عبد العزيز، فدولته قد انتصرت في كل معاركها لأنه شخصيا كان الأقدر على التطور، وكان الأقرب للواقعية السياسية، وكان الأكثر وعيا من خصومه ومن جنوده وقواده الذين ضاقت صدورهم بالعلاقات الدولية والمخترعات الحديثة.
لا بد أن نعرج هنا على النقطة التي انتقد بها ابن سند البصري العماد الديني الذي قامت عليه السعودية. نعم لقد كان لدينا تشدد ديني وغرق منا من غرق في بحر التكفير، لكن هذا انتهى الآن وللأبد. ما إن قبض الأمير محمد بن سلمان على ملف الإرهاب حتى اختفى، ولا يمكن أن تتهم السعودية اليوم بالغلو والتزمت، بل هي من سيقضي على الإرهاب في إقليمنا كله.
ومع ذلك، فالإرهاب ليس أكبر قضايانا. نحن اليوم، أمام نُقلة جديدة، نُقلة كبيرة للغاية ترفض الخضوع لحالة الإدمان النفطية، فنحن العرب السعوديون، ولسنا النفط، ولا يمكن أن يرتبط مصير الإنسان المكرّم بالنفط الذي لا شك أنه سينتهي في يوم من الأيام.
نحن اليوم مع رؤية 2030 أمام خطة تنمية مستدامة حقيقية، وهي في الأساس اقتصادية، لكنها بلا شك سيكون لها انعكاساتها الفكرية والحضارية. كل سعودي عاقل يدرك تماما حجم التحول الذي تمر به بلادنا، فهو تحول ضخم، لكن يكفيه أنه تحول وطني، وأنه سيصب في النهاية في مصلحة المملكة وكل من يقيم على أراضيها.