"لم تكن كرة القدم مجرد لعبة، كانت حياتي".
هذا الإهداء الموجّه من الشاعر والأستاذ الجامعي ولاعب كرة القدم السابق فوزي يمين إلى ابنه جاد يتصدّر الصفحة الأولى من كتابه "استراحة بين شوطين" الصادر حديثا عن "دار المتوسط".
تلك الحياة انتزعت من الموت وحاولت أن تجد لنفسها معنى وهدفا في زمن انفجار الحرب الأهليّة اللبنانيّة وما خلفته من سعار مذهبي وهوياتي، ارتدت معه كرة القدم البزّة العسكريّة رمزيّا وفعليّا، وبات كلّ فريق عبارة عن جيش مصغر يخوض أفراده رغما عنهم معارك الطائفة والجماعة.
ترصد اليوميّات كيف تشكّل عالم كرة القدم في تلك المرحلة (1975-1990) انطلاقا من الحارة، وكيف كان مجبولا بالبساطة وقادرا على تفجير كلّ الرمزيّات الخاصة بالحرب واستبدالها برمزيّات موازية.
إصابات الملعب وندوب الحرب كانت تتجاور لكنّها لا تلتقي ولا تتوحد.
يسرد يمين كلّ هذه الأحوال عبر سلسلة من العناوين يمنحها صيغة اللافتات أو الإشارات. يحاول أن يقيم متحفا حيّا لذاكرة ترصد كرة القدمكحالة تفسّر على أساسها أحوال العالم، ويجري كلّ شيء وينتظم وفق إيقاعها ومزاجها.
نشهد غزارة في التفاصيل والإحالات، ونعثر على تاريخ كرة القدم في طورها المحلي والعالمي والأبعاد النفسيّة والسياسيّة المرتبطة بها والترميز المكثف الذي يحمله أبطالهافي إطار موجز ومكثّف، يظهر فيه عالمها وكأنه شعر خالص معيش تكتبه أجساد لاهثة تركض وراء كرة تضم سحر العالم كلّه في قلبها.
الحارة ملعبا
الملعب كان المكان كله في الحارة، وكان متصلا بالبيوت كأنه شرفتها أو باحتها الخارجيّة. كان طقس اللعب منزليّا وأليفا أكسبه التكرار متانة العادة وسطوتها.
هكذا كانت زيارة الشخصية الغامضة التي كان يطلق عليها لقب "المستكشف" تدرج في إطار حكاية ضيف غامض وغريب يصطاد النجوم من خلال مراقبةلعب الأولاد في الحارات.
جلّ أبطال كرة القدم خرجوا من بطون الحارات التي كانت تصنع النجوم من المكابدة، من الوحل والغبار، ومن سير تفترض القدرة على بذل جهود شاقة لترتيب شؤون التدريب وواجبات الدراسة والحياة اليوميّة.
كانت الحارة تنتج كذلك حكايات تتفاوت بين الطريف والمأسوي، لكنها تعبّر في المطلق عن نموذج اجتماع وعيش بات مفقودا.
دمّرت الحارة التقليدية وحلت مكانها منشآت وتجمعات سكنيّة لم يفقد معها البيت صلته مع الملعب وحسب بل بات المكان العام معاديا طاردا.