شرعت النساء الإيرانيات في السنوات العشرين الأولى من القرن العشرين، مهتديات بنظيراتهن في اسطنبول، في ارتداء الشادور الرقيق قبل أن يبدأن التخلي عن الحجاب رويدًا رويدًا وبأعداد محدودة، وكان ذلك يحدث دومًا في الأوساط الاجتماعية العليا وليس في الأوساط الشعبية.
فقد جاء الانقلاب العسكري الذي وقع في عام 1921 بضابط طموح اسمه رضا خان إلى مقاليد الحكم. وشغل أولًا منصب رئيس الوزراء (1921 إلى 1925) ثم صعد الى عرش الشاه (1925 إلى 1941) بعدما أطاح بسلالة القاجاريين. اختار قائد الانقلاب اسم العائلة “بهلوي” (الذي يحيل الى الموروث الايراني القديم قبل الفتح الإسلامي). وأسس سلالة لنفسه ولابنه استمرت إلى أن أطيح بها هي الأخرى على يد الثورة الإسلامية هذه المرة في عام 1979.
وكان الشاه رضا، على الرغم من ضعف تعليمه الرسمي، رائدًا استلهم أفكاره إلى حد بعيد من الرئيس التركي كمال أتاتورك. وقد تجاهل رضا موضوع الحجاب في البداية لئلا يثير حفيظة رجال الدين، سيما وأنه اعتبر ألّا غنى عنهم لتعزيز قبضته على الحكم في طهران.
لكنه ما لبث أن كشف عن معدنه الحقيقي عندما نشر الصحافي البارز آنذاك إبراهيم خواجه نوري مقالاً في عام 1923 أشار فيه إلى أنه ينبغي للنساء في طهران أن يشرعن في ارتداء وشاح الرأس بدلا عن الحجاب. حُكِم آنذاك على الكاتب بالسجن ثلاثة أشهر مع غرامة باهظة نتيجة الضغوط التي مارستها المؤسسة الدينية.
بيد أن رئيس الوزراء رضا خان حرص على أن يقضيَ إبراهيم فترة عقوبته في مكان لائق في مستشفى للشرطة، وليس في السجن. وكانت تلك هي الخطوة الأولى التي سيُقدم عليها الشاه المُقبل نحو إلغاء الحجاب المفروض على المرأة الإيرانية إلغاء ممنهجا، بحيث كان ذلك بداية النقيض تمامًا لما فرضه في النهاية رجال الدين الذين خلفوا ابنه، حيث سعى رضا إلى إقامة مجتمع إيراني متحرر وعلماني وميّال إلى ثقافة الغرب. مجتمع إسلامي بالاسم فقط.
جاء قرار رضا بالإعلان صراحةً عن اعتراضه على الحجاب في مارس/ آذار 1928 عندما تعرضت زوجته الملكة تاج الملوك في 27 رمضان للتهجّم اللفظي بسبب ارتدائها الشادور الرقيق خلال زيارتها مقام السيدة فاطمة المعصومة في مدينة قُم، جنوب طهران.
وقاد يومذاك الشاه سيارته إلى المدينة ودخل المقام منتعلاً جزمته وتدافع مع عدد من طلاب الفقه ورجال الدين، كما تعرّض الرجل الذي أساء إلى زوجته للجلد. وخشية انتفاض رجال الدين، طالب زوجته بارتداء رداء محافظ ووضع الحجاب عند استقبال ملك أفغانستان أمان الله والملكة ثُريا لدى قدومهما إلى طهران في يونيو / حزيران من ذلك العام. يُشار إلى أن الملك أمان الله كان هو أيضًا متحررًا ومؤيدًا لأسلوب الحياة الغربي وبعد ذلك بستة أشهر أُطيح به بسبب آرائه. فشاهد الشاه رضا ما حدث لنظيره الأفغاني بحذر، وتعلّم الدرس. واتجه الى تنفيذ إصلاحاته تدريجيًا وبقوة في آن واحد، مع الحرص على ألا يلقى مصير الملك أمان الله.
وأُوعز الشاه إلى المسؤولين الحكوميين بالالتزام بالزي الإسلامي التقليدي عند ارتياد المقاهي والمنتزهات ودور السينما برفقة زوجاتهم. وفي سبتمبر/ ايلول 1929، أصدر رضا خان مرسومًا سمح للنساء الإيرانيات بركوب العربات المكشوفة، لكن بصحبة أزواجهن وليس بمفردهن. وأعقب ذلك صدور أمر لشرطة طهران بالسماح للنساء بزيارة المنتزهات فقط من دون ارتداء الشادور.
ومثّل ذلك تفكيكًا تدريجيًا لعادات وتقاليد اللباس في إيران. وكانت المُعلِّمات أول من امتثل للقرار، وقد تلقى بعضهن العلم في اسطنبول وأوروبا. وبدأت زوجة الشاه كذلك بالظهور في العلن من دون حجاب. كما أخذت الصحافة النسائية تناقش الأمر علنا في مقالات الرأي. وأدرجت الحكومة الإيرانية في 1932 بند “قبعات الرأس” على قائمة وارداتها من أوروبا، وهو ما أوضح المسار الذي كان يريده الشاه للمجتمع الإيراني.
وقرر الشاه تسريع وتيرة الإجراءات هذه استعدادًا لزيارة الرئيس أتاتورك إلى طهران، وهي زيارة لم تحدث أبدا. فقد أراد بشدة أن يحوز على إعجاب الرئيس التركي الذي عامله ببذخ خلال زيارته الوحيدة إلى تركيا في 1934. فقرر الشاه أن يُحدث ثورة في لباس الشعب الإيراني، وقد شمل ذلك الرجال والنساء على حد سواء. وفي 1935، تم رسميًا إدخال القبعات الأوروبية إلى زي كل الرجال الإيرانيين، بينما تم توجيه أوامر للوزراء بالظهور مع زوجاتهم بدون حجاب في الفعاليات المشتركة، مرة كل أسبوع.
ثم توسع الشاه بشكل كبير بعد ذلك في إصلاحاته المرتبطة باللباس، حيث منع الفتيات المحجبات من تسلم شهاداتهن. ومنع المُعلمات اللاتي يرتدين الشادور من قبض رواتبهن. كما أصبح حظر الحجاب في المدارس إلزاميًا في السنة الدراسية 1935 - 1936، وزُجّ برجال الدين الذين اعترضوا على ذلك في السجون. وفي مايو/ أيار 1935، وجّه الشاه دعوة للنساء الناشطات اجتماعيًا لحضور حفل أعلن فيه عن تأسيس مركز للسيدات (عُرف بـ “قانون بانوان”) برئاسة ابنته الأميرة شمس. ومن غير المستغرب أن جميع من حضرن الاجتماع ارتدين ملابس مماثلة لما ترتديه النساء في باريس ولندن.
وسُمح للنساء غير المحجبات بالالتحاق بجامعة طهران والدراسة بها، وأعقب ذلك صدور مرسوم فرض عقوبات طائلة على المطاعم ودور السينما والفنادق التي لا تقدم الخدمات لكلا الجنسين. كما أرغم المسلمين على حصر الحداد بيوم واحد، ومنع كافة مراسم العزاء المتعارف عليها بين المسلمين، وأرغم المساجد على توفير المقاعد، وليس سجادات الصلاة فقط.
تمرد جوهرشاد في 1935
كان المرجع الديني آغا حسين القمي من مدينة مشهد، أول من انتفض وأعلن اعتراضه على تلك الإجراءات. وذهب إلى طهران للإعراب عن رأيه إلى الشاه رضا. وعندما رفض لقاءه، توجه إلى مدينة مشهد المقدسة وعقد اجتماعا حاشدا في مسجد جوهرشاد مع أعضاء غاضبين من المؤسسة الدينية في 10 يوليو/ تموز 1935. كان المسجد مجاورًا لمقام الإمام علي الرضا، الذي كان يعج بالمصلين الشيعة في ذلك الصيف.
وإذ بالاجتماعات تتوسع بين ليلة وضحاها وتزداد الاحتجاجات توترًا. فطالب المتظاهرون بصوت واحد بالعودة الفورية إلى الحجاب، وصبوا الانتقادات على الشاه. ودفع ذلك الشاه إلى إرسال قواته الأمنية لمداهمة المقام في 13 يوليو/ تموز. وعلى مدى أقل من شهر، تعرض المتظاهرون لإطلاق النار بعد أن أنشأ الجيش نقاط تفتيش ووضع حواجز على الطرق. وسُحق أول تمرد مؤيد للحجاب في خضم اشتباكات شهدت الكثير من إراقة الدماء. إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 500 شخص لقوا مصرعهم بسبب إصرارهم على ارتداء النساء الحجاب. وقُتل محمد ولي أسدي، المسؤول عن إدارة المقام، رميًا بالرصاص بناءً على أوامر الشاه بسبب اتهامه بالتعاطف مع رجال الدين. وعندما حاول رئيس الوزراء محمد علي فروغي التدخل للدفاع عنه، عزله الشاه من منصبه.