مدينة العلا (غرب السعودية)، تلك الواحة الهادئة التي كانت تغفو بين أروقة التاريخ وتنام بصمت في ظلال الكتب وذكريات الرحالة المستكشفين، تستيقظ اليوم، وتميط اللثام عن وجهها كفتاة بهية فتية فاتنة الجمال، تكشف عن خزائن كنوزها التي تحفظ حضاراتها العريقة في أعماق الزمن، عن طرق التجارة، وملتقى الشعوب، عن الإنسان العربي الأول، عن رحلة الثقافات وتمازجها، عن حكايات وأسرار لا تزال دفينة، وأخرى تعلن نفسها على قمم الجبال منحوتة بأبهى حلة، وأزهى صورة، تخطف الأنظار. إنها تخطف أنظار العالم.
حضارة عريقة
في آخر أخبارها وكنوزها التي تتكشف كل يوم، أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العلا أخيرا إعادة تجسيد أحد ملامح تلك الحضارة العربية العريقة، إذ تمكن خبراء في مجال الآثار بالهيئة من إعادة بناء رقمية لهيكل وجه امرأة تعود إلى العصر النبطي وتُعرف باسم "حِنّات"، وهي سيدة نبطية من علية القوم، يُعتقد أنها تُوفيت في القرن الأول قبل الميلاد، ووضع جسدها الذي كان شبه مكتمل في مقبرة اكتُشفت في عام 2008 داخل "الحجر"، وظلت محفوظة لأكثر من ألفي عام.
حِنّات - ذلك اسمها المنقوش جوار قبرها- لم تكن امرأة عادية، بل امرأة رفيعة الشأن في مملكة الأنباط، فهي تمتلك ثروة كبيرة مكنتها من أن تحصل على مدفن ضخم خاص بها، كان اكتشافه حدثا مهما، أفصح عن جوانب متنوعة من الحياة الاجتماعية لدى الأنباط، ومثل تجسيدها الحي، لمحة عن انسان الأنباط، عن هيئته، وملامحه، ولباسه، ومجوهراته، وأزيائه.