"ثمة مقابر موحشة،
قبور صامتة ملأى بالعظام،
القلب يعبر نفقاً،
وفيه ظلمة، ظلمة، ظلمة،
مثل حطام سفينة نموت ماضين إلى أنفسنا،
كأننا نغرق داخل قلوبنا،
كأننا عشنا في رحلة السقوط من الجلد إلى الروح"
في هذه القصيدة، المعنونة "لا شيء سوى الموت" للشاعر التشيلي بابلو نيرودا (1904-1973)، يطرح الشاعر السؤال الوجودي المؤرق عن الموت، بل عن الحياة، إذ أن صورة الموت تبدو بلا معنى ما لم تكن مقترنة بالسؤال عن جدوى الحياة.
مزاعم عائلية
وإذا كانت المقابر موحشة أو وحيدة مثلما يقول نيرودا، فإن بعض قاطنيها لا يذهبون إلى الغفلة أو النسيان، ومنهم بكل تأكيد الشاعر الفائز بجائزة نوبل للآداب (1971)، والذي يعود اليوم إلى الواجهة، بعد التسريبات التي أدلى بها ابن شقيقه لوسائل الإعلام، مؤكداً فيها أن عمه قتل بالفعل مسموماً، ولم يمت بسرطان البروستات مثلما كان يعتقد لفترة طويلة.
وبحسب رودولفو رييس، ابن شقيق نيرودا (اسم الشاعر الأصلي نفتالي ريكاردو رييس باسولاتو)، فإن الشاعر لم يمت بالسرطان، بل بحقنة قاتلة بعد اثني عشر يوماً فقط من انقلاب الجنرال أوغوستو بينوشيه في بلده تشيلي والذي أطاح الرئيس اليساري المنتخب سلفادور الليندي الذي كان نيرودا صديقه ومن أشدّ داعميه، وأدى بالنتيجة إلى انتحار الليندي الذي حكم البلاد ثلاث سنوات فقط منذ العام 1970.
إلا أن "اغتيال" نيرودا، إن صحّ بصورة جازمة، كان ليصبح في طيّ النسيان، لو لم يثر المسألة سائق الشاعر في ذلك الحين، مانويل أريا والذي تولى نقله مع زوجته، إلى مستشفى سانتا ماريا الخاص في العاصمة سانتياغو، حيث فارق الشاعر الحياة قبل نصف قرن، في 23 سبتمبر 1973. أريا خرج في العام 2011 ليؤكد أن الشاعر سُمّم خلال معالجته في المستشفى، ليرفع الحزب الشيوعي التشيلي الذي كان نيروداً أحد أبرز أعضائه، دعوى قضائية، شكلت على إثرها ثلاث لجان تحقيق متتالية تضم عناصر وخبراء تشيليين ودوليين (من كندا والمكسيك والسلفادور والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا والدنمارك)، تكمل هذا العام 12 عاماً على البدء بتحقيقاتها.