استقبل العامل زبونته الصحافية، بعبارة “بفرميد” (تفضلي سيدتي)، متحدّثا بالفارسية، لدى دخولها أحد المقاهي المنتشرة في هذه المدينة ذات الأغلبية الشيعية، التي يقصدها ملايين من جميع أنحاء العالم، في كل عام.
وفي محل بقالة قريب، سأل صاحب المتجر زبونته عما إذا كانت ترغب في الدفع بـ “العملة العراقية أو الإيرانية.”
رغم الاحتجاجات التي اندلعت في إيران بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في الحجز في 16 سبتمبر/أيلول التي كانت أوقفت لعدم ارتدائها “الحجاب بشكل لائق”، التي أدّت حتى الآن إلى مقتل مئات من المتظاهرين واعتقال آلاف، لا يزال النفوذ الإيراني عابرا للحدود، وإن لم يكن من الصعب ملاحظة بعض الفروق الدقيقة عمّا كان عليه الحال في الماضي.
في احتجاجات 2019 الحاشدة في معظم أنحاء وسط وجنوب العراق، كان هناك قدر كبير من الغضب بسبب النفوذ الإيراني في العراق. وأُضرِم المتظاهرون النيران في تلك الأثناء في القنصليات الإيرانية في مدينتي النجف وكربلاء العراقيتين، وهما المدينتان اللتان تتّمتعان بمكانة عالية بين الشيعة لأسباب تاريخية ودينية.
يحمل عدد كبير من اللوحات الإعلانية التي تخلّد ذكرى “شهداء” العراق في كربلاء الآن صورة زعيم الميليشيا العراقية الموالي لإيران أبو مهدي المهندس وعلي السيستاني، لكن القليل منها فقط يحمل صورة الجنرال الإيراني قاسم سليماني.
كما تخلّد ملصقات ولوحات الإعلانات “الشهداء” في الساحات الشعبية في كربلاء الآن ذكرى إيهاب الوزني، الناشط من كربلاء الذي اغتيل في المدينة عام 2021، بناء على أوامر من جماعة مرتبطة بإيران.
كان سليماني والمهندس قد قُتلا في غارة أمريكية بطائرة مسيرة أوائل يناير/كانون الثاني 2020 قرب مطار بغداد. وتنتشر الملصقات واللوحات الإعلانية التذكارية لكليهما معا في كل مكان في العديد من مناطق العاصمة العراقية.
أما في كربلاء، فيشعر الكثير هنا بأنهم “مدينون لإيران” بشي ما، مشيرين إلى أن ذلك البلد جاء لنجدة العراق حين كان الآخرون متردّدين في البداية في المساعدة في القتال ضدّ تنظيم “داعش”.
وفي هذا الصدد، قال قائد إحدى وحدات “الحشد الشعبي” التي لها قاعدة في كربلاء في مقابلة، إن “إيران لم تتردّد في مساعدتنا على الفور”.
لكنه نفى أن تكون الفصائل المسلحة التي تتقاضى رواتب حكومية الآن، يمكن أن تساعد إيران في التعامل مع الاحتجاجات الداخلية، بل إنه نفى حتى أن يكون قد طُلب منها ذلك. وأشار إلى أن جماعته تلتزم بأوامر الحكومة المركزية العراقية، لأن هذا ما أمرهم به السيستاني ومقره النجف.
في غضون ذلك، تتهمّ إيران جماعات المعارضة الإيرانية الكردية، التي لها وجود سياسي وعسكري، في منفاها في إقليم كردستان العراق بإثارة الاضطرابات عبر الحدود في بلدهم الأم. لكن القائد في “الحشد الشعبي”، على أي حال، يقول إن هذه مسؤولية “الأكراد” وإنه لا يعرف عنها شيئا.
وعلى الرغم من أن الحكومة الإيرانية تعاني حاليا من أكبر التحدّيات التي تواجهها منذ سنوات عديدة، فإن قلّة من الناس هنا يعتقدون أن هناك أي احتمال لتغيير النظام عبر الحدود في أي وقت قريب.