وبلغت قيمة مخصصات فوائد الدين في الموازنة العامة للدولة خلال السنة المالية الحالية نحو 690,2 مليار جنيه في مقابل 579,6 مليار جنيه خلال السنة المالية الماضية، بزيادة تصل نسبتها إلى 19 في المئة، بحسب بيانات وزارة المال المصرية. وتمثل مخصصات فوائد الديون نحو 33,3 في المئة من نفقات الموازنة الإجمالية، وبذلك تفوق بأكثر من خمسة أضعاف مخصصات قطاع الصحة التي تقدر بنحو 128,1 مليار جنيه.
وسترتفع الديون الخارجية الإجمالية إلى 166 مليار دولار تقريبا، بحصول مصر في أكتوبر/تشرين الأول 2022 على قرض بتسعة مليارات دولار. والقرض، الذي يهدف إلى تمويل الموازنة المصرية للسنة المالية الحالية، يوليو/تموز 2022 إلى يوليو/تموز 2022، يشمل ثلاثة مليارات من صندوق النقد، وملياراً من الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة، وخمسة مليارات من شركاء التنمية. ويعدّ هذا القرض خطوة جديدة على طريق الاستدانة الذي اختارته الحكومة في السنوات الأخيرة لرأب صدع الاقتصاد المصري.
هل تعدّت ديون مصر الحدود الآمنة؟
لم تتعدّ مصر الحدود الآمنة لتسديد القروض ولم تتخلّف يوما عن الوفاء بالتزاماتها المالية بحسب تصريح صحافي للمستشار السابق لصندوق النقد، الدكتور فخري الفقي الذي أشاد بما سمّاه كفاءة سياسة الدين العام التي تعتمد على تنويع مصادر الاقتراض، موضحا أن نحو 90 في المئة من الديون عبارة عن ديون متوسطة وطويلة الأجل مما يعني أن فترة التسديد تصل حتى 40 سنة.
لكن البعض، ومنهم خبير رفض كشف إسمه، يرى أن الديون تزيد بمعدلات كبيرة، مما قد يمثل خطورة على قدرة الدولة على تسديدها، ولا سيما مع بطء عودة الاستثمارات الأجنبية والسياحية. فبين تعويم وآخر، تلي موجة غلاء أخرى ولا أحد يوقفها، وتصدر وعود متعددة المصادر بأن الجنيه سيحلّق خفّاقاً في عالم العملات، في مقابل تلميحات أجنبية إعلامية بأن الدولار ينقضّ على الجنيه، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تضاعفت آثارها في الأشهر الأخيرة تزامناً مع الحرب الروسية على أوكرانيا، وقبلها مع كوفيد-19.
وتعاني مصر نقصاً في إحتياط النقد الأجنبي منذ بداية العام الماضي، ويتوقع أن يستمر انخفاض الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية على الرغم من حصول مصر على قرض جديد من صندوق النقد، الذي اشترط أن تعتمد مصر آلية مرنة ودائمة لتحديد سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.
كذلك ارتفعت نسبة التضخم السنوي بحسب المصرف المركزي المصري إلى 24,4 في المئة في ديسمبر/كانون الأول الماضي في مقابل 21,5 في المئة في نوفمبر/تشرين الثاني، وهي أعلى نسبة مسجلة. وفرض المصرف المركزي قيوداً مطلع عام 2021 على تمويل الواردات بالتزامن مع معاناة البلاد من ضغوط مالية مما تسبب في تكدس كبير للبضائع في الموانئ، وكان إلغاء هذه القيود من بين الطلبات الأساسية لصندوق النقد أخيراً. ويلزم المصرف المركزي المصري مصدّري الذهب إيداع حصيلتهم الدولارية في المصارف خلال 10 أيام أو يواجهون عقوبة وضعهم على القائمة السوداء، إلى جانب بعض القرارات الخاصة فرض ضوابط على استخدام بطاقات الائتمان في السحب والمشتريات خارج مصر.
ورجح خبير آخر رفض كشف اسمه أن تتجه السوق إلى الاستقرار في الفترة المقبلة، ولا سيما بعد إطلاق المصارف التابعة للحكومة شهادات استثمار بعائد سنوي مرتفع يبلغ 25 في المئة، إضافة إلى تضييق الفجوة في أسعار صرف الدولار بين السوقين الرسمية والموازية. وقال إن التحرك يهدف إلى وقف الدولرة ( أي إحتفاظ المواطنين بالدولار كمخزن للقيمة) وسحب السيولة من السوق المحلية للجم الطلب في ظل عرض محدود من المنتجات والسلع.
وسبق أن أطلقت المصارف شهادات ادخار مماثلة في مارس/آذار الماضي تزامناً مع إقرار المصرف المركزي أول زيادة كبيرة في سعر صرف الدولار خلال الاجتماع الاستثنائي الذي عقده خلال الشهر المذكور عقب التعويم الثاني بغرض سحب الدولار من السوق.
وتمكنت هذه الشهادات آنذاك من جذب ودائع بقيمة 750 مليار جنيه، وهو ما يراهن عليه المصرف المركزي المصري والمصارف من طرح الشهادات الأخيرة. وترتبت على التعويم الأخير تكلفة وغلاء أكيدان لا مفر منهما، لكن من المزمع أن يأتي بمنافع ومزايا قد لا تكون أكيدة ولا حتمية إن لم تساندها سياسات وبرامج حكومية تستهدف زيادة الاستثمار الخاص وزيادة التصدير وزيادة السياحة.
إبطاء وتيرة المشاريع القومية
وكان بيان صندوق النقد المذيل بصورة مديرته العامة كريستالينا غورغييفا أكد موافقة الصندوق على عقد اتفاق مدته 46 شهراً مع مصر في إطار تسهيل للصندوق بقيمة 2350,17 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (أي ما يعادل 115,4 في المئة من حصة العضوية في الصندوق أو نحو ثلاثة مليارات دولار).
وفي حين تتغاضى غالبية المواطنين عن الأرقام وتقف محتارة أمام عبارات مثل تلبية حاجات ميزان المدفوعات ودعم الموازنة وعمليات بيع الأصول المملوكة للدولة، وتحقيق النمو المستدام والتحول إلى سعر الصرف المرن، واستعادة سياسات الاستقرار الاقتصادي الكلي واستعادة الاحتياطات، ولا سيما خفض معدلات التضخم تدريجياً وتعزيز شبكة سقوط الطبقة المتوسطة، أظهر تقرير لخبراء صندوق النقد صدر أخيراً أن مصر التزمت مرونة العملة ودورا أكبر للقطاع الخاص ومجموعة من الإصلاحات النقدية والمالية عندما توصلت إلى اتفاق على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع الصندوق. ومن بين تعهدات الحكومة للصندوق إبطاء وتيرة الاستثمار في المشاريع العامة، بما في ذلك المشاريع القومية، وذلك للحد من التضخم والحفاظ على العملة الأجنبية، من دون تحديد المشاريع التي ستخضع لذلك. وستسمح الخطوات لأسعار معظم منتجات الوقود بالارتفاع حتى تتماشى مع آلية مؤشر الوقود في البلاد لتعويض التباطؤ في هذه الزيادات خلال السنة المالية الماضية.
وأنفقت الحكومة بسخاء على البنية التحتية على مدى السنوات القليلة الماضية بما يصل إلى 100 مليار دولار (أكثر من 1,7 تريليون جنيه) بحسب مقابلة لوزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد. بما في ذلك الانفاق على بناء شبكة واسعة من الطرق والجسور، فضلاً عن مدن جديدة، ليس أقلها العاصمة الإدارية الجديدة. كذلك بدأت العمل في مشروع للقطارات الفائقة السرعة ومحطة للطاقة النووية، تبلغ تكلفة كل منهما عشرات المليارات من الدولارات.