حين دخل ريشي سوناك مقر الحكومة في داونينغ ستريت، رئيسا للوزراء، قطع على نفسه عهدا بأن يعيد للحكومة الحكم الرشيد بعد فترة استثنائية من القلاقل السياسية.
ولكن ها هو ذا يقترب هذا الأسبوع من أول مئة يوم له في منصبه، ولا يمكن وصف فترة تسنمه السلطة بأنها كانت فترة هادئة. ويمثل انقضاء المئة يوم الأولى لاستلامه السلطة معلما فارقا للقادة، يبدأ معه إطلاق الأحكام على أدائه.
لقد منحه نواب حزب المحافظين المنصب ردا على الفوضى التي أحدثها سلفاه، ليز تراس وبوريس جونسون، بعدما وعد باستعادة الثقة في الكفاءة المالية للحكومة حيث شهدت الفترة القصيرة الأمد التي أمضتها ليز تراس في المنصب تراجعا في قيمة الجنيه، بينما ارتقت تكاليف الاقتراض الحكومي إلى مستوياتٍ عالية. وزعم أيضا بأنه سيعيد بناء الثقة في النزاهة الأخلاقية للحكومة بعد سلوك رئيس الوزراء جونسون الأخلاقي الذي أحاطت به الشكوك خلال فترة تسلّمه رئاسة الوزارة.
اليوم، توضع هذه التصريحات تحت المجهر، بعدما أُجبِر سوناك على إقالة ناظم الزهاوي، وهو أحد حلفاء سوناك الكبار، وكان يشغل منصب رئيس حزب المحافظين الحاكم والذي كشف تحقيق في شؤونه الضريبية أنه قد انتهك القانون الوزاري.
وبعد نشر تقرير كتبه مستشار سوناك للشؤون الأخلاقية السير لوري ماغنوس، في نهاية الأسبوع، والذي قال فيه إن الزهاوي، المولود في بغداد لأبوين كرديين، قد انتهك القوانين الوزارية سبع امرات، لم يكن أمام سوناك خيار آخر سوى عزل الزهاوي.
بيد أن إخفاق رئيس الوزراء في التصرف على نحو أسرع، وهو الذي بنى سمعته على تحقيق درجة عالية من النزاهة في الحياة العامة البريطانية، أثار انتقادات شرسة، من بينها انتقاد زعيم حزب العمال السير كير ستارمر، الذي تساءل عما إذا كان سوناك يتمتع بالصفات اللازمة التي تؤهله لإدارة البلاد.
مردُّ ذلك أن شائعات دارت في البرلمان البريطاني لعدة أسابيع مفادها ن الزهاوي اضطر إلى دفع غرامة ضريبية على الرغم من خدمته لفترة وجيزة بصفته وزيرا للمالية، ما سمح له بأن يكون مسؤولا عن الشؤون المالية في بريطانيا. واعترف الزهاوي أخيرا بأنه اضطر لدفع غرامة يُعتقد أنها تجاوزت مليون جنيه إسترليني كجزء من تسوية بقيمة 5 ملايين جنيه إسترليني أُجرِيت مع دائرة إيرادات وجمارك صاحب الجلالة جرّاء ضريبة غير مدفوعة لما أسماه بـ "خطأ حدث سهوا". ومنذ ذلك الحين علّق رئيس دائرة إيرادات وجمارك صاحب الجلالة بأنه لا توجد عقوبات على "أخطاء بريئة".
ونتج عن ذلك تراجع كلّ التقدم الذي أحرزه سوناك وفريقه في استعادة بعض مظاهر الاستقرار للمالية البريطانية إثر الفوضى التي جلبتها إدارة تراس والتي لم تدم طويلاً في العام الماضي.
حتى قبل تفجّر قضية الزهاوي نهاية الأسبوع، كان بوسع سوناك الادعاء أنه نجح إلى حد جعل فيه الأسواق المالية تثق أن بريطانيا باتت الآن تخضع لإدارة أكثر موثوقية، على الرغم من أن هذا قد تحقق من خلال رفع الضرائب إلى أعلى مستوياتها منذ الخمسينيات. وفي ذات الحين توجّب على سوناك أن يتعامل مع موجات من الاضطرابات لم نشهدها منذ السبعينيات، حيث أضرّت أكبر موجة من الإضرابات بالخدمات العامة – من عمال السكك الحديدية إلى الممرضات – بينما عانت هيئة الخدمات الصحية الوطنية من أزمة شتاء أخرى.
بينما يجري كل ذلك، يخضع نائب رئيس الوزراء دومينيك راب لتحقيق في شكاوى تزعم بأنه أساء معاملة مسؤولين في عدة إدارات. ومع ذلك، لم تكن هذه الحالات الوحيدة التي أساء فيها سوناك تقييمه لكبار الموظفين، إذ أنه قد منح السير جافين ويليامسون مقعدا وزاريا رغم أنه سبق وأقيل من مجلس الوزراء مرتين من قبل – استقال السير جافين بسبب ادعاءات بالتنمر ساقها ضده نائب سابق له كان السير جافين قد عينه باتباع أساليب عمل لا أخلاقية "تخص العمل والأخلاق العامة" عندما كان كبير النوّاب المحافظين في مجلس العموم كما أعاد سوناك تنصيب سويلا برافرمان كوزيرة للداخلية بعد ستة أيام فقط من إجبارها على الاستقالة بسبب انتهاكات أمنية خرقت القانون الوزاري. كما أعاد راب إلى منصب نائب رئيس الوزراء بعد سقوط تراس، وهو لن يكون خيارا حكيما إذا لم يبرأه التحقيق مع السيد راب من سوء السلوك تجاه موظفي الخدمة المدنية.
وفي ما يتعلق بأوكرانيا، فعلى الرغم من المخاوف التي انتابت بعض الأوساط من أن سوناك قد يكون أقل حزما في دعمه للحكومة في كييف، فقد أخذ زمام المبادرة، وأصبح أول زعيم دولة عضو في الناتو يلتزم بإرسال دبابات قتالية غربية حديثة. ولقد زاد الشعور في أوروبا بأنه مستعد لاتخاذ نهج أقل تصادمية بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من الآمال في التوصل أخيرا إلى حل للنزاع طويل الأمد مع بروكسل حول تنفيذ بروتوكول إيرلندا الشمالية.
لكن الدليل القاطع بأن رئاسة سوناك تواجه مشكلة حقيقية يتبين من حقيقة أن المجلة السياسية المحافظة The Spectator"" "ذي سبيكتاتور"، وهي بمثابة الكتاب المقدس للجناح اليميني، لا تبدو مقتنعة بأنه الرجل المناسب لشغل المنصب. فوفقا لما ورد في المجلة: " تتزايد الشكوك في أن رئيس الوزراء الثالث خلال عام يرقى لمستوى الأزمات الخطيرة التي يواجهها، مثله في ذلك مثل أسلافه الذين خُلِعوا من منصبهم. ذلك أن مجرّد توفير أجواء مريحة من الكفاءة لا يكفي في وقتٍ يطالب فيه البلد بقيادة حازمة أو على الأقل التظاهر بالقيام بأعمال. وفي ظل الأزمة التي تعصف بنا الآن، ثمة حاجة إلى ما هو أكثر من الشعارات التي يطلقها ريشي سوناك عن’النزاهة والاحتراف والمساءلة‘ – برغم أنها مطلوبة الآن ".