كان الشخص الذي هاجم مكتب التحقيقات الفيدرالية في 11 أغسطس/ آب الماضي، جنديا أميركيا سابقا ويرتدي سُترة واقية من الرصاص ومُسلحاً ببندقية آلية. وكان قد كتب على مواقع التواصل الاجتماعي أن مكتب التحقيقات الفيدرالية يُشكل تهديدا للولايات المتحدة بعد دخوله إلى منزل دونالد ترمب في فلوريدا وإعادته الوثائق السرية إلى سيطرة الحكومة. وكتب أيضاً أنه لابد من قتل ضباط المكتب.
وعندما انطلق جرس الإنذار أثناء فحص الزوار، حاول المهاجم الفرار في سيارته فحاصرته الشرطة على الطريق وفتح النار عليها. ردت الشرطة عليه بالمثل وأردته قتيلا. ويصفه المتطرفون اليمينيون على مواقع التواصل الاجتماعي بـ"البطل الشهيد"، فيما يساور القلق العميق العديد من المراقبين السياسيين في الولايات المتحدة بشأن المستقبل.
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مقالة على صفحتها الأولى بعنوان: "تزايد الحديث عن الحرب الأهلية". فقد خلص استطلاع للرأي أجرته مجلة "الإيكونوميست" ومنظمة "يوغوف" في أغسطس (آب) الماضي، إلى أن ما يقرب من نصف الأميركيين يعتقدون أن نشوب حرب أهلية أمر محتمل الحدوث خلال السنوات المقبلة. وأشار كتابان نُشرا العام 2022 إلى تفشي ظاهرة الميليشيات، وارتفاع وتيرة الاستقطاب السياسي وحذرا من أن الولايات المتحدة معرضة لمخاطر جسيمة باندلاع الحرب الأهلية.
وفي حين يرفض بعض المحللين استطلاعات الرأي ذات الصلة، ويشككون في احتمال نشوب حرب أهلية جديدة، إلا أنه ليس هناك مفر من خطر تزايد العنف السياسي إثر الانقسامات السياسية العميقة.
هل يمكن للحكومة الأميركية أن تتعثر في خطواتها إلى الأمام؟
من المهم ملاحظة أن الحياة تتواصل يومياً في الولايات المتحدة على نحو يبدو طبيعيا في الظاهر، وربما تتعثر الحكومة الأميركية لسنوات عديدة من دون اندلاع أزمة كبيرة أو نشوب حرب أهلية.
أحد العوامل المساعدة في هذا السياق أن الحكومة تعمل على المستويات المحلية أفضل مما تفعل الحكومة المركزية في واشنطن. وتدير الحكومة المحلية المدارس وقوات الشرطة وجمع النفايات وصيانة الطرق الحيوية والمطارات. واعتاد الكاتب جيمس فالوز الكتابة عن سياسة الأمن القومي الأميركي، لكنه غيّر تركيزه إلى تناول شؤون الحكومة المحلية، وهو متفائل. فقد قال في كتابه الصادر عام 2017 بعنوان: "بلداتنا: رحلة إلى القلب الأميركي"، أن الجمهوريين والديمقراطيين في المدن الصغيرة، في مختلف أنحاء أميركا، ما زالوا يعملون سوياً بسلاسة ويسر.
بيد أن الأحداث في أميركا تتفوق على الرسالة المتفائلة التي تبثها مشاعر السيد فالوز. فثمة مؤشرات، منذ 2017، على الاستقطاب السياسي الحاد الذي يصيب البلديات الآن. وفي الولايات المحافظة مثل تينيسي وتكساس وفلوريدا، يريد الحزب الجمهوري مشاركة الأحزاب السياسية في انتخابات مجالس المدارس المحلية (المجالس المحلية التي تحدد السياسات المدرسية، بما في ذلك برامج التعليم). ففي الماضي، كانت انتخابات مجالس المدارس غير سياسية، وكان التركيز فيها مُنصباً على القضايا الفنية، مثل الموازنات ومتطلبات البنية التحتية المدرسية. لكن خلال السنوات الأخيرة الأربع، بدأ الحزب الجمهوري في استغلال المخاوف بشأن تدريس التاريخ الأميركي والعلاقات العرقية من أجل فرض الصبغة السياسية على انتخابات مجالس إدارات المدارس، وتنشيط الأمهات والآباء للتصويت لصالح الجمهوريين. في الوقت ذاته، فإن حالات إساءة الشرطة التعامل مع المواطنين، لا سيما ضد المواطنين السود والاستجابة المناسبة، جعلت مسألة الشرطة المحلية أكثر إثارة للجدل وذات طابع سياسي باستمرار.
هل الحل في دستور جديد؟
عملتُ في بلدان مثل الجزائر والعراق وسوريا، واجهت أزمات سياسية وتحولت جميعها إلى التغيير الدستوري لمحاولة معالجة الأسباب الجذرية للاستقطاب السياسي. وفي أميركا كذلك، تدور المناقشات الآن حول عقد مؤتمر وطني لتغيير الدستور. ومنذ انعقاد المؤتمر الأول عام 1789، لم يُعقد أي مؤتمر دستوري آخر. وتنص المادة الخامسة من دستور الولايات المتحدة على وجوب عقد الكونغرس للمؤتمر الوطني إذا طالب به ثُلثا الولايات في البلاد، ما يعني أن 34 ولاية لابد وأن تدعم المطلب هذا. وحتى الآن، وافقت المجالس التشريعية في 19 ولاية فقط، جميعها خاضعة لسيطرة الحزب الجمهوري، على قرارات تدعو إلى عقد مثل هذا المؤتمر، بما في ذلك انضمام أربع ولايات جديدة في عام 2022.