حصدت مذكرات الأمير هاري بعنوان "البديل" (Spare) مبيعات بلغت 1,430,000 في اليوم الأول لطرحها في كل من الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة، بحسب دار بنغوين للنشر. وأصبحت المذكرات أسرع الكتب غير الروائية مبيعا في تاريخ المملكة المتحدة بعدما تهافت القراء على شراء 400,000 نسخة يوم الثلاثاء الماضي فقط.
أفرغ دوق ساسكس جلّ جعبته في مذكراته الأولى، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة إلّا أتى على ذكرها، حتى أصبح من الصعوبة أن نتخيّل أن لديه أي شيء آخر يود الحديث عنه. حاز الكتاب انتباه وسائل الإعلام في الأسبوع السابق لنشره بعد تسريب بعض الأسرار التي يحتويها. وبلغ سيل التشويق الزبى نتيجة الروايات التي وصفت عراك الأمير هاري وشقيقه الأمير وليام، وكذلك مطالبة الأخوين أباهما بألا يتزوج بالملكة القرينة كاميلا، حتى ساد التوقع وقتها بأن يصبح الكتاب من أكثر الكتب مبيعا، وهو قيد إعادة الطباعة في الوقت الحالي.
كان ما سبق مجرد حقائق تتصل بمبيعات الكتاب، لكن ما يبقى محلّ تساؤل مفتوح ما إذا كان سيل اللوم والنقد والغضب الذي صبّه الأمير هاري في كتابه بسبب المعاملة المزعومة التي تلقاها على يد عائلته، وبالطبع على يد كلٍّ من القصر الملكي والصحافة، سيؤدي إلى رأب هذا الصدع في المستقبل. حتما، لكل رواية وجهان مختلفان، أو "ربما تختلف الذكريات"، على حد وصف الملكة إليزابيث الراحلة لبعض الاتهامات التي أثارها الأمير هاري.
ولكن كلما أطال الأمير هاري أمد هجومه على بقية أفراد عائلته، ازدادت صعوبة لمّ شملهم بأي صورة من الصور، وبخاصة قبل موعد تتويج الملك تشارلز المزمع في السادس من مايو/أيار المقبل.
وإذا وضعنا الكتاب نفسه جانبا، فقد أجرى الأمير عددا من المقابلات عن فحواه لم يرقَ أيٌّ منها لتوصف بأنها قوية بكل معنى الكلمة. ولعل أفضل ما وجّه إليه من أسئلة جاء من توم برادلي من قناة أي تي في البريطانية. فقد سأل السيد برادلي الأمير هاري عندما بالغ الأخير وأكثر من شكواه المريرة من اقتحام الصحافة لخصوصيته، سواء أكان ذلك حقيقة أم وهما، ما إذا كان قد اقتحم خصوصية العائلة المالكة، وبالتبعية كذلك خصوصيته هو وزوجته وطفليه.
تندرج إجابة هاري على هذا السؤال ضمن منطق " البادئ أظلم". وعلى حد قوله، فالشعار السائد ضمن العائلة المالكة مفاده "تُمنع الشكوى ويُحظر الشرح. إلّا أن الجميع أدرك الآن من خلال وثائقي نتفليكس، ومن طوفان الروايات التي ظهرت للعلن على مر السنين، أن ذلك لم يعدُ كونه شعارا. فلقد كان هناك سيل من الشكوى والشرح". ويصر هاري على أن ’الحقيقة‘ أصبحت الآن تصدر منه هو شخصيا وليس من وسائل الإعلام الشعبية التي تتناقل ما تتفوه به ألسنة أفراد العائلة المالكة والقصر. وسواء صدق ذلك على العائلة المالكة أم لا، فإن الأمير هاري يُعامل الآخرين تماما بما نهاهم عن معاملته به من التصرفات التي يبغضها أشد البغض.
من بين أكثر أجزاء الكتاب إثارة للجدال ما كشفه الأمير هاري من أنه قتل 25 من مقاتلي طالبان في أفغانستان أثناء خدمته في الجيش البريطاني
في كتابه الذي صاغه الكاتب الأميركي المرموق جي آر موهرينغر، يسرد الأمير هاري العديد من الروايات المحيرة والمتناقضة على حد سواء. فهو يزعم أنه غادر المملكة المتحدة بصحبة عائلته "ناجيا بحياته"، لكنه لم يقدم أدنى دليل على التهديدات التي عرّضت حياته للخطر. ويضيف أنه يكنّ الاحترام لجدته لأنها أفنت حياتها في أداء واجبها حتى الرمق الأخير، في حين تخلى هو عن واجباته الملكية.
يقول الأمير هاري في كتابه: "لم أقل شيئا يمكن اعتباره انتقادا لاذعا لأفراد عائلتي"، وكأنه غافل عما يقول. كما يزعم أنه يرغب في مد أواصر العلاقة مع شقيقه ووالده، لكنه على يقين تام من أن ما كشف عنه تسبب بجرح غائر لزوجتيهما. وعلى الرغم من الثناء على نفسه بسبب الزود عن زوجته، إلّا أنه لا يدرك أن أفراد عائلته سيرغبون هم أيضا في حماية زوجاتهم من فضحه أسرارهن في الماضي والحاضر والمستقبل.
من بين أكثر أجزاء الكتاب إثارة للجدال ما كشفه الأمير هاري من أنه قتل 25 من مقاتلي طالبان في أفغانستان أثناء خدمته في الجيش البريطاني، حيث تسبب الأمر في استياء عميق داخل دوائر الجيش البريطاني، مما حدا بكبار القادة العسكريين السابقين إلى القول بأن هاري قد جانبه الصواب في تعليقاته.
في الوقت الحالي، يحاول السواد الأعظم من أفراد العائلة المالكة النأي بأنفسهم عن الوابل المتواصل من الاتهامات التي يكيلها دوق ودوقة ساسكس. ونظرا إلى عقد صفقة لنشر أربعة كتب، وكذلك إلى احتفاظ الدوقة بمذكرات عن الفترة التي أمضتها في المملكة المتحدة، حسبما يُشاع – تماما على غرار احتفاظ الزوجين بمصور فيديو كان على أهبة الاستعداد طوال الوقت خلال الفترة نفسها، مثلما دللت على ذلك سلسلة نتفليكس – فليس من الوارد أن يكفّا عما يفعلان في القريب العاجل.
ويقول الأمير هاري إنه يود أن تخضع عائلته للمساءلة نظير ما اقترفته في حقه وأن تعتذر له، دون أن يُحمّل نفسه أي قدر من اللائمة. في هذه الأثناء، تتابع العائلة المالكة أداء واجباتها المعتادة دونما أنين، وبصلابة يُضرب بها المثل، ومن هنا فإن لمّ الشمل يبدو بعيد المنال.