ولدت مهسا للمرة الأولى في بلدة صغيرة في سبتمبر/ايلول 2000، وعرف عدد من الأقارب أن “الله وهب كاك أميني، ابنة”. ثم ولدت للمرة الثانية في أحد المستشفيات الصاخبة في طهران، العاصمة الايرانية. هتف الآلاف من الشباب والشابات: “اسمك رمز”.
أضحى اسم مهسا رمزا لصرخة كانت مكبوتة في حنجرة المرأة لسنوات. نشأت هذه الصرخة من حرقة في القلب بعد شهر من انتصار “ثورة” 1979، حين فرض الخميني ارتداء الحجاب على النساء العاملات في الدوائر الحكومية. على الرغم من ان هذا الأمر لم ينفذ لمدة عام بسبب مقاومة النساء، فإنه كان مقدمة تؤشر إلى أيام سود اقتربت على وجه السرعة.
بعد ستة أشهر، وقبل المصادقة على الدستور وكانت “لجنة ثورية” تحكم البلد، سمح الرجال "الثوريون" للرجل بالزواج أربع مرات، في القوانين التي أقروها، في أي وقت يشاء، وان يطلق امرأة دون أي دليل، في وقت كان من الصعب للغاية، بل من المستحيل على المرأة، أن تحصل على الطلاق بشكل قانوني.
وانتُزعت ايضا حقوق الحضانة من الامهات. وتم تحديد سن زواج الفتيات بـ 9 سنوات. بعد مرور وقت، عندما بدأ البرلمان الأول عمله، كتبوا في القوانين الجنائية التي أقرت، أن “دية المرأة نصف دية الرجل”.
كان غضب النساء يتفجر بعض الأحيان، فتخرج احتجاجات شعبية لأسباب مختلفة، لكن السلطات تتمكن من إخماد نيرانها على وجه السرعة من خلال اعتقال عدد من الأشخاص وتهديد آخرين وترهيبهم.
في السنوات الأولى، حُرمت المرأة من دعم الأحزاب السياسية ورجال المجتمع، ولكن مع مرور الوقت، أدرك الناس أن الاضطهاد والتمييز مثل فيروس في المجتمع، سوف يصيب جميع الناس إذا لم يتم تدميره بالنضال الجماهيري. لم تكن الجمهورية الايرانية مستثناة من هذه القاعدة، وسرعان ما طاردت رجال المجتمع، فاعتقل أي شخص لديه أدنى انتقاد وأعدم كثيرون. وصل مستوى العنف الذي مارسته السلطة في عام 1988 إلى مستوى حمل حسين منتظري الذي اختاره وعينه الخميني نائباً له، على الاستقالة والمكوث في منزله.
في فترة ما بعد الخميني، ساءت الأوضاع يوماً بعد يوم: اختلاسات كبيرة وطموح سياسي للسلطة وتخطيط اقتصادي خاطئ، وملف الطاقة النووية الذي تسبب في عزلة سياسية، وعقوبات اقتصادية واسعة النطاق؛ كلها امور قصمت ظهر الاقتصاد الإيراني. كما أن التضخم المرتفع والانخفاض المتزايد والمستمر لقيمة العملة الوطنية، رسما آفاقا اقتصادية قاتمة أمام الجميع، وحوّلا إيران إلى خزان بارود ينتظر شرارة للاشتعال.
كان مقتل فتاة على أيدي "شرطة الأخلاق"، الشرارة التي أشعلت مخزن البارود. عندما ولدت للمرة الأولى في سقز، اختار لها والدها اسم "جينا"، لكن المسؤولين الحكوميين لم يصدروا شهادات ميلاد بأسماء كردية، لذا اضطر الى اختيار اسم "مهسا" لها. يعني اسم مهسا بالكردية “المرأة”.
في ولادتها الثانية، وأثناء دفن جثمانها، تحولت الصرخة المكبوتة للإيرانيات إلى شعار “المرأة، الحياة، الحرية”.
يعرف الرجال الإيرانيون أن انتصار المرأة هذه المرة مقدمة لانتصارهم، وأن الديمقراطية ستدخل إيران من بوابة “حقوق المرأة”. لقد انضموا إلى النساء لتخصيب شتلات الثورة.
هذا الشعار له وجهان: الاول نفي الاستبداد الديني الذي يحكم إيران، الثاني تشكيل حكومة ديمقراطية وعلمانية، لأنه فقط في ظل مثل هذه الحكومة يمكن أن نرى تحقيق هذا الشعار.
لقد بدأت "الثورة" الإيرانية وهزت بشكل جدي أسس الحكومة. ثورتنا ليس لها قائد واحد ومعروف، لكن الاحتجاجات تنظم بالتعاون بين النشطاء في كل مدينة، وأساليب الاحتجاج تتغير بحسب الظروف.
تمکنت الاحتجاجات هذه المرة من دخول الشهر الرابع بفضل مقاومة المتظاهرين، على خلاف الاحتجاجات السابقة التي انتهت في أقل من شهر دون نتائج.
هذا الحراك هو بداية النهاية للنظام الإيراني، لكن ينبغي ألا ننسى أن النتيجة النهائية لعملية “السقوط” قد تستغرق وقتا أكثر من عام، لكن المحتجين جميعهم يعتقدون أنهم سيحققون النصر، على الرغم من أنه قد يكون مكلفاً.
النقطة المهمة هي أن الشعب الإيراني مستعد لدفع أي تكلفة، لأنه كلما قُتل شاب، هتف الناس “آلاف الأشخاص وراء كل قتيل”.
ونرى كيف يقاتلون القوات المدججة بالسلاح من “الجمهورية الايرانية” بأيد فارغة وبالعصى والحجارة. مثل هذا الشعب يستحق حياة أفضل وسيحصل عليها.