يتخذ التوثيق في هذه السينما، بأهدافه التي تعنى بتدوين سيرة المرأة والدفاع عن حضورها ورصد تأثيرها ومصائرها، وضعية الأصل الذي ينبثق منه كلّ شيء ويعود إليه كلّ معنى وكلّ توظيف أو ترميز.
تنطق المشاهد والنصوص والخيارات التقنيّة والبصرية في سينما سميرة مخملباف بلسان المرأة في إيران والمنطقة مهما كانت مغرقة في سورياليتها، الأمر الذي منح أفلامها صفة الوثائق الخاصة التي تتعاطى مع التاريخ بعين الفن وتكثّفه وتضيء على ما يراد له الاختفاء والتبدّد، وتجعله محفورا في الذاكرة ومحصنا ضدّ النسيان.
يستعير فيلمها "في الساعة الخامسة عصرا" عنوانه من قصيدة للشاعر الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا.
صُوّر الفيلم في أفغانستان بعد خروج "طالبان" منها. ترصد المخرجة عبره مكانا صار عراءً خالصا وفرض نفسه على الوجود والعيش، وجعله عريا كاملا، في تناقض حاد تراجيديّ وساخر مع ثقافة الحجاب القائمة والمفروضة بقوة التراكمات التي أسستها "طالبان" واستمرت من بعدها.
تحمل قصيدة لوركا الفيلم وتخترقه في بدايته وفي الخاتمة التي تتجلى كأنّها اللحظة التي تتكثف فيها المصائر وتظهر فيها امرأة تجر حصانا مجهدا وأخرى تتدلى من على كتفيها جرتان فارغتان تمشيان في الصحراء من دون هدى.
تقول مخملباف في إحدى المقابلات: "أعتقد أن المرأة الإيرانيّة مثل ينابيع الماء في الربيع، كلما طبقت ضغطا أكبر عليهن ظهرن بشكل أقوى". تختصر هذه العبارة أهداف مشروعها السينمائيّ وتشرح آلية حركته.
المرأة في أفلامها تقاتل وهي تؤمن بأن تدوين سيرة هذه الحرب إنما هو تدوين لسيرة المرأة والبلاد.
مهسا أميني (2000-2022): الأيقونة الجارحة
قُتلت الصبية مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق. لا يمكن تمويتها بشكل آخر ولأي سبب آخر عدا كونها حرّة. عجز السلطات عن قتلها كما تشتهي كان العنوان الذي خلقه موتها وجعلها أيقونة جارحة لا تكف عن تكرار فعل الإدانة وتمكينه.
ذلك الغضب الذي انطلق من مقتلها حوّلها إلى موناليزا إيرانيّة تنظر بعينيها إلى القاتل وتشير إليه دائما. صورتها صارت العمل الفني الأبرز الذي خرج من إيران في هذه المرحلة.
تُرفع صورة تمثلها في قطر خلال مباريات كأس العالم فتُحضر معها عالما مفتوحا من الدلالات التي تتكاثر في كلّ لحظة وتضيف عليها وقائع ما يجري على الساحات جملة من المعاني.