أنهى الاقتصاد المغربي العام المنصرم بأفضل من بدايته، التي ارتبطت بتداعيات جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية على أوكرانيا، وتسجيل موجة جفاف استثنائية، وارتفاع غير مسبوق في التضخم والأسعار، وتقلص في الانفاق والاستهلاك، وعجز في الموازنة الحكومية، وقلق اجتماعي وشعبي، ونمو في الناتج المحلي الاجمالي لم يتجاوز 1,1 في المئة، بعدما كان سجل 7,9 في المئة عام 2021.
لكن تحسنت الصورة كثيرا في نهاية العام 2022، وساهم في ذلك بلوغ المنتخب الوطني المغربي المربع الذهبي في كأس العالم في قطر، وواكبها انتعاش في قطاع السياحة والسفر، وامتلأت الفنادق وتجاوزت الحجوزات عدد الغرف والأسرة. وتناسى موظفو السياحة أن فنادقهم كان بعضها مغلقا، والآخر شبه فارغ على امتداد زمن كوفيد-19، الذي عمّر سنتين ونصف السنة. تماما كما تناسى المزارعون جفافا قاسيا دام شهورا طويلة شحت فيها التساقطات المطرية، وساد الكساد وتراجع الانتاج الفلاحي، وتفاقمت أزمة المياه العذبة في المناطق الأقل حظا.
يقال في المغرب "إن التنوع الاقتصادي في مصادر الدخل، ضروري لمواجهة الأزمات الخارجية، وإن عودة المطر تساعد على اخضرار الطبيعة وتحسين مزاج المستثمرين، ورفع معنويات السياسيين". دليلهم أن موروثا شعبيا كان يقول "إن المطر يساعد على تدبير شؤون الناس وإطعامهم، مما يزيد في رضاهم على الحاكم".
وكثيرا ما تصف المؤسسات المالية الدولية الاقتصاد المغربي بأنه بين الأكثر تنوعا في شمال إفريقيا والشرق الاوسط، لكنه أيضا بين الأكثر تضررا من ارتفاع أسعار الطاقة، والتغيرات المناخية، والأزمات الدولية، وهذا ما حدث عام 2022 حين تألّب التضخم مع الجفاف، ليبلغ السيل الزبى مع تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.
وأفاد المصرف المركزي في تقريره الأخير قبل نهاية السنة المنصرمة، "أن القيمة المضافة تراجعت في أكثر الأنشطة الزراعية وبلغ انخفاضها 15 في المئة، بسبب ظروف مناخية غير مساعدة"، وتوقع أن تعاود الزراعة انتعاشها عام 2023، وتحقق فائض قيمة بنسبة 7 في المئة مع فرضية العودة الى موسم زراعي متوسط في إنتاج القمح يبلغ 8 ملايين طن.
الأرقام الرئيسية للتقرير حول السياسة النقدية - دجنبر 2022 pic.twitter.com/CnffRsA7EC
— Bank Al-Maghrib (@BankAlMaghrib) December 20, 2022
وكان مناخ عام من الجفاف كلّف خزينة المغرب ثلاثة مليارات دولارلاستيراد القمح والشعير والذرة في عشرة أشهر، بحسب تقرير مكتب الصرف المشرف على التجارة الخارجية، الذي قال: "إن فاتورة الطاقة زادت 100 في المئة، ووصلت الى نحو 13 مليار دولار، كما زادت كلفة واردات القمح 90 في المئة"، وغطت صادرات الفوسفات نحو 80 في المئة من كلفة شراء النفط والغاز والقمح المدفوعة بالدولار، بفضل زيادة الطلب على الأسمدة الفوسفاتية التي يعتبر المغرب أول منتج ومصدّر لها عالميا.
وبدأ الحديث إعلاميا عن ديبلوماسية الأسمدة الزراعية، بعدما قاطعت دول غربية عدة الأسمدة الروسية بسبب الحرب، وظهر المغرب فاعلا دوليا حتى داخل أسواق القارة الأميركية من كندا إلى البرازيل.
وقال مكتب الصرف المشرف على الاحتياط النقدي "إن الرباط صدّرت ما قيمته تسعة مليارات دولار من مبيعات السيارات حتى أكتوبر/ تشرين الأول، كما حصلت على عائدات بقيمة 176,6 مليار درهم، أي نحو 18 مليار دولار، من صادرات الخدمات المالية والسياحية والرقمية وتكنولوجيا العمل عن بعد (offshoring)، ولأن للمغرب جالية في خارج البلاد تفوق 5 ملايين نسمة، فهي حولت الى بلادها 89 مليار درهم أي قرابة تسعة مليارات دولار. ونمت الاستثمارات الأجنبية المباشرة (Foreign Direct Investment - FDI) 50 في المئة، وتجاوزت التدفقات الاستثمارية الخارجية 32 مليار درهم، أي نحو 3 مليارات دولار في عشرة شهور، جعلها الأولى في شمال إفريقيا.
لا تخفي هذه الأرقام على أهميتها صعوبات ماكرو-إقتصادية، وتحديات اجتماعية، ونسب بطالة مرتفعة لدى الشباب والنساء، لكنها تبقى أقل سوءا في ظل وضع دولي مضطرب، تتجاوز فيه عدم اليقينية معدلات قياسية.
وقال رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمام البرلمان في مناقشة الأسئلة الشهرية "إن الرهان الأساس الذي تعمل عليه الحكومة، هو تجنب أي تأثير خارجي مفاجئ مناخيا أو دوليا، لذلك هي تعمل في سباق مع الزمن لأجل إنتاج 52 في المئة من الكهرباء الذاتية من الطاقات المتجددة، واستثمار 15 مليار دولار في مشاريع ضخ المياه لتزويد المدن وحاجيات الزراعة من أجل توفير الأمن الغذائي ومواجهة التغيرات المناخية، وأيضا الاستثمار في الإنسان عبر قطاعات التعليم والرياضة، والصحة وبناء المستشفيات، والرعاية الاجتماعية تحسبا لكل طارئ اقتصادي بكلفة اجتماعية، أو أوبئة بكلفة صحية". وكان المغرب خسر نحو 6 في المئة من الناتج الإجمالي، وتضررت نحو أربعة ملايين أسرة من تداعيات أزمة كوفيد عام 2020.
وكان الملك محمد السادس دعا الحكومة في افتتاح دورة البرلمان في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى الإعداد لمواجهة التغيرات المناخية ونقص الموارد المائية، وتعزيز الاحتياطات الضرورية في ظل شح المياه، وتسريع المشاريع الاستراتيجية والاستثمارات في مجالات الطاقات المتجددة والمياه والاقتصاد الأخضر، وتحسين مناخ الاستثمار والأعمال لخلق مزيد من فرص العمل، والاهتمام بالعنصر البشري خاصة الشباب والنساء.
ويبدو أن الحكومة (الليبيرالية من وسط اليمين) وضعت ضمن أولوياتها هذه "الوصفة الملكية وشرعت في تنفيذ خطة "الحماية الاجتماعية"، وهو برنامج طموح ينطوي على رهانات كبيرة، ويمتد على خمس سنوات، كان الملك محمد السادس أطلقه غداة جائحة كورونا. ويكلف البرنامج نحو خمسة مليارات دولار سنويا، لتعميم التأمين الصحي على جميع سكان المغرب بزيادة 11 مليون شخص إضافي، وضمان راتب دائم لفئة واسعة من غير الأجراء والموظفين، وتحويل برامج الدعم التي بلغت أربعة مليارات دولار في العام المنصرم، إلى مساعدات مباشرة للفئات الفقيرة والهشة، لتقليص معدلات الفقر، ضمن أهداف التنمية المستدامة المصادق عليها في الأمم المتحدة.