لم يشهد العام المنصرم (2022) أي خرق للاستعصاء القائم في أحوال الفلسطينيين، في أوضاعهم الداخلية وواقع كياناتهم السياسية وفي طبيعة علاقتهم بإسرائيل كما في مكانتهم في الأجندة العربية والدولية. بل شهد مزيدا من الصعوبات والتعقيدات والتراجعات، على الرغم من المعاناة والتضحيات وما بذله الشعب الفلسطيني من مظاهر الصمود والمقاومة، في مواجهته السياسات الإسرائيلية.
في الواقع، فإن ذلك العام شهد تصعيدا كبيرا، من جهة إسرائيل، في استهدافها الفلسطينيين وسعيها إلى الحطّ من مكانة قيادتهم وقضم سلطتهم وتكريس واقع هيمنتها عليهم، كسلطة استعمارية واستيطانية، في كل النواحي، الأمنية والاقتصادية والإدارية والسياسية.
قضم دور السلطة الفلسطينية
لعل من أهم التطورات الحاصلة في علاقة إسرائيل بالفلسطينيين، بعد تقويضها اتفاق أوسلو، يتمثل في تحولها من مصارعة السلطة على الأرض (في الضفة) إلى مصارعتها على الشعب، أيضا، عبر قضم دورها بتقليص مواردها المالية، وفرض القيود عليها، وبامتهانها امام شعبها، من خلال الاقتحامات المستمرة للمدن الفلسطينية، واغتيال النشطاء وهدم البيوت وتعزيز علاقات التبعية الاقتصادية والإدارية، واستعادتها دور "الإدارة المدنية" وهي باتت في ظل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في عهدة الوزير بتسلئيل سيموريتش من حزب "الصهيونية الدينية".
يتضح من ذلك أن إسرائيل تسعى إلى التحرر من حل الدولة الفلسطينية وتكريس احتلالها للضفة، وإبقاء السلطة عند حدود الحكم الذاتي، مع انتهاج فكرة "السلام الاقتصادي"، أي تحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين، عبر: أولاً، تفعيل وتعزيز دور "الإدارة المدنية"، المفترض أنها سلمت صلاحياتها الى السلطة الفلسطينية (وفقا لاتفاق أوسلو). ثانيا، التوسع في تشغيل عمال فلسطينيين، من الضفة وغزة، كأفراد، أي من دون وكالة أجهزة السلطة، ما يعزز علاقاتها معهم واعتمادهم عليها.
فثمة 200 ألف عامل فلسطيني في سوق العمل الإسرائيلية، مع سعي إلى زيادة العدد، إذ سجل 250 ألفا من العمال في غزة أنفسهم لطلب الحصول على تصريحات عمل في إسرائيل ("الأيام" 15/8/2022). ثالثا، توسيعها قاعدة المستفيدين من العلاقة المباشرة معها (حملة بطاقاتVIP)، من كبار المسؤولين في السلطة، والتجار والمقاولين ورجال الأعمال، ممن لديهم مصالح وامتيازات في العلاقة مع إسرائيل.
عن الاعتماد الفلسطيني على إسرائيل، يقول ألون بنكاس: "توجد عملة واحدة وغلاف ضريبي واحد وتجارة خارجية واحدة. 55 في المئة من استيراد الفلسطينيين من إسرائيل، و80 في المئة من التصدير الفلسطيني مخصص لإسرائيل. نحو 80 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل في فرع البناء، و15 ألفا في الصناعة والخدمات... الموازنة السنوية للسلطة 5.7 مليار دولار، 65 في المئة منها مصدرها الضرائب التي تجبيها إسرائيل" بحسب ما ذكرت صحيفة "هآرتس"( 8/1/2023).
بيد أن ما يجدر التذكير به هنا أن إسرائيل ما كان لها أن تنجح في سياساتها تلك، إلا بالاستناد إلى عوامل مساعدة، منها ضعف بنى السلطة وتخبطها في إدارة أحوال الفلسطينيين، مع تآكل شرعيتها وانقسام كياناتها وترهل أجهزتها وغياب علاقات المساءلة والمحاسبة فيها، والإحباط الناجم عن غياب أي أفق لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
حالة استعمارية واستيطانية وقمعية
بلغ عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة (بما فيها القدس الشرقية) نحو 726,427 مستوطنا، موزعين على 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية وخلال العام الماضي، جرى الاستيلاء على 223 من الممتلكات، علاوة على إصدار قرارات بالاستيلاء على 26424 دونما تحت مسميات مختلفة. (www.wafa.ps/Pages/Details/62279)
أيضا، في ذلك العام، بلغ عدد الفلسطينيين الذين قضوا برصاص إسرائيلي 230 شهيدا (171 في الضفة و53 في غزة و6 من فلسطينيي 48)، منهم أطفال ونساء. وثمة 9335 فلسطينيا أصيبوا ونحو 7000 حالة اعتقال، لا يزال 4700 منهم في السجون. وفي رأي مركز "بتسليم" فإن العام 2022 كان الأكثر قتلا للفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي (في الضفة) منذ نهاية الانتفاضة الثانية (أواخر 2004) (هاجر شيزاف،"هآرتس"، 3/1/2023).
وشهد ذلك العام قيام إسرائيل بشنّ عدوان هو الخامس من نوعه على غزة، استمر لثلاثة أيام (5ـ7/8)، بعد أربع حروب شنتها عليه في غضون الـ 14 عاما الماضية، إثر شنها غارة نجم عنها اغتيال تيسير الجعبري القيادي في "سرايا القدس" التابعة لـ"حركة الجهاد الإسلامي" في غزة (5/8)، وردّ تلك الحركة بقصف مدن إسرائيلية متاخمة لقطاع غزة. ما يلفت في تلك الحرب أنها تميزت عن سابقاتها بتفرد "حركة الجهاد" بإطلاقها الصواريخ، ما دل على اخفاق فصائل المقاومة في فرض ما سمته "قواعد اشتباك" على إسرائيل، وضعف صدقية ادعاءاتها في تبني سياستين: اولاهما، وحدة الساحات بين الضفة وغزة، وثانيتهما وحدة فصائل المقاومة، وقد ذهب ضحية تلك الحرب 48 من الفلسطينيين في قطاع غزة.