يواجه النظام الإيراني أقوى التحدّيات الداخليّة التي اعترضته حتى اليوم، لكن آليّة النظام الأمني مبنيّة بشكل يضمن بقاءه. لقد طوّر النظام منذ استيلائه على السلطة بعد "الثورة "عام 1979، مؤسسة أمنية معقدة وفعالة وقاسية صُمّمت لتحديد التهديدات التي تواجه هيمنته، وتحييدها وردعها.
ولطالما عمل النظام على صقل وتطوير القدرات والهيكليات المطلوبة للتعامل مع مجموعة كاملة من التهديدات، بداية بالعدوان العسكري الأجنبي، وأعمال التجسس والتخريب، وصولا إلى الاضطرابات المدنية المحلية. لكن الأمر لم يكن ناجحا دائما، ففي عام 2020، اغتيل محسن فخري زاده، "المسؤول النووي" البارز، في قلب طهران. وفي مواجهة التهديدات المحلية، نجحت المنظومة الأمنية في احتواء موجات السخط الشعبي، لا سيّما تلك التي اندلعت في عامي 2009 و2019، مستعينة بمزيج من القدرات التقنية الجماعية مع الاستعداد لاستخدام القوة القضائية والمادية معا.
وأظهر تكرار السخط الشعبي أخيرا أن هذا النهج كان أقل نجاحا في الحد من الاستياء، أو في الحفاظ على التأييد الشعبي. وتعكس الهيكلية التنظيمية والقيادية للأجهزة الأمنية الانقسام الدستوري في إيران بين السلطتين السياسية والدينية.
فمن الناحية الرسمية، تعمل الأجهزة الأمنية بإشراف اللجنة العليا للأمن القومي الإيراني، لكنها – من الناحية العملية – طورت خطوط اتصالها الخاصة مع مكتب المرشد الأعلى الذي يستأثر بالحصة الكبرى من القوة. وبينما تستطيع اللجنة والمكتب تنسيق أعمالهما من الناحية العملية، فإن هذا لا يحول دون وجود توترات وتنافسات وثنائيات متباينة في الإشراف على القوى الأمنية.
في المقابل، تمتلك الأجهزة الأمنية الموارد الكافية والدعم السياسي والديني الرفيع المستوى، فضلا عما تتمتع به من حرّيات واسعة في شأن قيامها بأعمالها من دون إشراف برلماني أو من جهة مستقلة، وبعيدا من أية مساءلة باستثناء "المرشد الأعلى".
وينص الدستور على أن واجب تلك القوات الأمنية هو حماية "الثورة"، وهو الواجب الذي يعلو ويسبق في الاعتبار على أي واجب آخر من قبيل الامتثال للقانون الإيراني أو الدولي أو احترام حقوق الإنسان. لهذا السبب، كانت أهم القوى الأمنية قريبة جدا من مصادر السلطة الدينية.
الحرس الثوري
تٌعتبر قوات "الحرس الثوري" الإيراني أكبر الأجهزة الأمنية في البلاد، وأهمها. وكُلِّفت منذ تأسيسها في 1979، بـ "حماية الثورة". وهي مهمة اتخذت أشكالا عدة، بدءا بالمشاركة في الصراع المسلح والحرب ضد العراق، وانتهاءً بقمع المعارضة الداخلية. ووُضع تصورها في الأصل كقوة لحماية "الثورة" من انقلاب داخلي مضاد، ومن ثم ارتبطت ارتباطا وثيقا مع أصحاب المناصب الدينية العليا الذين دافعوا عن حكم "ولاية الفقيه" ضد الرؤى المتنافسة حول مستقبل البلاد بعد البهلويين.
أثناء الحرب العراقية -الإيرانية، تحول "الحرس الثوري" إلى قوة عسكرية تقليدية، لكنه بقي مضطلعا بالمهمة نفسها المتمثلة في حماية "الثورة" مما كان يُنظر إليه في طهران على أنه عِراقٌ مدعوم من الغرب عازم على تدمير "الثورة". يُذكَر أن "الحرس الثوري" كان بقيادة خامنئي خلال تلك الفترة، ما منح هذه القوات رعايته ودعمه منذ ذلك الحين. نتيجة ذلك، تمتع "الحرس" دائما بتمويل متميز حتى في أوقات الضائقة الاقتصادية. وفي الآونة الأخيرة، تلقت قواته زيادة في التمويل بنسبة 14 في المئة في يوليو/تموز 2021.
تبلغ حصة حساباتها الإجمالية، حسب بعض التقديرات، نحو 30 في المئة من إجمالي التمويل الخاص بقطاع الدفاع في إيران.
لم يكن "الحرس الثوري" محصّنا أمام التحديات على الرغم من عمله الدائم خارج الهياكل السياسية الرسمية بفضل خضوعه لقيادة "المرشد الأعلى" المباشرة. حاول الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي كبح جماح سلطة "الحرس"، لكن الحرس ردّ بتعميق قاعدة قوته من خلال شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية مستندا على رعاية خامنئي، إضافة الى تقليد ضباط سابقين فيه مناصب سياسية. وشهدت سياسة التعيين هذه توسعا أكبر في عهد الرئيس أحمدي نجاد الذي كان هو نفسه عضوا سابقا في "الحرس". ويدير "الحرس" أيضا جهازه الخاص للاستخبارات الداخلية، الذي أنشئ بناءً على طلب خامنئي بسبب إحباطه من عجز وزارة الاستخبارات والأمن الوطني عن احتواء مظاهرات عام 2009.
وكانت نتيجة ذلك ترسيخ سلطة "الحرس الثوري" بفضل شبكة واسعة تتمتع بالنفوذ الاقتصادي والسياسي. عموما، يعتمد بقاء قوات "الحرس" على استمرارية النظام كما هي الحال بالنسبة إلى العديد من الإيرانيين الذين يعتمدون عليه لأسباب اقتصادية أو مهنية، وإن لم يكونوا أعضاء في الحرس.
في المجمل، يبلغ عدد أفراد "الحرس الثوري" نحو 190 ألف عضو منظمين في 31 فيلقا إقليميا (إثنان في طهران)، والقوات الخاصة وألوية المدرعات والمشاة. ويمتلك "الحرس" أيضا سلاح بحرية قوي (20000 عنصر) مسؤول عن العمليات في الخليج، وقوة فضائية (15000 عنصر) و"فيلق القدس" (5000 عنصر) المسؤول عن العمليات الخارجية. وكان "فيلق القدس" الذي يقوده حاليا إسماعيل قاآني، وسّع سلطاته ونفوذه بشكل كبير في عهد سلفه قاسم سليماني، من خلال استراتيجية عداونية لرعاية الميليشيات ودعمها في النزاعات الجارية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
فايننشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يدرس تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية#العربية_عاجل pic.twitter.com/waOdyl3plB
— العربية (@AlArabiya) January 29, 2023
وتكمن القوة الحقيقية لـ "فيلق القدس" في حجم وقدرات الكيانات الأجنبية التي يمكنه الإفادة منها، بما في ذلك "حزب الله" اللبناني والعديد من الميليشيات الكبيرة في سوريا والعراق. وعلى الرغم من أنه لا يُستخدم لقمع المعارضة في الداخل، فلا يزال يستطيع قيادة مجموعة كبيرة من المقاتلين الأجانب للدفاع عن الثورة الإسلامية. وأثبت ذلك قوته في التعبئة اثناء الحرب في سوريا، حيث نجحت في نشر متطوعين من مناطق بعيدة مثل أفغانستان وباكستان.
قوات الباسيج
يمتلك "الحرس الثوري" قيادة عملياتية للمتطوعين تُعرف باسم الباسيج، ويقدّر عدد أعضائها بنحو 6 ملايين شخص. لكن مصادر رسمية إيرانية تقول إن عددها يبلغ 23 مليونا. والباسيج حركة جماهيرية لها فروع داخل المدارس والجامعات وأماكن العمل. وتتشابه في أصولها مع الحرس الثوري لناحية تأسيسها في الأيام الأولى للثورة الإسلامية.