وفي ما يخص الخدمات اللوجستية، ولاسيما داخل الولايات المتحدة حيث تختزل "أمازون" الوقت اللازم باستمرار لتسليم الطلبات، يقل اتكال الشركة على شركات متخصصة في هذه الخدمات، مثل "يو بي إس" و"فيديكس" و"الخدمة البريدية الأميركية"، ويكثر استثمارها في شبكتها الخاصة، فهي ضاعفت بنيتها التحتية للخدمات اللوجستية في الولايات المتحدة بواقع ثلاثة أضعاف بين عامي 2014 و2018 فقط، قبل أن تعززها بنسبة تُقدَّر بنحو 50 في المئة عام 2020 فقط. ويعود سبب التوسع إلى التكاليف الضخمة التي تتكبدها الشركة لشحن الطلبيات الواردة إليها (بلغت 53 مليار دولار في الفصول الثلاثة الأولى من عام 2021). وهي تتكل على التسليم بالمسيّرات وتطور خدماتها للتسليم عبر مركبات من دون سائقين، إضافة إلى الشراء المستمر للمستودعات في مناطق استراتيجية. وتقلق هذه السياسة الشركات المتخصصة في التسليم، كتلك التي كانت تعتمد عليها "أمازون" سابقاً، وتلك الناشئة في هذا المضمار.
وتغزو "أمازون" أيضاً سوق البقالة، ويعود الأمر إلى عام 1998 حين بدأت الشركة تستثمر في شركات ناشئة لبيع البقالة عبر الإنترنت، ومع إفلاس كثير من هذه الشركات وتكبد الشركة خسائر، اكتسبت الأخيرة خبرة وطمحت إلى الهيمنة على سوق البقالة الأميركية المقدرة بـ800 مليار دولار. وبعد عقد، استقطبت مسؤولين تنفيذيين من شركات لبيع البقالة افتراضياً وعينتهم في مواقع بارزة داخلها. وانتعشت حظوظها في هذا الصدد خلال الجائحة حين كثر شراء البقالة عبر الإنترنت في ضوء الإغلاقات. واليوم، يوصل مشروعها، "أمازون للمنتجات الطازجة" (Amazon Fresh) بقالة مودعة في مستودعاتها ومستودعات شريكتها "هول فودز" خلال ساعتين فقط من دون تكاليف توصيل. ويهدد هجومها خدمات تسليم البقالة الأصغر حجماً وكذلك محال السوبرماركت. وتلفت شبكة "سي إن بي سي" الإخبارية التلفزيونية إلى أن المشروع لم يحقق بعد الثمار المرتجاة، وتنقل عن جايك دولارهايد، الرئيس التنفيذي لـ"لونغبو لإدارة الأصول" التي تستثمر في "أمازون" قوله: "لا يزال قطاع البقالة [في الشركة] أقرب إلى الهواية المكلفة".
آخر القطاعات المقتحمة من قبل "أمازون" قطاع المدفوعات، ويشمل "أمازون للدفع" (Amazon Pay) وهي خدمة تسمح للتجار الخارجيين ببيع منتجاتهم على مواقعهم الإلكترونية الخاصة باستخدام تكنولوجيا الدفع الخاصة بالشركة، و"أمازون للنقود" (Amazon Cash) التي تسمح للعملاء بإيداع مبالغ في الشركة، كما أنها تصدر بطاقات حسم وائتمان خاصة بها. والهدف هو تقليل رسوم المعاملات التي تتكبدها كلما اشترى عميل منها بواسطة بطاقته المصرفية، وهي رسوم ترهق الشركات الصغيرة وليس الكبيرة كـ"أمازون"، غير أن الأخيرة تُشتهَر بسعيها إلى التوفير في كل ناحية متاحة. وتقلق هذه الخدمات الشركات المتخصصة بالمدفوعات، مثل "بايبال" و"فيزا" و"ماستركارد".
القطاعات المستهدفة
في هذه الأثناء، تستثمر "أمازون" في شركات للتأمين على أمل اقتحام قطاعاتها، ووصل بها الأمر إلى الاستثمار عام 2017 في "أكو" الهندية للتأمين على السيارات والدراجات الهوائية وما لبثت أن شجعتها على اعتماد التأمين الصحي خلال الجائحة، وأطلقت قبل عام "أمازون للحماية" (Amazon Protect) وهي خدمة تأمين تعمل في المملكة المتحدة في مجال الحوادث والسرقات وتقتصر على المنتجات المشتراة من الشركة. وتتطلع الشركة إلى سوق البضائع والخدمات الفاخرة، فأطلقت عام 2020 "المتاجر الفاخرة" (Luxury Stores) بغرض استقطاب العلامات التجارية في هذا المجال لعرض منتجاتها عبر الشركة، ونجحت في ذلك مع علامات مثل "أوسكار دي لا رينتا" و"إيلي صعب" و"رولان موريه". وأسست "أمازون ستايل" (Amazon Style) وهو متجر واقعي افتتح في لوس أنجلوس بغرض اقتحام قطاع التجارة الواقعية.
وتحاول الشركة أيضاً التوسع إلى قطاع المنازل الذكية فنتنج منتجات منزلية ذكية، كان أولها عام 2014 "أمازون للصدى" (Amazon Echo) وهو مكبر صوت، وعلى رغم أن شركات منافسة أطلقت منتجات مماثلة، لا تزال الشركة تستحوذ على 69 في المئة من سوق مكبرات الصوت الذكية. وبعد أربع سنوات، تشاركت مع "لينار"، إحدى أكبر شركات البناء في الولايات المتحدة، لبناء منازل ذكية تعمل بالخدمة الصوتية "أليكسا" التي طورتها "أمازون". وتتطلع أيضاً إلى سوق العناية بالمنزل والحديقة منذ أسست "متجر النباتات" (Plant Store) عام 2014 على رغم أن الرغبة في العناية بالحدائق كانت تشهد تراجعاً لافتاً في صفوف الأميركيين آنذاك، لكن الشركة راهنت على خبرتها في الخدمات اللوجستية والتوزيع وتأمل بأن تتمكن من الاستفادة في هذه السوق. ولم تنجُ سوق الوسائط والترفيه من طموحات "أمازون"، ولاسيما سوق ألعاب الفيديو المقدرة بنحو 211 مليار دولار.
وتشارك الشركة شركات متخصصة، كما توفر اشتراكات في كثير من خدمات ألعاب الفيديو. وعام 2015 أطلقت "صنع يدوياً" (Handmade) وهو متجر افتراضي لبيع المنتجات الحرفية على أمل اختراق السوق المقدرة بـ680 مليار دولار. ومنذئذ، زاد عدد الحرفيين المشاركين 7,5 أضعاف وهم يتوزعون على 80 بلداً. وتخطط "أمازون" لاستثمار أكثر من مليار دولار في إنتاج 12 إلى 15 فيلماً سنوياً لصالات السينما.
أمازون "نهر الإيرادات"
"أمازون" شركة أميركية متعددة الجنسيات متخصصة بالتكنولوجيا تركز على التجارة الإلكترونية والحوسبة السحابية والإعلان عبر الإنترنت والبث الرقمي والذكاء الاصطناعي، وهي واحدة من الشركات الأميركية الخمس الكبرى العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات، إلى جانب "ألفابت"، الشركة الأم لـ"غوغل"، و"مايكروسوفت" و"أبل" و"ميتا"، مالكة "فايسبوك".
أسسها جيف بيزوس في مرأبه بواشنطن عام 1994 كشركة لبيع الكتب عبر الانترنت قبل أن تتوسع اهتماماتها تدريجياً وبثبات لتصبح "متجر كل شيء" على حد وصفه. وهي كسبت سمعة كشركة مزعزعة لقطاعات راسخة من خلال الابتكار التكنولوجي وإعادة استثمار الأرباح بكثافة في مشاريع رأسمالية. واختار بيزوس لها هذا الاسم لأنه يبدأ بأول أحرف الأبجدية ولأنه اسم النهر الواقع في أميركا الجنوبية، وهو واحد من أضخم الأنهار في العالم.
ساهمت الإيرادات القوية للشركة في جعل بيزوس أحد أغنى الشخصيات في العالم، بثروة تبلغ 111 مليار دولار حين كان بيزوس الرئيس التنفيذي للشركة، لم يزر الدوائر السياسية في واشنطن لأغراض ممارسة الضغط إلا قليلاً، ولم يمثل أمام الكونغرس حين رغب الأخير في التدقيق في شؤون شركته إلا حين هدده بمذكرة جلب. أما خلفه أندي جاسي، الذي تولى منصبه عام 2022 بعدما قرر بيزوس، بوصفه رئيس مجلس الإدارة التنفيذي، التفرغ للابتكار في الشركة والابتعاد عن الإدارة اليومية، فيتخذ نهجاً مختلفاً. لقد زار الكونغرس و/ أو البيت الأبيض ثلاث مرات على الأقل لتعزيز صورة شركته. بيد أن الرجل الذي التحق بالشركة عام 1997 وبنى "خدمات أمازون الشبكية"، وهي أعمالها في مجال الحوسبة السحابية، من أقرب المقربين لبيزوس، لذلك يستبعد كثر من المراقبين أن تختلف ثقافة جاسي وأساليبه عن تلك الخاصة ببيزوس.
وعلى غرار شركات التكنولوجيا العملاقة، تواجه "أمازون" متاعب قانونية ومراقبة المنظمين، من أهمها أخيراً دعوى تقدمت بها بعض من منظمات المجتمع المدني البريطاني بتهمة تفضيل منتجاتها على مواقعها الالكترونية وتطالبها بدفع غرامة تصل إلى مليار دولار. ووافقت المفوضية الأوروبية على تسوية عرضتها الشركة لتجنب دعوى احتكار بأن جعلت التزاماتها في شأن استخدام البيانات غير العلنية للبائعين في السوق ملزمة قانوناً.