في السابع من ديسمبر/كانون الاول الماضي، استضافت الرياض فعاليات الدورة الافتتاحيّة من القمّة العربية- الصينيّة لتكون أول حدث رئيسي متعدد الأطراف تضطلع به بكين في الخارج وفي منطقة الشرق الأوسط بصفتها المضيف المشارك في سياق المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وعلى خلفية جائحة كوفيد -19.
في الواقع، عُقدت اجتماعات عدة فردية بين الصين وبعض القوى الإقليمية في وقت سابق من هذا العام عندما زار وزراء خارجية إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية والكويت وعمان والبحرين إضافة إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الصين في يناير/كانون الثاني من العام الماضي بحضور ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، والشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، بمناسبة افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين 2022. وكانت تلك القمة العربية -الصينية تجمّعًا غير مسبوق سعت الأطراف المشاركة من خلاله إلى بناء أطرِ عملٍ جديدة تمثل المصالح المشتركة مع الدول العربية. وبالفعل، أشاد كبار المسؤولين من الجانبين بتلك القمة، معتبرين انها علامة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية -العربية.
ومع ذلك، لا يزال المشهد الجيوسياسي الآخذ في التشكل في الشرق الأوسط يواجه تعقيدات بشأن الدور الإقليمي للصين وتفاعلها مع الدول العربية وجامعة الدول العربية، ولا سيما في سياق التنافس على الهيمنة في هذا الإقليم. و تعمد الصين، في سياق تعزيز مصالحها من دون التطرق للمسائل الأمنية الحساسة، إلى اتباع نهج حصيف في المنطقة يركز على العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية الرئيسة. وتراعي الصين لعب دور محدود حيال التوسط في التوترات الجيوسياسية في المنطقة تجنبًا للمواجهة المباشرة مع الغرب، وملفاته الأمنية الحرجة هناك.
بناء عليه، كانت القمة المكان الأمثل للصين لتحديد مصالحها المشتركة مع الدول العربية، وتنشيط سبل التعاون بين دول الجنوب على أساس شراكة تولي إطار العمل الأمني الاقتصادي أهميةً على إطار العمل القائم على مفهوم الأمن التقليدي المتمثل في بناء التحالفات التي يمسك الغرب بزمام إدارتها.
أجندة أمنية يقودها الغرب
حدد الاطار الامني الذي يقوده الغرب في الشرق الأوسط بوضوح وعلى مدار عقود، السياسات الأمنية أحادية الجانب في المنطقة. واتخذت المقاربة الغربية لتحقيق السلام والتنمية في المنطقة شكل إقامة تحالفات والتسبب بحالات عداء على حساب سبل عيش السكان المحليين. وركّزت الهيكلية الأمنية التي صنعتها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في تلك المنطقة على تأمين المصالح الأميركية الضيقة، مثل تقييد القدرات النووية الإيرانية، والحدّ من نفوذ الصين وروسيا هناك.
نتيجة لذلك، فقد إطار عمل "النفط مقابل الأمن" معناه منذ مدّة طويلة جرّاء فشل الولايات المتحدة في الوفاء بوعودها الأمنية، مع إيلاء الأهمية الكبرى لمصالحها الخاصة على حساب شركائها النفطيين.
وستستفيد المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص من بناء واستدامة مستوىً فعال من الاستقلال في علاقاتها الخارجية داخل المنطقة ومع الصين. ونظرًا لكونها أكبر متلقٍّ للاستثمارات الصينية بين الدول العربية مع نمو استثمارات بكين كل عام، تستفيد المملكة من علاقاتها الاقتصادية مع الصين على مستوى الدولة والمجتمع، لا سيما وقد أخذت تنأى بنفسها عن إطار العمل الأمني التقليدي الذي يقوده الغرب لتتحول عنه إلى إطار يقوم على مفهوم الأمن الاقتصادي على أساس شراكة ثنائية براغماتية.
الحاجة لدور استباقيّ
على أي حال، وقبل أن يتطور مثل هذا الإطار الأمني الاقتصادي القائم على التفاهم المتبادل إلى سياسة أمنية اقتصادية، ستحتاج كل من الصين – بصفتها أكبر مستثمر هناك –والمملكة العربية السعودية – باعتبارها المتلقي الأكبر بين الدول العربية للاستثمارات الصينية – إلى الاضطلاع بأدوار قيادية بشكل استباقي في تحديد وإعادة تعريف ماهية "الأمن الاقتصادي" للدول العربية بطريقة تجعل العلاقات الاقتصادية محكومة بشكل فعال بأطر العمل متعددة الأطراف مثل "مبادرة الحزام والطريق" والقمة العربية الصينية، مع الحرص على مراعاة مخاوف الدول العربية الأخرى، واحترامها.
ومما يجب الانتباه إليه هنا هو ضرورة التفريق بين العوامل المؤدية إلى حفظ الامن الاقتصادي في المنطقة، على وجه الخصوص، مع العوامل الأخرى التي تسبب انعدام الأمن عموما. وعلى سبيل المثال، يجب على الشركات الصينية المملوكة للدولة، والتي تعمل كجهة رئيسية فاعلة في قيادة الحلول والتنمية في البلدان العربية والمنطقة الأوسع ولصالحها، أن تنوع قدراتها في إطار يتخطى حدود الاستثمار والبناء إلى آفاق الوساطة أيضًا.
وتعزيزًا لموقفها وأسلوب انخراطها في شؤون الشرق الأوسط، يجب أن تعمل الصين على تعزيز إطار الأمن الاقتصادي مع لاعبين رئيسيين مثل المملكة العربية السعودية عبر منصات متعددة الأطراف مثل القمة العربية -الصينية. ويتم ذلك بالطبع إذا ما بقيت سياسة نأي بكين بنفسها عن التوترات الجيوسياسية خيارًا قابلًا للتطبيق. وقد سبقت الإشارة إلى هيمنة الإطار الأمني التقليدي بقيادة الغرب على المنطقة لوقت طويل جدًا، ولا تفيد أجندته في المنطقة أحدًا باستثناء واشنطن. ومع الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من المنطقة، لا تبدو أي دولة مستعدة لملء الفراغ المزعوم الذي تخلّفه.