مضى عام 2022 عصيا على الاقتصاد العالمي، عانت خلاله مختلف دول العالم من مصاعب هيكلية ومن تراجع في أنشطة أساسية. كانت الحرب في أوكرانيا عنوانا رئيسا لكل تلك المصاعب، أو لمعظمها. ربما أفادت الكويت من ارتفاع أسعار النفط وتمكنت من توفير أموال كافية لمواجهة استحقاقات الإنفاق العام المتصاعدة. لكن البلاد تواجه وضعا سياسيا فريدا حيث تتزايد مطالب أعضاء مجلس الأمة الشعبوية، التي تمثلت خلال السنتين المنصرمتين في دفع أموال للعاملين في الصفوف الأمامية خلال فترة مواجهة جائحة كوفيد-19، ونعني بالصفوف الأمامية أولئك العاملين في الخدمات الصحية ورجال الأمن والخدمات الأساسية. لكن هذه الصفوف شملت أيضا أعدادا من العاملين في جهات مختلفة لا تمت بصلة إلى مكافحة وباء كورونا. قدرت المخصصات بأكثر من 600 مليون دينار (2 مليار دولار أميركي). لكن الأمور لم تتوقف عند الصفوف الأمامية، إذ طُرحت خلال عام 2022 مسألة تعويض الموظفين عن الإجازات الاعتيادية التي لم يتمتعوا بها، من دون تحديد سقف للمدة، وتم تخصيص 400 مليون دينار (1,3 مليار دولار) لهذا الأمر. الآن هناك مطالبات جديدة من أعضاء مجلس الأمة الجديد الذين تم انتخابهم في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول 2022، منها رفع الرواتب والأجور ومعاشات المتقاعدين وشراء المديونيات الاستهلاكية للمواطنين.
لا أحد يعلم متى تتوقف هذه المطالبات الشعبوية ومدى قدرة الحكومة، ممثلة في مجلس الوزراء، على التصدي لها خلال الشهور والسنوات المقبلة من دون تعطيل الحياة البرلمانية. تكمن هذه الأمور في التطور الاقتصادي والسياسات المالية للحكومات المتعاقبة في الكويت منذ بداية عصر النفط في نهاية أربعينات القرن الماضي، وتعززت بعد الصدمة النفطية الأولى في عام 1974. تغيرت الأوضاع في طبيعة الحال خلال العقود السبعة الماضية. فبعدما كان عدد السكان في عام 1957، بموجب تعداد رسمي في البلاد، في حدود 225 ألف نسمة منهم 115 ألفا من الكويتيين، ارتفع عدد السكان إلى ما يقارب 4,4 ملايين نسمة في نهاية عام 2022 منهم 1,5 مليون من الكويتيين، أي ما يمثل 34 في المئة من العدد الإجمالي للسكان (بموجب بيانات المعلومات المدنية).
ارتفعت قيمة الموازنة السنوية بمعدلات فلكية خلال الفترة منذ 2004 وحتى السنة المالية 2023/2022، وهي تبلغ الآن ما يزيد على 22 مليار دينار (72 مليار دولار)، وتصل الإيرادات من النفط إلى نسبة تقارب التسعين في المئة، حيث أن الإيرادات غير النفطية لا تزال متواضعة وتتمثل في الرسوم على الخدمات والجمارك، ولا تشمل إيرادات الصندوق السيادي، وهو الصندوق الاحتياطي للأجيال القادمة.
عملية التخصيص الأساسية لا تزال معلقة وربما مرفوضة من المجتمع السياسي الكويتي.
في عام 2010، تم إقرار القانون 37 لسنة 2010 المتعلق بتخصيص الأصول المملوكة للدولة بهدف تعزيز دور القطاع الخاص وتخفيف الأعباء عن الدولة وتحرير الأنشطة من الاحتكار الحكومي وتعزيز المنافسة والكفاءة في العمل الاقتصادي. لكن الحكومة لم تتمكن من تحرير ملكيتها في العديد من المنشآت مثل منشآت إنتاج الطاقة الكهربائية أو تقطير المياه أو الاتصالات الأرضية. وعجزت عن تخصيص ملكيتها في الخطوط الجوية الكويتية وشركة النقل العام، أو تخصيص الخدمات البريدية أو مطبعة الحكومة. ربما تمكنت من بيع مساهمات في بنوك وشركات استثمارية أو شركات صناعية تحويلية غير نفطية، لكن عملية التخصيص الأساسية لا تزال معلقة وربما مرفوضة من المجتمع السياسي. يطرح السياسيون تحفظات عن التخصيص بحجة أن القطاع الخاص قد لا يحتفظ بالعمالة الوطنية في المنشآت المعرضة للتخصيص أو قد يعدل الرواتب والأجور أو يرفع أسعار خدمات تلك المنشآت التي تحظى بالدعم الحكومي في الوقت الحاضر.
لا شك في أن عملية التخصيص تتطلب إرادة سياسية ووعيا بأهمية التحول الهيكلي وضرورة فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية ودعم إمكانات المنافسة، لذلك ظلت الكويت تعاني من عدم القدرة على الإصلاح البنيوي والإرتقاء بمستوى الخدمات.
هناك اختلالات وتشوهات في البنية الاقتصادية في الكويت، من أهمها الاعتماد الكبير على آليات وأدوات الإنفاق العام المرهون بالإيرادات النفطية. ويعتمد القطاع الخاص الذي لا يساهم بأكثر من 25 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي على التعامل مع الحكومة مثل عقود التوريد أو التعاقدات لتنفيذ الأعمال لحساب الجهات الحكومية، سواء عمليات الإنشاءات أو تقديم الخدمات. أهم من ذلك أن الحكومة وشركات القطاع العام توظف أكثر من 80 في المئة من العمالة الوطنية في حين لا يعتمد القطاع الخاص على أكثر من 20 في المئة من العمالة الوطنية حيث يعتمد على العمالة الوافدة التي تمثل ما يزيد على 80 في المئة من عمالة المنشآت والشركات المملوكة من القطاع الخاص (بيانات المعلومات المدنية). لا يزال معظم العاملين في القطاع الخاص من الوافدين من ذوي التعليم المتوسط أو دون ذلك، حيث أن العمالة الهامشية تظل طاغية في مؤسسات القطاع الخاص. أهم من ذلك أن تطور نظام التعليم في الكويت منذ أن اعتمد في عام 1936، لم يؤد إلى توفير مخرجات مهنية مناسبة حيث يعتبر التعليم المهني شبه غائب وينخرط متخرجو الثانوية العامة في الجامعات داخل الكويت أو خارجها أو في الجيش والشرطة. ولم يؤد هذا النظام التعليمي إلى تحسين المخرجات أو توفير عمالة مطلوبة في سوق العمل. كما أن العزوف عن الانخراط في مهن معينة، عزز الاعتماد المتزايد على العمالة الوافدة.
يواجه الاقتصاد الكويتي تحديات مهمة خلال السنوات المقبلة. فإذا كانت البلاد تعتمد هيكلياً على إيرادات النفط فإن اقتصاديات الطاقة تواجه تحديات البيئة وأهمية توفير طاقة نظيفة تأخذ في الاعتبار المعايير المعتمدة دوليا والتي حددت مواعيد لتطبيقها. ربما يظل النفط مصدرا مهما وأساسيا للطاقة خلال سنوات وعقود مقبلة، لكن التحولات التكنولوجية في قطاع الكهرباء وقطاع النقل، قد تدفع إلى خفض الاعتماد على النفط في وقت ليس ببعيد. تملك الكويت صندوقا سياديا بقيمة مهمة، يحوي ربما أكثر من 700 مليار دولار، ويستثمر في أدوات جيدة، لكن أداء الصندوق مرهون بأوضاع الاقتصاد العالمي وتحولاتـــــــه وتقلباتـــــــــــه. هناك تحديات ديموغرافية تتمثل في إرتفاع نسبة الشباب وصغار السن في المجتمع الكويتي حيث يدور العمــر الوسيط (Median Age)، حول 21 عاما، أي أن 50 في المئة من المواطنين هم دون هذه السن. كما أن 70 في المئة من الكويتيين من الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين. لذا فإن هناك أعباء التعليم والتوظيف خلال الأمد القصير والمتوسط، بما يزيد الأعباء على موازنة الدولة ما لم تنفذ إجراءات حاسمة للتحول نحو اقتصاد يعتمد بشكل متزايد على آليات السوق وتعزيز دور القطاع الخاص وتطوير إمكانات اقتصاد المعرفة.