مرت الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 مرور الكرام دون وقوع عنف يُذكر ودون التشكيك في شرعيتها من قبل عناصر الحزب الجمهوري الذين كانت أصواتهم قد تعالت بالتشكيك في خسارة دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020. ولكن ذلك لا يستتبع رأب صدع الانقسامات السياسية العميقة التي يعاني منها المجتمع الأميركي. بل إن الخلاف الشديد الذي ضرب الحزب الجمهوري حديثًا بشأن اختيار رئيس لمجلس النواب هو خير دليل على أن الاستقطاب يمثل قوة سياسية لا يستهان بها. فقد رفض 19 نائباً جمهورياً تأييد تولي النائب كيفن مكارثي لمنصب رئيس مجلس النواب بسبب تكهنهم بعقده اتفاقات مع الديمقراطيين بشأن موضوعات تمس الميزانية الحكومية، حيث يرفضون التوصل لأي حلول وسط مع الديمقراطيين. وقد حدا ذلك بحلفاء مكارثي إلى إطلاق مصطلح "الطالبان التسعة عشر" على جبهة الرفض تلك.
في حقيقة الأمر، لطالما احتفى فصيل من الحزب الجمهوري بحمله للواء التطرف. ففي العام 1964 أخبر المرشح الرئاسي الجمهوري باري غولدواتر الناخبين بأن "التطرف دفاعاً عن الحرية لا يُعدّ خطيئة". رفض غولدواتر التوسّع في برامج الحكومة الأميركية لتشمل تنظيم الأعمال التجارية ومساعدة الفقراء، بل ووصل به الأمر إلى رفض قوانين حماية الحقوق المدنية للأقليات. ورغم خسارته للانتخابات في العام 1964، إلّا إنه نجح في إطلاق شرارة انحراف الحزب الجمهوري صوب اليمين المتطرف. وكان من بين من ألقى خطابات التأييد لغولدواتر ممثل سينمائي تراوده طموحات سياسية يُدعى رونالد ريغان. صار ريغان رئيساً للبلاد في 1981 وردد خلال ولايته مراراً وتكراراً أن الحكومة هي أكبر مشكلة في أميركا.
ازدادت حدة خطاب الحزب الجمهوري في التسعينات عندما دأب عضو الكونغرس نيوت غينغريتش وحلفاؤه الشباب على وصم الديمقراطيين من أمثال بيل وهيلاري كلينتون بالخونة والفاسدين وأعداء أميركا. وبحسب المحلل مكاي كوبينز في مقال نُشر في صحيفة "ذي أتلانتيك" في عددها لشهر نوفمبر 2018، فقد حوّل غينغريتش وحلفاؤه المناظرات السياسية المملة في واشنطن بشأن البرامج والسياسات إلى معارك بين الخير والشر.