القاهرة:
الديمقراطيات أكثر موثوقية وسلمية وازدهارًا.
كل ديمقراطية يمكن أن يشتريها المال.
فكرتان يدور بينهما صراع منذ النصف الثاني من القرن العشرين تقريبًا، واليوم يشهد المسرح العالمي مبارزة قديمة/ جديدة حول الديمقراطية- مقارنة بأي شكل آخر للتنظيم السياسي- بمعياري: الكفاءة والجدارة. ويرى المفكر الأميركي العبقري جي برادفورد دي لونج (أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا) في كتابه عن التاريخ الاقتصادي في القرن العشرين، أن أحد أهم نقاط الاشتباك في الصراع الأميركي- السوفياتي كانت الصراع حول الطريقة التي «يجب أن تدار بها المجتمعات». وخلال دورات من التوافق والمواجهة المفتوحة- حتى تسعينيات القرن الماضي- كانت قضية الصراع بين النموذجين تتقدم أو تتأخر على قائمة أولويات القطبين بحسب درجة برغماتية ساكن البيت الأبيض في المقام الأول. واليوم أطلق الرئيس الأميركي جو بايدن جولة صراع جديدة حول القضية السجالية نفسها حتى أصبح البعض يتحدث عن «مبدأ بايدن». آن ماري سلوتر الرئيس التنفيذي لمؤسسة أميركا الجديدة، (أول سيدة تشغل منصب مديرة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية) كتبت عن مبدأ بايدن (جريدة «الشرق الأوسط»، 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، مؤكدةً أن «من الصعب تحديد المبادئ الأساسية لرؤية بايدن تجاه العالم»، وهناك فريق من المحللين والأكاديميين يرى أن رؤية بايدن تقوم على واقعية برغماتية تعني السعي وراء المصالح الأميركية و«تغيير المسار حسب الضرورة لضمان هذه المصالح». وبحسب سلوتر فإنه عند النظر إلى القيم في مجال السياسة الخارجية، يصر عدد متزايد من المراقبين على أن مبدأ بايدن الحقيقي يدور حول الحفاظ على سيادة الديمقراطية عالميًا، وأن المنافسة العالمية بين الديمقراطيات والأنظمة الأخرى يعزز بناء «تحالفات للديمقراطيات في الخارج».
مشهد افتتاحي أميركي
المشهد الأميركي في الكونغرس الأميركي عند انتخاب رئيسه أطلق نقاشًا يبعث مخاوف حقيقية على الديمقراطية الأميركية والمساومة الطويلة بين النائب كيفن مكارثي المرشح للمنصب وأقلية متشددة، وصفه تحليل في موقع «يو إس نيوز» الأميركي (6 يناير/ كانون الثاني 2023) بأنه «رمز لاتجاه حديث في السياسة الأميركية حيث قامت مجموعات صغيرة بعرقلة إرادة الشعب» أو هزيمتها، وعنوان التحليل كان كافيًا لتلخيص الأزمة: «طغيان الأقلية»!
وقضية حقوق الأقلية والأغلبية في النظم الديمقراطية تشغل النخبة السياسية الأميركية منذ عقود، وفي 20 ديسمبر (كانون الأول) 1997، كتب الكاتب الأميركي المعروف فريد زكريا عن «الاستبداد الديمقراطي»، متحدثًا عن أن النظام السياسي الغربي هو اندماج الليبرالية والدستورية، لكن «عددًا متزايدًا من البلدان يختار ديمقراطية التصويت دون ليبرالية. فمنذ ما يقرب من قرن في الغرب، كانت الديمقراطية تعني الديمقراطية الليبرالية، وتشمل: سيادة القانون، وفصل السلطات، وحماية الحريات الأساسية، وهذه الحزمة الأخيرة من الحريات، يمكن تسميتها: الليبرالية الدستورية. وتختلف تاريخيًا عن الديمقراطية. واليوم، يتفكك المساران: الديمقراطي والليبرالي، أي إن ديمقراطية التصويت تزدهر، بينما تتدهور الليبرالية الدستورية. واليوم (قرب نهاية التسعينيات) كانت 118 دولة من أصل 193 دولة ديمقراطية، تضم 54.8 في المائة من سكان العالم. ومن الحقائق المهمة لاستقامة النقاش حول الديمقراطية كسمة ثابتة للتنظيم السياسي في الغرب أنه، حتى القرن العشرين، كانت معظم بلدان أوروبا الغربية «أنظمة استبدادية ليبرالية أو- في أحسن الأحوال- شبه ديمقراطية»، وبحسب تقييم الكاتب الأميركي فريد زكريا «تعتبر دول شرق آسيا اليوم مزيجًا من الديمقراطية والليبرالية والرأسمالية والأوليغارشية والفساد، تمامًا مثل الحكومات الغربية في حوالي عام 1900». وتعني هذه الحقيقة أن رسوخ ديمقراطية الغرب ليست سوى أسطورة يجري ترويجها بتبجح!!
وقد شهد العام 2022 إحباط ألمانيا مؤامرة انقلابية، في سابقة طرحت الكثير من الأسئلة والشكوك بشأن أحد أكبر الديمقراطيات الأوروبية وأكثرها رسوخًا، وفي الوقت نفسه، وعلى مستوى التقييم النظري لما تستطيع الديمقراطية أن تنجزه وما لا تستطيع، سيخلق الوضع الاقتصادي المتردي عالميًا (الركود والديون والتضخم) مشاكل للحكومات الديمقراطية المنتخبة، كما أن التحدي الأكبر الذي يواجه المدافعين عن الديمقراطية، قد يكون شعور كثير من الناس بأن حياتهم لا معنى لها حيث تتفكك المجتمعات التقليدية، والديمقراطية- غالبًا- تكون عقلانية ومادية، وهو ما لا يفعل الكثير للتخفيف من أزمات هوية الناس.
وبينما أطلق حكم جو بايدن الرصاصة الأولى في معركة عولمة الديمقراطية بصيغتها الغربية، تزداد المؤشرات- منذ سنوات- داخل أميركا نفسها على فقدان ثقة متصاعد في هذه الكلمة السحرية: الديمقراطية!
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2016 نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تحليلًا لناثانيل بيرسلي الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد وجون كوهين كبير الباحثين في Survey Monkey (موقع متخصص في استطلاعات الرأي) حول الانتخابات الأميركية 2016، وبحسب التحليل تشهد أميركا ما هو أكبر بكثير فقدان الثقة في الديمقراطية. وأشار المقال إلى استطلاع رأى أُجري على 3229 مواطنًا أميركيًا ومن نتائجه أن 40 في المائة منهم فقدوا الثقة وأصبحوا لا يؤمنون بالديمقراطية الأميركية، بينما أكد 6 في المائة منهم أنهم فقدوا الثقة تمامًا فى النظام ككل. والعبارة الأكثر خطورة في التحيل أن «التساؤل حول الثقة الاجتماعية يتم طرحه حول العالم منذ عشرات السنوات ولكن مؤشرات الإجابة عن ذلك السؤال في الولايات المتحدة تضعها فى المرتبة الأخيرة مقارنة بديمقراطيات الدول المتقدمة الأخرى، ولكن مع الصعود المستمر للأحزاب الليبرالية فى أوروبا خلال الآونة الأخيرة يوضح أن نسبة الثقة المتدنية بالديمقراطية فى أميركا ليست إلا جزءا من اتجاه يسود العالم أجمع».
والوجه الأكثر سوداوية لمحنة الديمقراطية- التي يريد الرئيس بايدن تصديرها للعالم- ما أشارت إليه «نيويورك تايمز» الأميركية (14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022) في افتتاحيتها، حيث حذرت مما سمته: «خطر المتطرفين»، الذين يعملون في الجيش أو الشرطة أو وكالات إنفاذ القانون الأميركية، حيث ينضم هؤلاء المتطرفون إلى مجموعات يمينية بيضاء متطرفة ومسلحة. وقد نشرت مجلة «تايم» الأميركية عام 2020، أن ما لا يقل عن 25 في المائة من أعضاء الجماعات شبه العسكرية المتطرفة لديهم خلفية عسكرية، وبين أكثر من 900 شخص قبض عليهم فيما يتعلق بهجمات 6 يناير (كانون الثاني)، كان 135 من ذوي الخلفيات العسكرية أو إنفاذ القانون. وقد لخصت افتتاحية «نيويورك تايمز» الخطر الذي تنطوي عليه الظاهرة بالقول: «التسامح مع العنف تهديد مباشر للحكم الديمقراطي».
مؤشرات الديمقراطية المتراجعة
موقع «يورونيوز» الأوروبي الإخباري نشر في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) تقريرًا عنوانه: «نصف الديمقراطيات في العالم في تراجع»، والرقم مصدره المؤسسة الدولية للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (استكهولم) في تقرير سنوي بأن قضايا تتراوح بين القيود على حرية التعبير وزيادة عدم الثقة في شرعية الانتخابات تقوض المؤسسات الديمقراطية. وذكرت المؤسسة في دراستها، بالاعتماد على بيانات جُمِعت منذ عام 1975، وتبني المؤسسة مؤشرات الحالة العالمية للديمقراطية على أكثر من 100 متغير، وتقريرها يشير إلى أن ما يقرب من نصف ديمقراطيات أوروبا تعاني التآكل في السنوات الخمس الماضية، وقائمة الدول التي تشهد تراجع الديمقراطية تشمل: بولندا والمجر وأميركا!.
وفي مشهد تاريخي درامي تتراكم أدبيات- هي أقرب إلى البكائيات على الديمقراطية- في الفضاء العام الغربي، مجلة «فورين أفيرز» الأميركية ذائعة الصيت نشرت في يناير 2023 مقالًا يحذر من خطر يواجه الديمقراطية الأميركية، وإذا كانت الديمقراطية الأميركية مهددة بالاضمحلال، فكيف يمكنها حمايتها؟ واجتهد في إجابة السؤال 3 من الأكاديميين الأميركيين (إيرين باغوت كارتر، وبريت كارتر، ولاري دايموند، وثلاثتهم أساتذة وباحثون في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة ستانفورد ومعهد هوفر التابع للجامعة نفسها). ويعتقد الأكاديميون الثلاثة أن ضعف الديمقراطيات الغربية ساعد خصوم الديمقراطية على تحقيق أهدافهم، وييسر لهم «تشويه سمعة الديمقراطية كفكرة»، فإذا تسنى للديمقراطية أن تعود مرة أخرى نموذجًا قادرًا على إلهام الآخرين، فعندئذ يتوجب تقويتها في الداخل، عندها فقط قد تستطيع واشنطن أن تكسب معركة القوة الناعمة العالمية.
مؤسسات كارنيغي نشرت في 2022 دراسة عنوانها: «5 استراتيجيات لدعم الديمقراطية الأميركية»، في اعتراف بمحنتها، حيث إن «الديمقراطية الأميركية عند نقطة انعطاف خطيرة». كاتبة الدراسة: راشيل كلاينفيلد تصدم القراء بتأكيد أن «كل مقياس دولي رئيسي للديمقراطية يدل على تراجع خطير للولايات المتحدة»، ومنذ 2010، أصبحت مؤسسات متخصصة تصنف بوصفها: «ديمقراطية معيبة»، وصنفها المعهد الأوروبي الدولي للديمقراطية والانتخابات بوصفها «ديمقراطية متراجعة»، أما فريدوم هاوس فتعتبرها «أحد أسرع المسارات الانحدارية في أي بلد»، وهي تقارن بجودة الديمقراطية رومانيا وكرواتيا. وبحسب ورقة بحثية صنفت أكثر من 1000 حزب سياسي في 163 دولة حسب الآيديولوجيا والتكتيكات، فإن الحزب الجمهوري الحالي يبدو أقرب بكثير إلى الأحزاب الشعبوية. وهناك جيل جمهوري جديد «أقل التزامًا بالمؤسسات والممارسات والأعراف الديمقراطية». وبسبب حالة الاستقطاب الآيديولوجي المتصاعدة في البلاد فإن العطب أصبح في قمة الهرم السياسي وقاعدته على السواء، وبحسب دراسة كارنيغي فإن المزيد من تطرف الأجندات السياسة خلال ما يقرب من عقدين، فإن مؤيدي كل تيار يخشون الطرف الآخر بشكل مبالغ فيه، والنتيجة أن المزيد من الناخبين مستعدون لقبول أن يرتكب حزبهم عملًا مناهضًا للديمقراطية لإبقاء الخصم خارج السلطة، كما أن 28 في المائة من الديمقراطيين و39 في المائة من الجمهوريين يفضلون «فعل كل ما هو ممكن لمنع الطرف الآخر من الحكم بفعالية». وبحلول فبراير 2021، كان 72 في المائة من كل طرف يدعي أن الآخر «يمثل تهديدًا خطيرًا على أميركا وشعبها»، و85 إلى 90 في المائة من المواطنين الأميركيين سيصوتون لحزبهم حتى لو انخرط في عمل غير ديمقراطي!!
وفي خريف عام 2021، وجدت دراسة أجرتها جامعة شيكاغو أن ما يقرب من 10 في المائة من الأميركيين وافقوا على أن استخدام «القوة مبرر لإعادة [ترامب] إلى الرئاسة»، كما كشف استطلاع آخر شمل 22900 شخص أن واحدًا من كل خمسة جمهوريين يرى العنف له ما يبرره «في الوقت الحالي». والرغبة في استخدام العنف تنمو أيضًا لدى اليسار الديمقراطي، وبحسب استطلاع أجري في فبراير (شباط) 2021، فإن 11 في المائة من المستطلعين الديمقراطيين برروا اغتيال سياسيين من الحزب الآخر، وكشفت دراسة استقصائية شملت أكثر من 8000 شخص في يوليو (تموز) 2022 تصاعد نسبة من يبررون العنف السياسي.
شن الحروب باسم الديمقراطية
أحد أكبر مشكلات التوجه الأميركي (في الخطاب والممارسة) ما شنته أميركا من حروب تحت هذه اللافتة، حتى لو كانت مجرد تكأة لخدمة المصالح الأميركية. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، ندد سفيرا الصين وروسيا في واشنطن، بشدة، في مقال مشترك نادر من نوعه (نشر في موقع صحيفة «ناشيونال جورنال» الأميركية المحافظة)، بخطط الرئيس الأميركي جو بايدن عقد قمة عبر الإنترنت للدول الديمقراطية، استبعدت بكين وموسكو منها. ووصف السفيران الخطوة الأميركية بأنها «نتاج واضح لعقلية الحرب الباردة»، وأنها «ستثير مواجهة آيديولوجية وانقسامًا في العالم، لترسم خطوط انقسام جديدة». ولعل الإشارة الأكثر أهمية في المقال قول كاتبيه إن «تحقيق الديمقراطية بطرق عدة، لا يوجد نموذج مناسب لجميع البلدان»، مضيفين أنه «لا يحق لأي بلد الحكم على المشهد السياسي والمتنوع للعالم بمقياس واحد». وقد لفت السفيران إلى أن الحروب والنزاعات التي تشن باسم نشر الديمقراطية «تقوض بشدة السلم الإقليمي والدولي والأمن والاستقرار.. قصف يوغوسلافيا والتدخل العسكري في العراق وأفغانستان وليبيا والتحول الديمقراطي لم يُؤدّ إلا إلى أضرار.. وعلى الدول أن تركز على إدارة شؤونها بشكل جيد بدلًا من التعالي وانتقاد الآخرين».
وما تبناه السفيران له أصداؤه الواسعة في شمال العالم وجنوبه على السواء، وعلى سبيل المثال، كتب دان نجريا (العضو السابق في مكتب التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأميركية، وحاليًا مدير مركز الحرية والازدهار في المجلس الأطلسي، 22 يوليو 2022) في تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنترست»، مؤكدًا ضرورة أن تعيد أميركا النظر في العديد من سياساتها، و«خصوصًا تصنيف الرئيس الأميركي، جو بايدن، دول العالم إلى دول ديمقراطية وأخرى ديكتاتورية مستبدة، وقوله إن العالم يشهد صراعًا بين الديمقراطية والديكتاتورية». ويقترح إعادة النظر في ما يسمى: مبدأ بايدن الذي أطلقه الرئيس الأميركي لتعريف أزمة العالم، وهي الصراع بين الديمقراطية والديكتاتورية.
وإذا حالة أخذنا المنطقة العربية كواحد من الشواهد على قناعة من تستهدفهم السياسة الخارجية الأميركية في عهد بايدن نجد أن الطلب على الديمقراطية أقل بكثير مما يبدو في الخطاب الأميركي حول جدارتها ودرجة الثقة فيها عالميًا. وفي يوليو 2022 كشف استطلاع، أجرته شبكة الباروميتر العربي للأبحاث (في جامعة برينستون الأميركية) لصالح قناة «بي بي سي نيوز» عربي، عن أن المواطنين العرب في 9 دول عربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «فقدوا ثقتهم في تحسن أوضاعهم الاقتصادية في ظل نظام سياسي ديمقراطي». الاستطلاع الذي أجري بين أواخر عام 2021 وربيع عام 2022، يعد الأوسع نطاقًا على الإطلاق. وردًا عن سؤال حول ما إذا كان الأداء الاقتصادي تحسن في ظل نظام ديمقراطي، رد غالبية المستطلعة آراؤهم بالقول إن الديمقراطية أضعفت الاقتصاد. وجاءت النسب: 72 في المائة في العراق و70 في المائة في تونس و60 في المائة في ليبيا و55 في المائة في الأردن و52 في المائة في لبنان و50 في المائة في السودان و47 في المائة في المغرب، فيما لم يطرح هذا السؤال على المستطلعين في مصر. وفي تعليقه على نتيجة الاستطلاع قال الدكتور مايكل روبنز، مدير الشبكة: «ثمة إدراك على نحو متزايد في المنطقة بأن الديمقراطية ليست النظام الأمثل للحكم وأنها عاجزة عن إصلاح كل شيء».
إن ما يمكن إجماله في النهاية أن المشهد السياسي في بعض أكبر الديمقراطيات في العالم لا يحمل الكثير من التفاؤل بشأن مستقبل الديمقراطية كنظام للحكم، ودرجة الاستقطاب الكبيرة التي شهدتها البرازيل قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة وبعدها، يكشف عن المشكلات الكبيرة التي تواجه النظم الديمقراطية، وأحداث العنف الأخيرة التي طالت مؤسسات لها رمزيتها السيادية والدستورية تضع على الطاولة أوجه القصور الكبيرة في التجارب الديمقراطية في الشمال والجنوب على السواء. وفي الهند- على سبيل المثال- وهي من أكبر الديمقراطيات في العالم تطغى على المشهد السياسي أعراض تحول كبير نحو تغيير الطبيعة التعددية والتداولية للديمقراطية لتصبح أقرب إلى شكل من أشكال الحكم الفردي، مع تصاعد ملحوظ للاستقطاب القومي والديني. وفي قلب مشهد الجدل المحتدم حول الديمقراطية وكفاءتها وعالميتها، تأتي قضية الفساد المالي المتفشي في عدد غير قليل من الديمقراطيات وفضائح التمويل غير المشروع والرشى السياسية لأفراد ومؤسسات وجماعات ضغط لتضع علامة استفهام كبيرة في طريق مستقبل الديمقراطية.
* باحثة في العلوم السياسية- مصر.