القاهرة: «الحاجة أم الاختراع» مقولة يمكنها أن تلخص قصة نجاح 6 شباب من طلاب كلية العلوم في مصر، من تخصصات الجيولوجيا والكيمياء ابتكروا ما يمكن أن نطلق عليه «سماد المستقبل»، الذي يعتبر حلاً سحرياً في ظل أزمات الأمن الغذائي ونقص المياه والاحتباس الحراري التي أثرت على المحاصيل الزراعية في أغلب مناطق العالم.
من مدينة طنطا بدأ هؤلاء الشباب حلمهم بعدما شعروا بمعاناة القرى المحيطة بهم في محافظة الغربية، والتأثير المباشر للاحتباس الحراري على الزراعة. ونجحوا في تغيير مستقبل قرية كفر جعفر وإخراجها من المعاناة باختراع سماد يساعد صغار المزارعين الذين عانوا من آثار التغير المناخي، ومن جراء نقص كمية المياة التي تصل للأراضي، مما أدى لتدهور الأوضاع الاقتصادية لهؤلاء المزارعين وارتفاع معدلات البطالة في المحافظة. ويعاني المزارعون المصريون منذ عامين من انخفاض إنتاجية الأراضي الخاصة بزراعة قصب السكر وهو محصول استراتيجي في مصر تعتمد عليه أكثر من 20 صناعة أهمها صناعة السكر والميثان والخل والكحول والورق والخشب الحبيبي والعسل الأسود، وكانت أزمة المزارعين قد بدأت عام 2021 حينما حدث نقص في الأسمدة أدى إلى انخفاض الإنتاجية بنسبة 25 في المائة.
«المجلة» التقت نورهان أحمد وآلاء رضوان من فريقsoigel خلال تقديمهما لمشروعهما الفائز في مسابقة «تحدي الشباب» التي أطلقتها منظمة اليونيسيف والوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، ضمن احتفالية برنامج «خلق بيئة داعمة للشباب في مصر» والتي عقدت الأسبوع الماضي، للإعلان عن إطلاق شركة عالمية تحمل اسم السماد الجديد، الذي من المفترض أن يمثل نقله نوعية في مجال الزراعة.
المعاناة ولّدت إنجازاً
تقول نورهان أحمد من فريق «soigel» لـ«المجلة»: «بدأت فكرتنا عام 2021 بعد أن لاحظنا المشاكل الموجودة في المجتمع وتحديدا في قرية كفر جعفر في مركز بسيون التابعة لمحافظة الغربية، ولاحظنا التأثير المباشر لعدة مشكلات أوّلها التغيرات المناخية، حيث يتم حرق كميات كبيرة جدا من مخلفات قصب السكر، ما يؤدي لانبعاث كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، وكفاءة التربة التي تأثرت بعدم وجود مقياس دقيق لكمية السماد المناسبة للتربة، أي يمكن أن يتم وضع سماد بشكل مبالغ فيه يؤدي لتسمم التربة، والمشكلة الثالثة منع زراعة بعض المحاصيل مثل الأرز وقصب السكر، وهي من أكثر المحاصيل التي تحتاج للري بكميات وفيرة من المياه، وأكثر المحاصيل التي تدر دخلا وفيرا للمزارع وللدولة».
وتضيف آلاء رضوان من فريق شركة «Soigel»: «حاولنا استخدام مخلفات قصب السكر وإعادة تدويرها لكي نقدم منها منتجات تخدم المزارعين وأقنعنا المجتمع المحلي بذلك، إذ إن هذه الزراعة تعتبر من الزراعات المهلكة للتربة والتي تحتاج أيضا لعدد كبير من الأيدي العاملة».
وتقول: «بدأنا تصنيع المنتج في معمل بسيط وبدأنا التجربة على نطاق ضيق في أرض زراعية مملوكة لأحد زملائنا، وكانت التجربة على محصول البصل، وبالفعل حصلنا على نتائج ممتازة، إذ زاد الانتاج بنسبة 25 في المائة وبدأنا نشارك في مسابقات دولية ومحلية للتعريف بالمنتج والحصول على التمويل المالي اللازم لعملية الإنتاج».
زيادة إنتاجية المحاصيل
وتتابع: «وعندما شاركنا في تحدي الشباب حصلنا على المركز الأول على الجمهورية ثم مركز أول على العالم، والفترة المقبلة سيكون هناك دعم وتمويل مادي على أرض الواقع وسنقدم المنتج بشكل يلائم المواصفات العالمية، وستكون شركتنا الوحيدة التي تقدم هذا المنتج بسعر تنافسي أقل بكثير من أسعار الأسمدة المتاحة في الأسواق الدولية، ونحن حاليا في مرحلة الحصول على ترخيص من وزارة البيئة ووزارة الري ووزارة الزراعة».
وتلفت إلى أن المنتج العضوي المصري «زاد من إنتاجية المحاصيل بنسبة 25 في المائة كما أنه يمتص الأكسجين من الهواء ويمد النبات بما يحتاجه، ما يزيد من معدلات الإنتاج وجودته».
من جانبها، تضيف نورهان أحمد: «أما المنتج الثاني الذي قمنا بتصنيعه (الأكوا جيل) فهو منتج مستدام والأول من نوعه في مصر، وسهل الاستخدام جدا بحيث يتم نثره على التربة. يوضع مع جذور النباتات ويمد النبات بما يحتاج إليه فقط من المياه، ويمده بحوالي 200 في المائة من وزن النبات، وبذلك يوفر في المياه بشكل كبير ويعالج مسألة نقص المياه التي تصل للأراضي الزراعية وسوف نقدم منتجاً ثالثاً أيضا يتحكم في كمية السماد وبنوعيات مختلفة تناسب محاصيل متنوعة».
سباق عالمي
يأتي هذا المشروع الواعد في ظل السباق العالمي الآن في توفير السماد الذي باتت أسعاره مرتفعة للغاية ومكلفة، كذلك معالجة مشكلة نقص المياه التي تعاني منها مناطق كثيرة حول العالم، ويطمح هؤلاء الشباب في أن تساعد هذه المنتجات على استصلاح الكثير من الأراضي وزيادة مساحات الأراضي المزروعة، ما يناسب التوجهات العالمية ومبادرات المناخ. وتعتبر الميزة الأهم للسماد العضوي هي أنه يساهم في التخلص من النفايات وزيادة الدخل وتحسين التربة.
وتشير رضوان إلى أنّ «تكلفة الإنتاج كانت مليوناً وخمسين ألفا، وجاء العائد مليوناً و700 ألف، إذ إن تكلفة السماد العضوي هي 40 جنيها فقط، وسعر بيعه 120 جنيها، بينما منتج (الأكوا جيل) تكلفته 120 جنيها ويباع بمبلغ 450 جنيها». وتضيف: «كشركة نستهدف في الفترة القادمة تحقيق نجاحات كبيرة في 4 محافظات هي أسيوط وسوهاج وأسوان وقنا خلال عام 2023، وفي عام 2024 نهدف لزيادة الإنتاج بنسبة 200 في المائة».
وتوضح بحماس: «سنكون أكبر شركة في العالم تقدم منتجات عضوية من قصب السكر وبأسعار زهيدة للغاية، وفي نفس الوقت تخدم البيئة وصديقة لها وذات كفاءة عالية وتحقق التنمية المستدامة. حقيقة لم نكن لننجح دون فريق متعاون ومتكاتف وفريقنا يضم أيضا إبراهيم حمزة، وأحمد الديب، ومحمد ياسر، وأحمد عادل، ونحن جميعا من خريجي كلية العلوم وبتخصصات مختلفة، والأهم أننا مررنا بصعوبات كثيرة لكن مع الإصرار نجحنا في إطلاق هذه المنتجات قبل الانتهاء من دراستنا الجامعية».