لندن: ككل عام تدلف أفلام السنة المنصرمة إلى قلب السنة الجديدة وترتاح في ربوعها حتى نهاية موسم الجوائز الذي عادة ما يختتم مناسباته وحفلاته بإعلان جوائز الأوسكار مروراً بجوائز غولدن غلوبز ونقابة الممثلين ونقابة المنتجين والبافتا البريطانية وجمعية المخرجين الأميركية وغيرها من المناسبات السنوية التي يتابعها المهتمون، المحترفون منهم والهواة.
الحال أن كل الأفلام ذات النوعية تنتظر هذا الموسم آملة في أن يأتي ذكرها، أو ذكر من اشتغل فيها أمام الكاميرا أو خلفها، في اختيارات أعضاء كل أكاديمية أو جمعية أو مؤسسة. وتبعاً لذلك، فإن الأفلام الأكثر حضوراً في البال هي التي عادة ما تقفز إلى الواجهة قبل سواها. هذا مع العلم أن كل المؤسسات تزوّد أعضاءها بالأفلام المنتجة التي تترقب دخول المسابقات سواء تلك التي تم عرضها في مطلع السنة أو في منتصفها أو قبل نهايتها بأسابيع.
صعوبات
هذا الحال له حسنة أن المقترع يجد نفسه أمام ما يزيد على 100 فيلم مختلف على مشاهدتها فيما يشبه المهرجان الخاص به. السيئ في هذا الوضع هو أنه مهما كان إلحاح الأفلام التي سبق عرضها خلال النصف الأول من العام، فإن حضور تلك التي يتم عرضها في الربع الأخير من السنة يبقى طاغياً. خذ مثلاً الأفلام التي تسعى اليوم للفوز بجوائز السنة، تجد أنها جميعاً هبطت في التوزيع التجاري خلال الأشهر القليلة الماضية.
في الواقع الفيلم الأقدم بينها هو Top Gun: Maverick الذي تم عرضه في صيف السنة. أحدثها هو «بابلون» الذي انطلق للعروض في الأيام العشرة الأخيرة من السنة.
هل يسهل هذا عملية التوقعات التي قد يهدف المرء إلى القيام بها ربما تلبية لرغبة قرائه أو كنزعة تهدف لإرضائه هو؟
لا، على الإطلاق. فبصرف النظر عن الفيلم الذي يدخل ترشيحات الجوائز من حيث قدم تاريخه أو حداثته، إلا أنه يتحوّل إلى مجرد تكهن وارد في القائمة التي يضعها والتي لا يمكن وضعها قبل أشهر أو عدة أسابيع من الفاصل الزمني الضيق بين نهاية عام وبداية آخر.
ما يزيد من صعوبة الأشياء هو تعدد تلك المناسبات وتنوّع جهاتها ومحترفيها. هناك طوال الأشهر الثلاثة الأولى من العام ما يزيد على عشر جمعيات ونقابات توزّع جوائزها في أسابيع متقاربة كل تبعاً للاختصاص الذي تقوم به. هناك جوائز للكتاب وجوائز للمنتجين وأخرى لفناني التوليف (المونتاج) ورابعة للممثلين وخامسة للمصوّرين وصولاً إلى متخصصي تقنيات الصورة وتقنيات الصوت والموسيقى وأنواع الأفلام ما بين الروائي والتسجيلي والأنيميشن.
هذا من دون أن نحصي، ولو على سبيل المثال، الجوائز المهمّة التي توزّعها جمعيات النقاد بين النصف الثاني من ديسمبر (كانون الأول) ونهايته. في بريطانيا «حلقة نقاد لندن» ومثيلتها الأيرلندية. في فرنسا ما لا يقل عن خمس عشرة جمعية وفي باقي أوروبا ما يساوي هذا الرقم أو يزيد. أما في أميركا ففي كل مدينة كبيرة هناك جمعية نقدية تمنح جوائزها السنوية في دروب وتخصصات شتّى وكلها تحت مظلة جمعيات أميركية شاملة بمعنى أن عضويتها تتألف من رهط كبير من النقاد الأميركيين في كل أنحاء البلاد.
فئات مختلفة
جوائز غولدن غلوبز والبافتا (البريطانية) والأوسكار (عند آخر خط الجوائز) تبقى الجوائز المحورية بين كل ما سبق ذكره من مناسبات. السبب مهم: هذه الجوائز لا تعرف تخصصاً دون آخر بل تحتوي على عدد غالب من كل اختصاص سينمائي يساهم على نحو بيّن في بلورة الفيلم المعروض على الشاشة وتقديمه بالشكل المطلوب. من الكتابة وحتى التوليف مروراً بالإخراج والتمثيل والصوت والموسيقى والغناء والتصوير وما سبق ذكره أعلاه.
الأول على الخط بين الثلاثة هو «غولدن غلوبز» الذي تمنح جوائزه جمعية «هوليوود فورين برس». حفلة توزيع الجوائز للدورة الثمانين ستقع في العاشر من هذا الشهر (يناير/ كانون الثاني) وتتألف من 27 مسابقة سينمائية وتلفزيونية.
وهي كانت أطلقت في الثاني عشر من الشهر الماضي أفلامها المرشحة رسمياً والتي تتوزع على قائمتين/ مسابقتين هما «أفضل فيلم درامي» و«أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي».
في القسم الأول نجد فيلمين من الإنتاجات الكبيرة هما: Avatar: The Way of Water، وTopGun: Maverick .. الأفلام الثلاثة الأخرى هي: The Fabelmans وTar وElvis الذي لا يمكن اعتباره فيلماً صغيراً لكنه ليس من النوع الذي يستطيع تجاوز أفلام من نوع «توب غن: مافيريك» أو «بلاك بانثر» أو سواهما من الإنتاجات المكلفة.
الفئة الثانية تحتوي على خمسة أفلام مختلفة (لكنها جميعاً ليست جماهيرية بالشكل المألوف او العريض) وهي: The Banshees of Inisherin وGloss Onion: A Knives Out Myster وTriangle of Sadnes وEverything Everywhere All at Onve .
بافتا لم تعلن بعد ترشيحاتها مما يحوّلنا سريعاً إلى الأفلام الأكثر احتمالاً لدخول سباق الأوسكار.
القائمة هنا تتألف من سبعة أفلام وردت في ترشيحات الغولدن غلوبز. الثلاثة الغائبة هي «بابلون» و«مثلث الحزن» و«غلاس أونيون: لغز سكاكين مسلولة». هذا لا يعني أنه عندما تطلق أكاديمية العلوم والفنون السينمائية المانحة لجوائز الأوسكار قائمتها الرسمية سوف لن نجد فيلم «بابلون» من بين المذكورة (أو الفيلمين الآخرين كذلك).
الأفلام الثلاثة البديلة التي تدور الاحتمالات حولها كما يدور النحل حول الزهور هي «بلاك بانثر»، و«أكاندا للأبد» (Black Panther: Wakanda Forever) وAll Quiet on the Western Front وWomen Talking .
احتمالات وصول هذا الفيلم الأخير ليست قوية وإن فعل فلأنه الفيلم الوحيد بين كل ما تم ذكره من إخراج امرأة. كذلك يلاحظ أن «بلاك بانثر-2»، و«أڤاتار-2»، و«توب غن-2» هي ثلاثة أعمال ذات تكاليف إنتاجية كبيرة وإيراد فوق خط الجودة (خصوصاً بالنسبة لفيلم جيمس كاميرون «أڤاتار-2» الذي تجاوز المليار دولار إثر نهاية الأسبوع الثالث من عروضه.
هذه الأفلام الثلاثة هي الوحيدة بين العشرة الأكثر احتمالاً لدخول سباق الأوسكار كأفضل فيلم التي تم بناؤها بنظام المسلسلات. باقي الأفلام هي أعمال لن يكون لها أجزاء لاحقة بما فيه فيلم ستيفن سبيلبرغ «فابلمنز» وفيلم مارتن ماكدونا «جنيات إنيشيرين» وفيلم دان كوان «كل شيء كل مكان في وقت واحد».
مخرجون متنافسون
بينما سيبلغ عدد الأفلام التي سيتم ترشيحها عشرة (أحياناً ما يتوقف الرقم عند 9 أفلام فقط) فإن عدد المخرجين الذين سيتنافسون على الغولدن غلوبز والأوسكار لا يزيد على خمسة.
الأقرب إلى التوقعات دخول جيمس كاميرون العرين بفيلم «أڤاتار-2» ودان كوان عن «كل شيء...» ومارتن مكدونا عن «جنيات إنيشيرين» وباز لورمن عن «ألڤيس» وستيفن سبيلبرغ عن «فابلمانز». هؤلاء واردون في لائحة غولدن غلوبز الرسمية والمرجح أن تتكون ترشيحات الأوسكار منهم كذلك. لكن البعض في هوليوود يتوقع دخول تود فيلد على الخط بفيلمه Tar وجوزيف كوزينسكي عبر «توب غن: ماڤيريك».
على مقربة يقف بعض المخرجين المرموقين بانتظار تحقيق فعل الانتقال إلى صف الاحتمالات المؤكدة، من بين هؤلاء دارن أرونوفسكي (عن «الحوت») وكينيث براناه («موت على النيل») وديفيد أو راسل (عن «أمستردام») وسام مندس عن «إمبراطورية الضوء» وجيمس غراي (زمن القيامة).
ثم بينما يأتي «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» ضمن احتمالات ترشيحات الأوسكار لأفضل فيلم، نجد جوائز غولدن غلوبز ضمّته إلى فئة «أفضل فيلم أجنبي» وهذا هو الأنسب. هذا لجانب «كلوز» وهو إنتاج بلجيكي- فرنسي و«قرار بالمغادرة» (كوريا الجنوبية)، و«RRR» (الهند).
قائمة الأوسكار المتوقعة في هذا المجال ليست مختلفة كثيراً: «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» موجود ايضاً في هذه القائمة، كذلك «قرار بالمغادرة» و«كلوز». الفيلمان الأكثر طرحاً إلى الآن هما «هولي سبايدر» لعلي عباسي (الدنمارك) و«سانت أومير» لأليس ديوب فرنسا.
رجالي- نسائي
الاختيارات الأصعب أمام أعضاء الأكاديمية هي دوماً في نطاق التمثيل الرجالي والنسائي. خمسة في قائمة أفضل ممثل أول وخمسة في قائمة أفضل ممثلة أولى ثم خمسة ذكور في قائمة أفضل تمثيل رجالي مساند وخمسة أنثوية في قائمة أفضل تمثيل نسائي مساند.
وبين الرجال الذي نتوقع دخولهم صرح المنافسة رسمياً، هناك ثلاثة من شبه المؤكد دخولها ترشيحات الأوسكار الرسمية وهؤلاء هم أوستن بتلر عن دوره في «ألفيس» وكولني فارل عن دوره في «جنيات إنيرشيرين»، وبرندون فرايزر عن أدائه في «الحوت».
خلف هؤلاء يقف توم هانكس عن «رجل اسمه أوتو» وتوم كروز عن «توب غن: مافيريك» وهيو جاكمن («الابن») ثم جيريمي بوب «تفتيش». وبوب هو الأفرو- أميركي الوحيد بين كل هؤلاء. كذلك يخلو الأمر من آسيويين أو لاتينيين.
لا ننسى أن قائمة المخرجين خلت من الأسماء النسائية، فهل سنسمع مزامير الاحتجاج على هذين الوضعين؟
في الجهة النسائية لأفضل ممثلة في دور أول هناك عشرة أسماء تتنافس فيما بينها على ملء الخانات الخمس:
آنا دي أرماس عن «بلوند»، وهو فيلم جيد لم يرد ذكره في التوقعات. وإيما تومسون عن «حظ سعيد لك»، ليو غراندي، وڤيولا ديڤيز عن «الملك الأنثى»، وأوليڤيا كولمن عن «إمبراطورية الضوء» وجنيفر لورنس عن «Causewway».
الخمسة الآخرون هم أكثر حضوراً حتى الآن في هذا المضمار:
ميشيل يوه عن «كل شيء كل مكان في وقت واحد» وكايت بلانشت عن «تار» وميشيل وليامز عن «فابلمانز» ودانيال دَدوايلر عن Till ثم مارغوت روبي عن «بابلون».
النتيجة هي أن العام المنصرم شهد- رغم أزماته وتحوّلاته- بعد أفضل النتائج الفنية على كل صعيد بالمقارنة مع السنوات الخمس الأخيرة وهذا ما يزيد الأمر إثارة وصعوبة.