متكي: يقول أشياء تفعل إيران عكسها

متكي: يقول أشياء تفعل إيران عكسها

[escenic_image id="5512354"]

في الأسبوع الماضي، استمعت في البحرين إلى كلمة شائقة جدًا، ولكنها شائقة لأسباب خاطئة. بدأت الكلمة بالتأكيد على أهمية "تكوين حكومة ديمقراطية ومستقلة في العراق، ودعم التنوع السياسي هناك". واسترسلت الكلمة عن أهمية مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة. ثم دعا المتحدث "إلى دعم الاستقلال والتنمية والأمن في اليمن"، وكذلك "وجوب اتحاد المجتمع الدولي بشأن هذه المبادئ". وحذرت الكلمة، فيما يتعلق بالوضع في شمال غرب اليمن، من أن "هذه الصراعات لن تكون في مصلحة اليمن بشكل خاص"، ولا في مصلحة منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. ثم استطردت الكلمة عن لبنان قائلة "تمهد مشاركة جميع الفئات السياسية الطريق هناك أمام التضامن الوطني، ونحن نقوم بدور رائد في هذا الصدد". وركزت الملاحظات الختامية للكلمة على سلبيات إضعاف معاهدة حظر الانتشار النووي، والحاجة إلى تعزيز الأمن والاستقرار، وعلى محورية العلاقة بين التنمية الاقتصادية والأمن.

ولأول وهلة، بدا الخطاب عميق الفكر. إلا أن معرفتك بمصدره تغير تصورك تمامًا. في الواقع، لم يتلفظ بهذه الكلمات ذات النوايا الحسنة والمذكور أعلاه الأمين العام للأمم المتحدة، ولكنها صدرت من وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي. ويبدو أن الذين استطاعوا فهمها هم جمهور واسع النطاق من السياسيين والدبلوماسيين والقادة العسكريين، والصحفيين، من جميع أنحاء الشرق الأوسط على اتساعه، والولايات المتحدة ، وأوروبا. وبالرغم من أن الكلمة كانت فريدة نظرًا للمجموعة الواسعة من القضايا التي غطتها، فإن تصريحات متكي لا تقدم أي جديد، ولكنها تتسق مع سلوك ونوعية الخطاب اللذين اعتمدتهما الحكومة الإيرانية منذ أغسطس آب 2005، عندما تم انتخاب أحمدي نجاد لأول مرة.

وعند استعراض معظم القضايا التي تناولها متكي، وتحليل سياسة إيران تجاه كل واحدة منها في الآونة الأخيرة، يكاد يبدو أن وزير الخارجية الإيراني يعني النقيض تمامًا لكل ما قاله. ولنبحث ذلك معًا. في العراق، تبذل إيران كل ما في وسعها لإنشاء حكومة موالية لإيران في بغداد. وتضمنت هذه الجهود دعم الجماعات المسلحة التي صعبت كثيرًا من الجهد المبذول لتحقيق الاستقرار في العراق. ومثلًا بالنسبة لحديث متقي عن حقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان، عندما نلقى نظرة على القمع والعنف وفصول التعذيب التي أعقبت الانتخابات المزورة في إيران، فذلك أبلغ من أي حديث. وكيف يمكن لإيران الادعاء بدعم حكومة عبد اللـه صالح واستقرار اليمن، بينما هي تساند بوضوح تمرد الحوثيين، على الأقل فكريًا أو لوجيستيًا، كما تؤكد الحكومة اليمنية.

وحين يؤكد أن إيران لعبت دورًا رائدًا في تشجيع مشاركة جميع الفئات السياسية والتضامن الوطني في لبنان، فهذا أمر أقرب للمزاح عندما نتذكر أن إيران هي الأب الروحي لحزب الله. وأخيرًا، كيف يمكن للمرء تعزيز الاستقرار والأمن عندما تحدت إيران جميع القواعد الدولية بمواصلة برنامج للطاقة النووية يشكك الجميع في نواياه الحقيقية بشكل كبير.

وعندما ننظر إلى الطموحات النووية لإيران بشكل خاص، فإن هذا النوع من الدبلوماسية - إذا كانت تستحق هذا الاسم - يصبح سببًا للقلق الشديد، ففي السياسة الدولية، لا يوجد مجال للسذاجة ويخفي معظم السياسيين، إن لم يكن جميعهم، الحقائق، ويتم دفعهم إلى تصوير الواقع بشكل مختلف، أي بالطريقة التي يريدون أن يراهم بها الآخرون. إلا أن الغياب التام لاهتمام أحمدي نجاد ومتكي ومسئولين إيرانيين آخرين بإظهار التوافق بين الكلمات والأفعال يكشف، في حد ذاته، عن شعور النظام الإيراني الحالي بأنه فوق المساءلة. وفي حين تعد القوة المسلحة ،التي هي أداة للضغط على الحكومة الإيرانية، لتتنازل عن برنامجها النووي هي الأسوأ بين كل الخيارات، كانت الدبلوماسية والحوار محاولات غير مجدية حتى يومنا هذا. ولذا يصبح فرض مزيد من العقوبات في هذه الحالة الخاصة جدًا، مع إبقاء خيار الحوار مفتوحًا دائمًا، هو الطريق الصحيح لاتباعه. وتظهر العقوبات التصميم، ولكن ليس بشكل عدواني صريح.

مضى حتى الآن أكثر من أربع سنوات منذ حاولت الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية التقارب مع الحكومة الإيرانية الحالية من أجل التفاوض بشأن الملف النووي. ولم يعد مقبولًا التبرير، أو التذرع بأن المشكلة كانت تتمثل في إدارة بوش. فمع وجود إدارة أمريكية جديدة مستعدة لإجراء محادثات، ليس هناك أي تقدم. ويسير المخطط الإيراني على ما يرام لكسب الوقت حتى تحقق ايران بالفعل سعيها إلي القدرة على امتلاك أسلحة نووية. لقد ذكرني ازدراء وغطرسة متكي، والطريقة التي قال بها وزير الخارجية الإيراني للحاضرين: إن إيران هي القوة الإقليمية الأكثر مسالمة، ذكرني ذلك ببعض ما قاله أحدهم: إن الدبلوماسي "هو الشخص الذي يقول لك اذهب إلى الجحيم بطريقة تتطلع بها فعلًا إلى هذه الرحلة".

font change