ديمقراطية الشرق الأوسط: الترويج للديمقراطية ليس طريقًا يسير في اتجاه واحد مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي موجز السياسة مارينا أوتاواي نوفمبر/ تشرين ثان 2009


ديمقراطية الشرق الأوسط: الترويج للديمقراطية ليس طريقًا يسير في اتجاه واحد
مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي
موجز السياسة
مارينا أوتاواي
نوفمبر/ تشرين ثان 2009

[escenic_image id="5512353"]

من بين النتائج القليلة التي لها دلالة إحصائية في العلوم السياسية؛ مسألة التأكيد على أن الدول الديمقراطية أكثر سلامًا واستقرارًا من الدول غير الديمقراطية. وفي حين أن هناك تحفظات على نظرية السلام الديمقراطي، فإن هذا المبدأ الأساسي مقبول بشكل كبير في أوساط الأكاديميين والمستشارين الذين يشكلون جدول أعمال السياسة الخارجية للدول الغربية، ولا سيما في الولايات المتحدة. ومؤسسة كارنيجي للسلام الدولي تعكس هذه الفكرة من خلال تقييم فاعلية التدابير التي وضعتها الولايات المتحدة محل التنفيذ من أجل نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط.

مارينا أوتاواي؛ مؤلفة "الديمقراطية في الشرق الأوسط: الترويج للديمقراطية ليس طريقًا يسير في اتجاه واحد" تبدأ بفرضية أن إدارة أوباما تتعرض لضغوط كبيرة لإحياء جهود الديمقراطية في الشرق الأوسط. إلا أنها تلاحظ، وهي مُحقة في ذلك، أن أحوال الديمقراطية قد ساءت في الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية. "فزخم الإصلاح السياسي توقف في معظم أنحاء المنطقة. وأحزاب المعارضة في أدنى مستوياتها، والحكومات أكثر سيطرة من أي وقت مضى. وفي حين انتشرت صور جديدة من الحراك السياسي على نطاق واسع مثل الاحتجاجات العمالية وزيادة حجم المدونات التي تنتقد الحكومة وانتشار أحزاب المعارضة، إلا أن كل هذا لم تثبت فاعليته بعد كوسيلة من وسائل التأثير على القادة من أجل تغيير السياسات التي وضعت منذ أمد بعيد.

ولكن أوتاواي لاحظت بذكاء أن عدم الترويج للديمقراطية لم يكن ناتجًا عن خطأ أو فشل دول الشرق الأوسط وحدها، بل جاء أيضا نتيجة فشل المجتمع الدولي في التعامل مع من اعتبرهم مرشحين أقل مقبولية وتأييدًا. فبدلًا من محاولة المجتمع الدولي دمج الشخصيات السياسية التي يزعم أنها تمثل خطورة في النظام الديمقراطي، تعامل بشكل سيئ مع الكثيرين منهم مما أدى إلى  دفعهم بعيدًا عن السياسة الديمقراطية.

في هذا الصدد، ترى أوتاواي أن الولايات المتحدة، بما في ذلك إدارة أوباما، تفتقد إلى أي جهود جادة لتشجيع الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط.

 وباستخلاص الدروس من التاريخ، يوضح تقرير كارنيجي أنه كي يقتنع المحاورون المعارضون بأن مبادئ الديمقراطية هي أساس حكوماتهم، يتعين على الولايات المتحدة أن تكون على استعداد لمناقشة المبادئ العامة التي تدعم سياساتها المتعلقة بالشرق الأوسط.

وعلاوة على ذلك، فإن من بين الانتقادات التي يسوقها التقرير؛ أنه بعد مرور عام على تولي أوباما الإدارة الأمريكية، فإنه لم يتحدث عن السياسة في الشرق الأوسط إلا للضرورة: طموحات إيران النووية والحرب في أفغانستان والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولذا فإن محدودية اهتمام الولايات المتحدة بتحقيق النمو الديمقراطي ينبغي إعادة تقييمه. ومع ذلك، فإن التقرير يؤكد أن الظروف السياسية في منطقة الشرق الأوسط لا تتماشى مع المصالح الأمريكية، وهذا من شأنه إعادة توجيه نهج الإدارة الأمريكية في التعامل مع أنظمة الحكم في المنطقة.

إذن ما هي بالضبط الطريقة التي يتعين على الولايات المتحدة الالتزام بها في علاقتها مع الشرق الأوسط؟ من النادر في مجال السياسة التوصل إلي إجابات دقيقة، وهذا التقييم ليس استثناءً. وبدلًا من شرح ما ينبغي على إدارة أوباما القيام به، شدد التقرير على ما ينبغي ألَّا تفعله إدارة أوباما، وذلك بتجنب نهج إدارة بوش لبناء الديمقراطية، ليس فقط لأن طريقة بوش كانت غير فاعلة، بل لأكثر من ذلك وهو أن الوضع الحالي يختلف اختلافًا جذريًّا عمَّا كانت عليه الحال في أوائل عام 2000.

وبعد إعطاء تقييم متعمق لمختلف القوى المؤثرة على المسرح السياسي، والتي تحدد مستوى الديمقراطية في الشرق الأوسط، ينتقل التقرير لشرح القضايا التي ينبغي على إدارة أوباما أن تركز عليها. ولا شك أن اتباع منهج موضوعي به الكثير من المزايا، لاسيما أنه يأخذ في الاعتبار خصوصيات المنطقة التي قد تؤثر على الحكم. إلا أن هناك جانب خللٍ ينبغي التعامل معه.

فالعلاقة التاريخية بين الغرب والشرق الأوسط تنطوي على عنصر مؤسف يتمثل في هدف تحقيق التحضر في الشرق الأوسط، مما أمد  القوى الغربية  بذريعة أو حجة للوجود في المنطقة. وعلى الرغم من أن هذا الهدف يرتبط أصلًا بتكتيك ديني، فإنه تطور شيئًا فشيئًا ليأخذ غطاءً سياسيًا؛ وهو نشر الديمقراطية. وبينما لا تهدف التقارير التي تقدمها مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إلَّا أن تقييمها لمساعي الولايات المتحدة من أجل نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط يطرح تساؤلًا عما إذا كان من حق الولايات المتحدة وحدها أن تقرر أن نشر الديمقراطية في المنطقة بمثابة مسئولية كبيرة ضمن أجندة سياستها الخارجية.

وجانب مثير من هذا التقرير يكمن في ما لم يذكره. فهل مبادئ الديمقراطية  في الشرق الأوسط كانت ستصبح أفضل حالًا، لو لم  تتدخل الولايات المتحدة كما كانت عليه الحال في الماضي؟ ألم تُحدث الجهود الماضية التي بذلتها إدارة بوش على وجه الخصوص ردة فعل قوية مما أدى إلى  تعويق نشر الديمقراطية في المنطقة؟

ويتضمن التقرير الحل الذي في حالة تنفيذه بشكل جيد، يمكن أن يصبح للولايات المتحدة تأثير مهم وإيجابي على الاستقرار في المنطقة من خلال ترويج الديمقراطية. وعلاوة على ذلك، فإن التقرير يقدم أدلة مقنعة على أن تعزيز الديمقراطية وزيادة الاستقرار - بالرغم من أن ذلك لا يُشترط أن يكون على طريقة الولايات المتحدة - سيكون مفيدًا إن لم يكن ملزمًا للمنطقة. "ليس غياب الديمقراطية وإهمال حقوق الإنسان هما السبب وحدهما في مثالب الأنظمة العربية، بالرغم من أنهما أمران جد خطيرين. إنما السبب الأبرز هو العجز الواضح الذي تعانيه العديد من الحكومات في الاستجابة للأزمات التي تلوح في الأفق. وفي أكثر الحالات تطرفًا، خصوصًا في اليمن، فإن الإصلاح السياسي ربما يكون شرطًا للبقاء والاستمرارية".

فهْم مؤسسة كارنيجي لوضع الديمقراطية في الشرق الأوسط يجعل من هذا التقرير الأفضل من خلال ما يعطيه من توصيات لإدارة اوباما. فإضافة إلى إدراك التقرير أن الأدوات السابقة للإصلاح السياسي لم تعد مجدية، فإن اعترافه بأن الجهود المبذولة في مجال تعزيز الإصلاح لا تزال ضرورية، تجعله يستنتج أنه ليست هناك طريقة واضحة أمام الولايات المتحدة كي تتبعها في تعاملها مع قضية الديمقراطية في الشرق الأوسط. ومن جهة أخرى فإن الأمر الواضح هو الضرورة التي تمثلها الديمقراطية للمنطقة، وقدرة الولايات المتحدة على تزويد شعوب المنطقة بالحوافز المناسبة لتعزيز الديمقراطية.

font change