لندن: حسب كتاب غينس فإن أغاثا كريستي باعت من الكتب 4 مليارات نسخة وأعلى رواية مبيعاً كانت «ثم لم يعد هناك أحد» التي بيع منها 100 ملايين نسخة. ونتحدث هنا عن روايات تمت ترجمتها إلى 100 لغة (حسب غينيس أيضاً).
على الشاشتين الصغيرة والكبيرة تم اقتباس رواياتها 175 مرّة من بينها 66 فيلماً سينمائياً آخرها، «موت على النيل» الذي عُرض في مطلع هذه السنة.
هذا العدد سيرتفع إلى 183 عملاً في غضون العامين المقبلين لأن هوليوود لديها النية لإنتاج سبعة أفلام جديدة معلن عنها أقربها إليها «ملاحقة في فنيسيا» المأخوذ عن روايتها المعروفة بعنوان «هالووين بارتي».
كنيث براناف الذي حقق «موت على النيل» وقبله «جريمة في أكسبرس الشرق» سيخرج هذا الفيلم لاعباً، للمرّة الثالثة، دور التحري هركول بوارو الباحث بين شخصيات الفيلم عن القاتل الذي هو واحد من المدعوّين لحفلة تقام في المدينة الإيطالية.
من بين الأفلام اللاحقة «شاهد للادعاء» الذي سيقوم بن أفلك بإخراجه وأداء الدور الأول فيه.
نسيج مثير
مع هذا العدد من الاقتباسات: «ونحن لم نذكر ما ينتظره مشاهدو التلفزيون من أعمال أخرى في مراحل مختلفة من الإنتاج». يصبح لزاما البحث عن سر هذا الهوى الذي يربط بين السينما وبين روايات كريستي تحديداً. نعم هناك رواة حكايات بوليسية آخرون (إدغار ألان بو، رايموند تشاندلر، روس ماكدونالد ونايو مارش وإد مكبين وجون د. ماكدونالد إليري كوين وعشرات من كتاب الرواية البوليسية المشهورين إلا أن رواياتها لا بد أنها حملت ما هو مختلف ومتميّز عن الأعمال الروائية الأخرى. حملت ما يمكن اعتباره أسلوباً منفرداً في النظر إلى الجريمة والقائم بها أو القائمين بها، كونها عادة ما ختمت أعمالها بالكشف عن متورطين مختلفين مرتبطين بالجريمة التي وقعت؟
وكما هو معروف، فإن الروايات، على اختلافاتها، يصنعها كتّاب بعضهم يتحوّل إلى أيقونات والبعض الآخر يُضيف أرقاماً لما سبقه. تلك المتحوّلة إلى أيقونات خالدة (مثل أعمال وليام شكسبير أو ليو تولستوي أو غي دو موباسان) تتميّز تلقائياً بضروبها من أساليب الكتابة ورسم الأجواء وتقديم الشخصيات المكثّفة.
روايات أغاثا كريستي انتمت إلى هذا المنوال من الأعمال ربما بمقادير مختلفة لكنها ثابتة. كتبت في نحو 55 سنة 72 رواية (منها 6 روايات عاطفية فقط) و15 مجموعة قصصية قصيرة.
بعض الكتّاب يضيع وسط مثل هذه الأرقام. النشاط يرتفع والوحي يهبط. لكن كريستي لم تجد نفسها محصورة في هذا النطاق. أعمالها البوليسية بالتأكيد تتحدث عن الجريمة ومرتكبيها لكنها توفر نسيجاً مثيراً للاهتمام، أدبياً، للشخصيات التي تكتب عنها. والحديث هنا ليس عن شخصيتيها الرئيسيّتين مس ماربل (المرأة الفضولية غير المتزوّجة التي تحب كشف الأسرار) وهركيل بوارو (التحري البلجيكي الذي لا يؤمن بظواهر الأشياء) بل حتى تلك المنتشرة حول ماربل أو بوارو.
ما هو مؤكد أن قرّاء الكاتبة وجدوا في بطليها تلك الشخصيات المثيرة بصرف النظر عن لياقة كل منهما البدنية. مس ماربل في الواقع امرأة تجاوزت منتصف العمر قدّمتها كريستي في 22 قصة قصيرة و12 رواية. هركيل بوارو، هو التحري الخاص أصلع الرأس الذي يميل إلى البدانة شكلاً والتباهي علماً، ظهر في 33 رواية و50 قصة قصيرة.
كلاهما مختلف عن الأبطال الآخرين أو معظمهم على أي حال. لا مس ماربل امرأة مشهودة بجمالها وفطنتها ولا هركول بوارو يُجيد فنون القتال اليدوية ويتمتع بالوسامة التي تجذب إليه النساء. ما يتمتعان به هو الذكاء، والذكاء في هذه الحالة نابع من مخيلة الكاتبة ومن دونه لا يمكن ابتكار ذكاء منفصل. هي من تبنى الغموض وهي من توجه بطليها ثم هي من تطرح الأسئلة الصعبة وتحيك النهايات المناسبة.
على النيل
«ثم لم يعد هناك أحد» (المنشورة أول مرّة سنة 1939) كانت أصعب روايات الكاتبة تأليفاً حسبما صرّحت به. وهي تحوّلت إلى السينما عدّة مرات أولاها سنة 1945 على يدي الفرنسي رينيه كلير، ثم- وبعد 20 سنة، أقدم الأميركي جورج بولوك على تحويلها إلى فيلم بعنوان «عشرة هنود صغار». وفي سنة 1974 قام البريطاني بيتر كولنسون بتحقيق الرواية فيلماً جديداً من بطولة ريتشارد أتنبورغ، هربرت لوم، أدولفو شيلي، أورسن وَلز، ستيفن أودران وإلكي سومر.
والسينما الهندية وقعت في غرام هذه الرواية فأطلقتها (من العام 1965 حتى 2015) في ستة أفلام.
إنها حكاية حول مدعوّين تم جمع شملهم فوق جزيرة صغيرة ذات يوم عاصف. كلهم استلموا دعوات للحضور لم يتخلّفوا عنها لكن الداعي غائب. يجد هؤلاء أنفسهم مجبرين على الالتزام بالقصر الذي جاءوا إليه قبل أن تبدأ سلسلة من أعمال القتل تشمل كلا منهم لسبب مختلف. صاحب القصر خطط ومارس عمليتي القضاء والعقاب طالما أن العدالة مرّت بجانب هؤلاء ولم تطلهم.
التوليفة التي حواها فيلم رنيه كلير والتي تكررت في فيلم بيتر كولينسون مثيرة للاهتمام كونها تقوم على غموض لا متناه: كلما مات أحد الضيوف مقتولاً سقط تمثال لزنجي صغير من بين عشرة تماثيل… هذا حتى لم يبق أي من التماثيل وأي من المدعوّين.
هذه التوليفة تلتقي ورغبة الكاتبة في العديد مما كتبته توزيع الجريمة على أكبر عدد ممكن من الحاضرين. ربما، كما يقول بوارو في «جريمة على النيل»، هناك فاعل واحد لكن القتلة كثيرون.
فيلم «جريمة على النيل» كما أخرجه جون غيلرمن سنة 1978 هو أفضل ما تم اقتباسه من هذه الرواية. وضع السيناريو أنطوني شافر وقام بالتصوير جاك كارديف (لاحقاً مخرجاً مشهوداً) وقاد البطولة بيتر يوستينوف في دور هركيل بوارو (أداء محكم) مع بيتي ديفيز، ميا فارو، أوليفيا هوسي، جين بيركن، جورج كيندي، ديفيد نيفن، ماجي سميث ومتهمين آخرين.
النيل يعني مصر والفيلم تم تصويره هناك (بالنسبة للمشاهد الخارجية) ويستينوف تحدّث لهذا الناقد عن بعض مراحل ذلك التصوير وأوضح كيف أن الدور منحه القدرة على تقديم شخصية تحرٍ هو في الوقت ذاته شخص مثقف ومتهكم وصارم.
تم إنجاز «جريمة على النيل» بعد أربع سنوات من قيام سيدني لومِت بتحقيق نسخته من «جريمة أورينت إكسبرس». هنا ألبرت فيناي هو من يلعب دور التحري بوارو وحوله مجموعة تضم جاكولين بيسيت وشون كونيري والسير جون غيلغد من بريطانيا ومارتن بالسام وانغريد برغمن ولورين باكول وأنطوني بركنز من أميركا وجان- بيير كاسل من فرنسا.
هنا تقع جريمة الرواية/ الفيلم في قطار مقابل وقوعها فوق يخت كبير في «جريمة على النيل» ومثله أيضاً يحتوي الفيلم على توزيع دائرة الاتهام لتشمل شخصيات عديدة ولو أن من قام بارتكاب الجريمة عملياً هو شخص واحد.
عشرة أفلام إغاثية لا غنى عنها
1939: Then There Were None ★★★★
أخرجه الفرنسي رنيه كلير بالإنكليزية وقام ببطولته باري فيتزغرالد، وولتر هيوستون، ليتحدث عن دعوة لزيارة قصر فوق جزيرة معزولة عن العالم. صاحب القصر/ الدعوة يتبنّى قتل المدعوّين العشرة على التوالي انتقاماً.
1957: Witness for the Prosectuion ★★★
تتوالى المفاجآت في رواية كريستي هذه كما في هذا الفيلم الذي أخرجه الأميركي بيلي وايلدر من بطولة تايرون باور وتشارلز لوتون مع مارلين ديتريتش. باور متهم بجريمة قتل زوجته ليرثها.
1965: Ten Little Indians ★★
نسخة أخرى من الرواية التي حققها رنيه كلير هذه المرّة أميركية مع هيو أوبرايان وفابيان وليوغن ومن إخراج جورج بولوك. المدعوون العشرة يتناقصون وفي كل مرّة هناك تمثال لزنجي يختفي مقابل كل جريمة قتل.
1974: Murder on the Orient Express ★★★
هذا الفيلم هو النسخة التي قام سيدني لومِت بتحقيقها وأسند فيها دور التحري بوارو إلى البريطاني ألبرت فيني. إلى اليوم فيني أفضل من مثل هذه الشخصية. معه من الممثلين لورن باكول وإنغريد برغمان وشون كونيري.
1978: Death on the Nile ★★★
بعد أربع سنوات، ونسبة لنجاح فيلم لومِت، تم تحقيق هذا الفيلم الآخر عن رواية كريستي «موت على النيل». بيتر أستينوف لعب البطولة أمام ميا فارون وجين بركن. أخرجه جون غيلرمن.
1980: The Mirror Crack''d ★★★
البريطاني غاي هاملتون خرج من عباءة أفلام جيمس بوند ليحقق هذا الفيلم حول مس ماربل (أنجيلا لانسبوري) تحقق في جريمة قتل ذهبت ضحيتها امرأة عادية بينما كانت ممثلة مشهورة هي المقصودة.
1982: Evil Under the Sun ★★★★
غاي هاملتون أتبع فيلمه السابق بفيلم آخر من بطولة بيتر أستينوف في شخصية هركول بوارو مع جيمس ماسن وماغي سميث. الحبكة هنا تدور حول بوارو يحقق في جريمة قتل لكن كل المشتبه بهم لديهم برهان على أنه ليس القاتل.
1988: Appointment with Death ★★★
بيتر أستينوف لعب دور بوارو مرّة أخرى في هذا الفيلم الذي تقع أحداثه عن أطراف البحر الميّت في الأردن. مايكل وينر هو المخرج مستنداً لقصّة جيدة بتنفيذ معتدل الحسنات.
2017: Murder on the Orient Express ★★
نسخة كنيث براناف من الرواية التي وضعتها أغاثا كريستي سنة 1934. بوارو (براناف بدوره) يحقق جريمة وقعت في القطار ومن بين المشتبه بهم جوني دَب وجوني دنش ومروان كنزاري.
2022: Death on the Nile ★★★
ثاني أفلام براناف المقتبسة عن روايات كريستي. المركب العائم فوق بحر النيل فيه عدد من علية القوم وآخرين من الحاشية والعاديين. أحدهم (أو أكثر) مسؤول عن جريمة قتل وعلى بوارو الكشف عن هويته.