بيروت: في الأيام الأخيرة من ولايته الدستورية ، وبعد أن أوحى للجميع أنه عراب اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، شكل الرئيس ميشال عون لجنة برئاسة نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب، لإنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، لكنه اصطدم بعقبات كثيرة أولها رفض الجانب السوري استقبال الوفد اللبناني.
خطوة عون الاستعراضية التي تفرد باتخاذها كانت موضع استياء داخلي من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، إذ أكدت مصادر ميقاتي أن عون خالف الدستور عندما قام بتشكيل الوفد الذي هو من مهمات مجلس الوزراء، متسائلة: «هل يعقل أن يشكل وفد رسمي برئاسة نائب؟ وهل نحن في نظام رئاسي؟ وهل لا يزال عون في زمن ما قبل الطائف؟».
ميقاتي تجنب التعليق لعدم الدخول في أزمة مع عون خلال آخر أيام عهده، لأنه كان يتوقع أن تنتهي مهمة الوفد اللبناني قبل أن تبدأ، وإن عادت وحصلت الزيارة فيمكن أن تكون يتيمة ولن تصل إلى أية نتيجة. لأن التكليف لمتابعة ملف ترسيم الحدود البحرية مع سوريا ليس هو الأول، ففي أبريل (نيسان) 2021 اضطر رئيس الجمهورية بعد مطالبات عدد من القوى المناهضة للنظام السوري إلى تكليف وفد عسكري لمتابعة الملف، وذلك بعد إعلان وزارة النفط السورية في مارس (آذار) 2021 توقيع اتفاق مع شركة كابيتال الروسية للتنقيب عن النفط مقابل ساحل طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية السورية- اللبنانية بمساحة 2250 كيلومتراً مربعاً، وقد فوجئ لبنان بأن الإحداثيات المتعلقة بحدود البلوك الملزم والمنصوص عنها في العقد، تتداخل مع البلوكين (1) و(2) من الجانب اللبناني بما يقارب 750 كيلومتراً مربعاً داخل الحدود البحرية اللبنانية، إضافة إلى قضم الجانب السوري مساحة 150 كيلومتراً مربعاً في المنطقة المحاذية للبلوكات، ليصبح مجموع المنطقة المتنازع عليها مع سوريا 900 كيلومتر مربع. ويرى مراقبون أن مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا تحمل أبعادا تاريخية ودبلوماسية وسياسية واقتصادية، وتعود إلى ما قبل عهد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي في البلدين اللذين تربطهما علاقة حافلة بالتعقيد والصراع، حتى إن البعض يتهم النظام السوري بالتعاطي مع لبنان كمقاطعة تابعة له.
بينما يجد آخرون أن أولوية سوريا قبل البت بأي ملف حساس كترسيم الحدود تكمن في دفع بيروت إلى تصحيح علاقاتها مع دمشق، وتجاوز حقبة المقاطعة وما يعدّه النظام السوري خضوع لبنان للضغوط الغربية.
ورغم رحيل ميشال عون عن قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته من دون أي نتيجة لهذا الملف، إلا أنّ فريقه السياسي مصرّ على الانفتاح على النظام السوري لعل وعسى تتغير الأوضاع بالنسبة للانتخابات الرئاسية، لذلك لم تستغرب الأوساط السياسية دعوة نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب إلى التواصل مع دمشق من أجل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا، ومن دون أن نُدخل الخلافات السياسية الإقليمية في هذا الملف، وأنه على لبنان أن يتواصل مع الدولة السورية علناً وأن نرسم الحدود البحرية علناً وعلى أي حكومة قادمة أن تقوم بهذه المهمة متجاهلاً رفض النظام السوري استقبالَ الوفد اللبناني الذي كان شكّله الرئيس السابق ميشال عون للبحث في ملف ترسيم الحدود البحرية، كما أن بوصعب تجاهل أيضاً أن النظام السوري يعاني اليوم من العزلة العالمية الدولية، وهو مُقاطَع من الدول العربية، حيث فقدت سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية، ومن المجتمع الدولي الأوروبي والأميركي ومن أكبر العواصم وأهمّها في العالم.
وانطلاقا من هذه العوامل تسأل الأوساط السياسية: هل الإصرار على تواصل لبنان مع النظام السوري وعلى التعاون معه مفيد لبيروت اليوم؟ وهل من الجيد أيضا أن تتم مطالبة إلى الحكومة التي ستتشكل أي الحكومة التي ستبصر النور بعد إتمام الانتخابات الرئاسية التي من غير المعروف متى ستتم، أن تذهب نحو التواصل المباشر والصريح مع هذا النظام الجواب سلبي طبعا، اللهم إلا إذا كان هذا التواصل سيشمل أيضا ضبط الحدود البرية وتحديد هوية مزارع شبعا وإقفالَ الحدودَ الشرقية التي يتدفق منها السلاح والنفط والمقاتلون من وإلى دويلة حزب الله والتي منها أيضا يتم تسريب الأدوية والدولارات والبضائع المدعومة من جيوب اللبنانيين إلى سوريا.
الموقف السوري غير مفاجئ
كيف قرأت القيادات السياسية دعوة أبو صعب؟
«المجلة» طرحت هذا السؤال على عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب مروان حمادة الذي اعتبر أن «الموقف السوري لا يختلف في موضوع الترسيم أوالترسيمات سواء كانت بحرية أم برية وفي أي من الأوضاع والاحتمالات، فكما واجهنا التعنت في موضوع الترسيم البري بشكل مستمر ورافض قطعاً ليس فقط بالنسبة لمزارع شبعا ولكن حتى لأبسط الترسيمات المسجلة والدائمة بين لبنان وسوريا منذ عامي 1919 و1920 كذلك الأمر تخطى المعقول في موضوع الترسيم البحري، ففي الوقت الذي كان لبنان ينكب على تحديد بلوكاته ويتفاوض من جهة مع قبرص، ومن جهة أخرى عبر الولايات المتحدة مع إسرائيل، رأينا النظام السوري تخطى كل شيء ورسم البلوكات العائدة له في المنطقة الاقتصادية الخالصة كما يراها هو، وعقد اتفاق مع شركة روسية للتنقيب في المياه في عمق كبير في المنطفة اللبنانية، ولم نجد جواباً على هذا العمل من أقرب المقربين منه. لذلك يأتي نداء الزميل إلياس بوصعب ليلحق بكل االنداءات التي عشناها وأنا عشتها شخصياً، إن كان بالنسبة للمساجين والمخطوفين والقابعين في السجون السورية، إلى كل نقطة مياه في شمال لبنان والتصرف مع الحدود لمنع التهريب، ورفض أن يعطي لبنان أي ورقة في موضوع مزارع شبعا لكي يتذرع بها لبنان لصالحنا وصالح سوريا لدى الأمم المتحدة».
وتابع: «هذا الكلام كلام سياسي ليس له مردود أولاً لأن المكلف شخص ليس لديه مسؤولية في لبنان لأنه نائب رئيس مجلس النواب، ولا يمكن بحكم أنه لعب دوراً معيناً لا نعرف حجمه كبيراً أو صغيراً في مفاوضات الترسيم البحري مع إسرائيل، أن يعتبر نفسه أنه مخول ليفاوض على ترسيم المياه اللبنانية وثانياً أن يتجاوز السلطة الإجرائية والتشريعية والجيش والمراسيم اللبنانية السابقة لكي يحسن أوضاعه أو أوضاع شخص آخر لدى النظام السوري».
وأكّد حمادة أنّ «هذا التصرف فيه تخطٍ مثلما فيه اعتداء سوري على مياه وحدود لبنان المرسمة أصلاً منذ اتفاقيات باريس وفرساي، وفيه تخطٍ أيضاً للسلطة اللبنانية من قبل الزميل إلياس بوصعب هو نائب مثل بقية النواب وليس عمله أن يبادر للتفاوض ولا حتى عندما حاول الرئيس السابق ميشال عون تكليفه مع مجموعة للتوجه إلى سوريا للتفاوض، وجاء الجواب الصاعق والرفض غير اللائق للمبادرة اللبنانية من قبل النظام السوري، لذلك أعود وأقول لا يوجد هناك أي نية أو استعداد سوري للتعاطي مع لبنان إيجابياً في موضوع المياه أو الأراضي وهذا الأمر ليس بجديد وقد عانينا منه عندما كانت العلاقات طبيعية ومميزة وعندما كانت العلاقات متوترة».
ولدى سؤاله: هل يحق لرئيس الجمهورية أن يتصرف وكأنه في نظام رئاسي، أي أن يشكل لجنة ويتخطى دور مجلس الوزراء؟ يقول: «الأمر انتهى قبل أن يرحل عن قصر بعبدا بالجواب السوري والصفعة التي وجهها النظام السوري، هم فتشوا عنها أو استدرجوها في وقت لا يحق لهم أن يتصرفوا على هذا النحو، نعم رئيس الجمهورية دستورياً يفاوض، لكنه يفاوض انطلاقاً من مسلمات لبنانية الحدود إن كانت برية أم بحرية، حدود رسمت بعد التقسيمات التي حصلت بعد اتفاقيات سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى».
وعن سؤال: إلى أين نحن ذاهبون وما هو الحل؟ قال: «علينا أن ننتظر إلى أن يظهر الحل الذي يأتي برئيس جمهورية جديد عنده جرعة سيادية أكثر من ميشال عون وجرعة إصلاح أكثر من الرئيس نجيب ميقاتي إذ إنه لا الأول سيادي بامتياز، ولا الثاني إصلاحي بامتياز، وأكبر دليل على ذلك في المناقشات التي جرت في مجلس النواب لم نأخذ منه لا حق ولا باطل حول أمور جوهرية مثل الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي، فما هي نسبة توزيع الخسائر، وما هي نجاعة الكابيتال كنترول والسرية المصرفية بعد كل التعديلات وهي لا تزال قائمة؟ وما هي القيمة إذا كان الوضع في المطار والحدود البرية فلتان أي كنترول هذا الأمر معدوم، لا توجد مراقبة للسلاح والصواريخ والكبتاغون وهذا الأمر غير منطقي ولا يجوز أن يستمر لبنان الذي بات شبه دولة، إذا أردنا أن نقارن لبنان بالأرجنتين أو اليونان وغيرهما من الدول الذي شهدت أزمات شبيهة إلا أنّ حدودهم لم تكن مشرعة والمافيات تسيطرعليها، وهناك جيش غير الجيش الشرعي هذه الأمور غير معقولة وغير منطقية».
علامات استفهام حول التوقيت والتبرير!
من ناحيته، اعتبر عضو كتلة نواب الجمهورية القوية الدكتور غسان حاصباني، اعتبر في حديثه لـ«المجلة» أن التوقيت مستغرب وكذلك التبرير، وقال: «هناك في لبنان من يحاول دائما ابتكار الأسباب لفتح أبواب للتعامل مع النظام السوري. كما أن هناك من يحاول دائما ابتكار أدوار ليلعبها باسم الدولة اللبنانية من خارج الصلاحية المنوطة به».
وتابع: «عامل العجلة كان للحاق بالموضوع قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية لأنه هو المخول دستوريا بتوقيع المعاهدات الدولية. أما السبب الآخر بحسب تصاريح نائب رئيس مجلس النواب فهو أن ترسيم الحدود الشمالية كان ينتظر ترسيم الحدود الجنوبية كي لا يضطر لبنان إلى استخدام المقاربة عينها، التي كان من الممكن استخدامها في الحدود الشمالية، موحياً بأنّ المفاوض كان على استعداد للتنازل بشكل أكبر في المفاوضات مع الدولة السورية. هذا يمكن تفسيره بأنه مسايرة لمؤيدي النظام السوري تكفيرا عن ذنوب التفاوض على الحدود الجنوبية مع إسرائيل عبر الوسيط الأميركي».
وأشار إلى أنّه في الظروف الحالية «لا يبدو أن هناك استعدادا من الجهة السورية لفتح هذا الملف كما حصل في الجنوب، عندما أصبح الكيان الإسرائيلي جاهزا للاستخراج، ففرض الاتفاق في مدة قياسية».
وعما إذا كانت هذه الخطوة قد تعرض لبنان إلى عقوبات، أكد حاصباني أن «لبنان لن يتعرض لعقوبات، من الدول العربية ولا الولايات المتحدة لأنهم مستمرون من دون توقف عن دعم الشعب اللبناني والمؤسسات، لكن ما يحدث هو عزل السلطة التي لا تبسط سيادة الدولة على كافة أراضيها وهي ليست قادرة على اتخاذ قراراتها بمعزل عن التأثير المباشر من حزب الله الذي يتخذ موقعا عدائيا لهذه الدول، انطلاقا من الأراضي اللبنانية».
أما بالنسبة لقدرة الحكومة على توقيع أي اتفاق أو معاهدة دولية من دون رئيس للجمهورية وحكومة كاملة الصلاحيات. فقال إنّ الفراغ في السلطة الإجرائية سيهدد الاتفاقات الدولية حتى الجدبة منها، مثل صندوق النقد.