جدل في مصر بعد إعطاء نقابة الموسيقيين الشرعية لمطربي المهرجانات

نقيب الموسيقيين مصطفى كامل

جدل في مصر بعد إعطاء نقابة الموسيقيين الشرعية لمطربي المهرجانات

القاهرة: أثار  قرار مصطفى كامل، نقيب الموسيقيين الجديد في مصر، بالسماح لمطربي المهرجانات بالغناء خلال الفترة المقبلة تحت شعبة الأداء الصوتي، ردود فعل كثيرة انقسمت بين الرفض والترحيب.  
«المجلة» رصدت آراء مختلفة حول القرار، وأهميته على مستوى تنظيم العمل الفني في مصر.


النقيب الجديد يناقض نفسه
تقول دكتورة منال عفيفي، الأستاذة في كلية التربية الموسيقية في جامعة حلوان: «عندما أصدر الفنان هاني شاكر النقيب الأسبق لنقابة المهن الموسيقية قراراً بمنع مطربي المهرجانات من الغناء، كان هذا القرار صائباً إلى حد بعيد، لأننا نعلم جيداً أن انتشار موجة أغاني المهرجانات في السنوات الأخيرة، كانت من أهم أسباب تدهور حال فن الغناء في مصر، هذا بالرغم من وجود الكثير من المواهب الطربية المصرية الرائعة، والتي لم تنل أية شهرة بسبب سيطرة أغاني المهرجانات على الساحة الفنية الغنائية».
وتتابع: «بعد تولي الأستاذ مصطفى كامل منصب نقيب الموسيقيين أصدر بعض التصريحات التي كان منها أنه سيلغي أغاني المهرجانات، وأنه لن يسمح بانتشارها من جديد، ولكننا فوجئنا بقرارات أخرى تناقض هذه التصريحات تماماً، وهو أنه ألغى كلمة المهرجانات وحولها إلى «الأداء الصوتي»، كما منح تصريحا بالغناء لبعض مطربي المهرجانات الذين كانوا ممنوعين من الغناء في عهد الفنان هاني شاكر وعلى رأسهم حمو بيكا».
وترى دكتورة منال أن «هذه النوعية من الأعمال الهابطة كانت وما زالت تؤثر في ملايين الشباب والأطفال، والسماح لهم بالغناء مرة أخرى من النقيب مصطفى كامل هو أننا سنظل نعاني من حالة الهبوط والتدني في الذوق العام الذي أصاب شريحة كبيرة من المجتمع المصري، بسبب سطوة هذه الموجة الرديئة على الساحة الغنائية من قبل بعض الأشخاص الذين لا يمتلكون أدنى موهبة في الغناء ولا حتى في الأداء الصوتي، وبالطبع  هذا القرار أحزننا كثيرا كموسيقيين وكنا نتمنى من النقيب الجديد ومجلس إدارة نقابة الموسيقيين أن يتمهلوا قليلا ويدرسوا عواقب هذا القرار قبل اتخاذه».

النقيب السابق هاني شاكر

قرار غير صائب
بدوره يرى المؤرخ الموسيقي عادل كامل أن قرار عودة أغاني المهرجانات تحت اسم أغاني الأداء الصوتي، ومنح تصريح الغناء لبعض مطربي المهرجانات، هو قرار غير صائب لأن هناك ثلاث نقاط يجب  التركيز عليها عند منح تصريح الغناء من النقابة لأي مطرب أو مؤدٍ بشكل عام، وهي أن يجتاز هذا المطرب أولاً اختبارات الغناء من اللجنة المشكلة من كبار الموسيقيين في النقابة، وأن يكون هناك بعض الشروط والضوابط الأخرى التي يجب أن تنطبق على هذا المطرب. وأنا أعلم جيدا أن المدعو «حمو بيكا» لم ينجح في اختبارات الغناء ورسب أكثر من مرة أمام لجنة الموسيقيين بالنقابة في عهد النقيب الفنان هاني شاكر.
ويتابع قائلاً: «النقطة الثانية هي أننا يجب أن نحارب أغاني المهرجانات التي جذبت الشباب بإيقاعاتها السريعة الراقصة، بوجود خط غنائي آخر جديد موازٍ لها، وذلك عن طريق إعادة الأغاني الناجحة القديمة القصيرة بتوزيع جديد راقص يحمل طابع البهجة، أو بتلحين بعض الأعمال الجديدة بكلمات راقية بعيدة عن الإسفاف وبألحان بسيطة مبهجة حتى تجذب الجيل الجديد لها وتشجعه على الاستماع إليها».
ويكمل قائلاً: «النقطة الثالثة هي أنه يجب على المواقع الإخبارية عدم تسليط الضوء على الأصوات السيئة من مطربي المهرجانات وغيرهم من الأصوات الرديئة، والابتعاد عن التركيز عليهم وعلى أخبارهم في الفضائيات لأنها تساعدهم على الانتشار أكثر، ومن المفترض أن تقدم هذه المواقع الإعلامية الكبيرة يد العون للأصوات الطربية الشابة الجديدة وتساعدهم على الوصول لأكبر فئة من المستمعين، وعدم الالتفات لزيادة نسبة المشاهدات وزيادة عدد المتابعين التي دائما ما يبحث عنها القائمون على هذه المواقع الإخبارية الكبيرة ومقدمو البرامج الفنية في الفضائيات».

لا لتصاريح الثلاثة أشهر
الناقد الفني محمد شوقي يقول: «لدينا ثروة قومية من المطريين سواء كانوا كبار السن أو صغار السن أو حتى الأصوات الواعدة التي لم تُكتشف بعد، وقد رأينا الكثير من المواهب في برامج المواهب المتعددة كبرنامج «الدوم» مثلاً كانت هناك أصوات عظيمة وجميلة، وأتمنى من نقابة الموسيقيين ودار الأوبرا ووزارة الثقافة إقامة حفلات ومهرجانات نعيد بها الأغاني الجميلة بأصوات جديدة وتوزيع جديد».
وناشد شوقي الفنان مصطفى كامل بإقامة هذه الحفلات لأنّ «العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة.. وهذا ما فعله الملحن العظيم الشيخ أبو العلا محمد عندما اكتشف السيدة أم كلثوم وأتى بها من المنصورة للقاهرة، حيث كان السائد آنذاك أغانٍ خليعة لا تشبه مصر، فعندما أحضرها وحفظها قصائد وتواشيح وأعقد الأغاني لم تعجب الجمهور في بدايتها واستغربها، لكن سرعان ما أصبحت أهم صوت في مصر والوطن العربي، وخلال عامين كانت اسطواناتها هي الأكثر مبيعاً في تاريخ الاسطوانات منذ نشأتها، إذ إن أغنية (إن كنت أسامح وانسى الأسية) التي كانت من كلمات أحمد رامي  وألحان محمد القصبجي بيعت منها أكثر من نصف مليون اسطوانة مما أدى إلى زوال الأغاني الخليعة بوجودها، وبعدها عبد الوهاب، وليلى مراد، وشادية، وعبد الحليم، وفريد الأطرش، وكثير من المبدعين، فعلينا أن ننمي ذوق المستمعين والمشاهدين بتقديم فن محترم لأن الفن المحترم يطرد الفن الرديء».
وعن قرارات النقيب الجديدة يقول: «أراها صائبة وجيدة، إذ إنني لا أرى المنع مناسباً حالياً لأنه من المستحيل المنع في ظل التكنولوجيا التي وصلنا إليها، فماعلينا سوى الارتقاء بالذوق العام وأتمنى أن يكون هذا هدف النقيب والنقابة الأساسي».

إفساد الذوق العام
ويرى الناقد أحمد البشري أنّ قرار النقيب هو تصريح بالإفساد وليس تصريحاً بالغناء لمدة 3 شهور، ويقول: «هو تصريح بإفساد الذوق العام والهبوط ليس بالغناء فقط وإنما بسلوكيات وأخلاقيات المجتمع وثقافته وقيمه ومبادئه التي ساهمت في تدميرها هذه النوعية من الأغاني، بما تقدمه من إسفاف وابتذال، فلا كلمات تحمل رسالة أو إرشاد وتوجيه ولا ألحان ولا أداء، فتعكس انهيار فن الأغنية فى مصر الذي كانت المهرجانات أحد أسبابه الرئيسية، كما تعكس تواضع المستوى الفني والفكري  لمقدميها الذين لا يمكن بأي حال من الأحوال إطلاق لفظ مغنين أو فنانين عليهم، فهم ليسوا أكثر من مدعين موهومين يجدون من يصدقهم ويدعمهم ويشجعهم، وما  تطرحه أغانيهم من سلوكيات متدنية وثقافات دخيلة وألفاظ بذيئة، تسربت عبر تلك الأغاني إلى أرقى الطبقات بعد أن أصبحت هذه النوعية موضة على سبيل السخرية والتندر، لذا يجب منع تلك النوعية نهائياً، وكفانا ما سببته لنا من إزعاج وانتشار للسوقية قولاً وفعلاً».

قطع الأرزاق.. حرام
وعلى الجانب الآخر يقول الملحن الموسيقي عصام كاريكا إنه «قرار جميل من النقيب مصطفى كامل وأنا أؤيده جداً، لأني لا أحب قطع الأرزاق، لأن هذا حرام».
ويشير كاريكا إلى أن النقيب وضع شروطا للقبول يجب أن ينفذها مطربو المهرجانات، وإلا على النقيب أن ينفذ هو ما أقسم عليه ليحافظ على الفن المصري. ويتابع: «يجب على جميع الأغاني أن تدخل المصنفات، وأيضاً على جميع المؤدين أن يدخلوا لجنة، والأصلح والجيد منهم يبقى والرديء ينكفئ».
الفنان حجازي متقال يؤيّد قرارات النقيب الجديدة التي تتعلق بمطربي المهرجانات، ويقول: «أنا معه لأنها تصب في الصالح العام، وأنا مع أن يعمل هؤلاء الشباب وأن يجتهدوا لكن بالكلمة الحلوة، فأنا ضد الكلمة المسيئة والألفاظ الخارجة، هذا ما فعله النقيب مصطفى كامل، لذا أتمنى منهم الالتزام بهذه القرارات الجيدة وبالتوفيق للجميع باذن الله».
أيضاً المطرب الشعبي نادر أبو الليف يقول: «أنا مع قرارات مصطفى كامل لأنهم يعملون في كل الحالات، فلماذا لا تستفيد منهم النقابة، وتزيد دخلها».
ويرى أبو الليف أنّ دخل النقابة سيزيد من جميع النواحي، من الحفلات ومن تصريح النقابة كل ثلاثة شهور، ورأى أن هؤلاء باتوا محسوبين على الساحة الفنية وأنه من الذكاء بمكان أن تستفيد منهم النقابة.

مطربو المهرجانات

الالتزام بالقواعد.. ضروري
وتؤكد المغنية آية عبد الله أنها مع قرارات النقيب مصطفى كامل. وتقول: «ليس لدي أي مشكلة في أن يحصل مطربو المهرجانات على تصاريح، لأن النقيب صرح للصحافة أثناء الاجتماع الذي عقده أنه يوجد هناك قواعد معينة يجب الالتزام بها، وأهمها أنه ألغى كلمة مهرجان وأبدلها بكلمة أغنية، وأنه لن يوجد بعد ذلك  ألفاظ خارجة وهذا أمر مهم حتى يكبر أولادنا على فن جميل راقٍ، فأنا مع هذا القرار جداً وهو قرار سليم مائة في المائة لأن الفن عنوان مصر، وهو من خلال هذه القرارات ارتقى بفن مصر وبمطربي المهرجانات على حد سواء».
أما العازف الموسيقي صلاح السويسي، فيرى أنّ «قرارات نقيب الموسيقيين يجب أن تُحترم طبعاً لأن هذه القرارت لم تأتِ من فراغ، بل جاءت بعد اجتماع النقيب بأعضاء مجلس الإدارة ونقيب الممثلين الأستاذ أشرف ذكي، وتناقش في هذا الموضوع واتخذ هذه القرارات، ثم نظم مؤتمراً أعلن فيه عن كل ما يخص المهرجانات، وقال لا يوجد شيء اسمه مطرب مهرجانات.. وتصاريح ثلاثة أشهر تضع الفنانين أمام حقيقة أن من يتجاوز حده لا يتم تجديد تصريحه، فضلاً عن أن النقابة تستفيد ماديا من تجديد التصاريح».

font change