أمريكا تدرك أن كسر قوة طالبان ضرورة للتفاوض معها

أمريكا تدرك أن كسر قوة طالبان ضرورة للتفاوض معها

[escenic_image id="5511133"]

ردود الفعل والقضايا التي أثيرت ، داخل الولايات المتحدة وخارجها، فيما يتعلق بقرار أوباما بإرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان كشفت مدى تعقيد عملية التقييم التي تواجهها الإدارة الأمريكية. فهناك العديد من المتغيرات التي لعبت دورًا في عملية صنع القرار، فأولا وقبل كل شيء تأتي  القضايا المالية حيث  تعتبر هذه الحرب مكلفة جدًا، بالإضافة إلى أنه من غير المعروف ما إذا كان أعضاء حلف الناتو سيسهمون بمزيد من القوات أم لا. و أيضًا هناك اعتبارات كثيرة لابد من تقييمها، مثل مدى تحقق احتمالات أن يكون لحكومة كرزاي وجه جديد بالفعل، وهل من الممكن أن تصبح باكستان أكثر جدية في القيام بدورها من أي وقت مضى. بين كل هذه المتغيرات ، ثمة قضية محورية أخرى تتمثل في التعامل الدبلوماسي مع حركة طالبان. فاحتمال إقامة علاقات دبلوماسية مع طالبان هو المحور الأساسي للنقاش داخل الولايات المتحدة حول أفغانستان. والسؤال الرئيسي هو: هل يمكن تحقيق ذلك وكيف يمكن تحقيقه؟

الزيادة في عدد القوات المرسلة إلى أفغانستان ليس اعترافًا من إدارة أوباما بأنه لا ينبغي أن تكون هناك مفاوضات مع طالبان. بيد أن ذلك بمثابة اعتراف ضمني من الرئيس الأمريكي أوباما بأنه  في سبيل إجراء محادثات مع طالبان، فإنه يجب كسرهم أولا، أو على الأقل تقويض نشاطهم. في الواقع ، وكما أكد الملا عمر مرارًا وتكرارًا، فإن طالبان لن تتفاوض أبدًا. وعلى الأقل هم لن يفعلوا ذلك إذا ظلوا يشعرون بقدرتهم على الفوز. وبالتالي، هناك حاجة إلى ممارسة ضغط حقيقي على حركة طالبان وجعلها تعاني من عدة نكسات إستراتيجية حتى تفكر في إمكانية الجلوس على طاولة المفاوضات.          

وأثار الموعد النهائي الذي حدده أوباما "2011" العديد من التساؤلات، حيث يرى منتقدوه أن ذلك من شأنه أن يشجع طالبان ويقنعهم بعدم التفاوض ويحفزهم على الصبرعلى اعتبار أن الولايات المتحدة سترحل قريبًا.  ولكن هذه الانتقادات ليست في محلها. فالموعد  النهائي يرسل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لن تبقى في أفغانستان إلى الأبد في الظروف الحالية باعتبارها القوة العسكرية والأمنية التي تحارب طالبان. فالجيش الأفغاني والقوات الأمنية الأفغانية يتم تدريبهم من قبل الولايات المتحدة ودول حلف الناتو من أجل تولي هذه المهام تدريجيًا، والموعد النهائي يشير إلى أن هذا الانتقال التدريجي للمهام لا يمكن أن يستغرق عشر سنوات. كما أن الموعد النهائي يرسل تحذيرًا صريحًا جدًا للحكومة الأفغانية ويفرض ضغوطًا على كرزاي، الذي حاول بعد الانتخابات المزورة ، إقناع الأفغان والعالم بأن الأمور ستكون مختلفة من الآن فصاعدًا، خاصة فيما يتعلق بمستويات الفساد ومحاسبة المسئولين عنه. وسرعان ما أصبح واضحًا بعد إعلان أوباما أن الموعد النهائي كان رمزيًا فقط. وإذا كان هناك أدنى شك في أن هذا الموعد بمثابة تحرك سياسي وليس إستراتيجية عسكرية محددة، فإن التصريحات التي صدرت عن جيتس وكلينتون بعد إعلان أوباما بددت هذه الشكوك تمامًا.

ففي برنامج " واجه الأمة" بقناة سي بي اس، أوضح كل من وزير الخارجية ووزير الدفاع الأمريكيين أن "2011" هو الموعد المحدد لبدء نقل المسئوليات إلى الأفغان. وهذا مرهون بالظروف على أرض الواقع في ذلك الوقت، فقرار البدء في إعادة القوات إلى وطنها (الولايات المتحدة) من عدمه يعتمد في نهاية المطاف على تقييم القادة العسكريين الأمريكيين في الميدان. وأضاف جيتس أن 2011 هو موعد مؤقت "لتغيير طبيعة العلاقة" مع القوات الأفغانية، ولكنه أوضح أيضًا أن الولايات المتحدة "لن تتخلى عن أفغانستان، كما فعلت في عام 1989"، فور انسحاب السوفيت.

وهكذا، ستبلغ قوات التحالف في أفغانستان  أكثر من 140 ألف جندي بعد إرسال  التعزيزات الأمريكية التي تبلغ 30 ألف جندي بالإضافة إلى  تعزيزات قوات حلف الناتو التي تبلغ 5 آلاف جندي. بالإضافة إلى ذلك ، هناك ما يقرب من 95 ألف جندي من قوات الجيش الأفغاني، و عدد مساوٍ من أفراد الشرطة الأفغانية، وهناك خطط لزيادة كل من الجيش الأفغاني وقوات الشرطة. هذه الأرقام ، على الأقل وفقًا لحسابات القادة في الميدان، ينبغي أن تكون كافية لإحداث  تغيير حاسم في مسار الحرب. وعلاوة على ذلك ، يتم إعداد إستراتيجية مماثلة لإستراتيجية أمريكا في العراق وفقًا لظروف أفغانستان بناءً على ما ورد بدليل بيترايوس لمقاومة التمرد. وهو يهدف إلى وضع الجماعات المسلحة المدربة بواسطة حلف الناتو تحت إشراف الحكومة. فهدفهم الرئيسي سيكون متمثلًا في حماية مجتمعاتهم من حركة طالبان.

بالطبع هزيمة حركة طالبان بشكل نهائي أمر غير واقعي. فمن الصعب على دولة مثل أفغانستان أن تحقق مثل هذا الإنجاز. وبالرغم من أن هناك اختلافًا بين حركة طالبان الأفغانية والباكستانية، لا سيما عند النظر إلى القيادة والأهداف، فإنه في ظل هذه الظروف سيكون ذلك الاختلاف غير مفيد. فحركة طالبان الأفغانية يمكنها الانتقال بسهولة إلى باكستان عن طريق الحدود الفاصلة بين البلدين والتي يسهل اختراقها.  وحقيقة أن الملا عمر يعمل من كويتا في باكستان توضح ذلك. وكل هذا يبرر الحاجة إلى التفاوض. فهذا العدد من القوات، بالإضافة إلى تعزيز جودة وموثوقية الشرطة الأفغانية والجيش، يجب أن تكون كافية للضغط على حركة طالبان وإقناعها بأنه ليس لديها خيار آخر سوى الجلوس على طاولة المفاوضات.

font change