طهران: لقد فقدت أجهزة الشرطة لنظام الجمهورية الإسلامية شرعيتها لدى غالبية الشعب الإيراني وتحولت إلى أداة للقمع. وفيما تعم الاحتجاجات كافة مناطق البلاد تفتقر السلطة الحاكمة إلى برنامج أو أسلوب في التعامل مع المحتجين، وتحاول جاهدة بكافة وسائلها قمع الاحتجاجات.
هذا ويلزم التيار الإصلاحي بغالبية أطيافه الصمت حول نهج السلطات العنيف في قتل المحتجين والتنكيل بهم.
وقد تزايدت وتيرة انتشار الدعوات للتجمعات والمظاهرات خلال الأسبوع الماضي، حيث تحولت 34 مدينة على غرار طهران وكرج وفولاد شهر في محافظة أصفهان ورشت في محافظة كيلان ومدينة فسا في محافظة فارس ومدينة أصفهان وتبريز في محافظة أذربيجان الشرقية ومهاباد في محافظة أذربيجان الغربية وبوكان في محافظة أذربيجان الغربية وأراك في المحافظة المركزية وشهريار في محافظة طهران وميناء أنزلي في محافظة كيلان وقزوين في محافظة قزوين وآمل في محافظة مازندران وألوند في محافظة قزوين وآبیك في محافظة قزوين وتاكستان في محافظة قزوين وراسك فی محافظة سيستان-بلوشستان وسراوان في محافظة سيستان-بلوشستان وسوران في محافظة سيستان-بلوشستان وإيرانشهر في محافظة سيستان-بلوشستان وشاهين شهر في محافظة أصفهان وکاني دينار في محافظة كردستان والأهواز وبوشهر وهرمزجان وإسلام آباد غرب في محافظة كرمانشاه وسنندج في محافظة كردستان وميناء لنجة في محافظة هرمزجان وخاش في محافظة سيستان-بلوشستان وفيروزآباد في محافظة فارس، تحولت كلها إلى بؤر احتجاجية.
وانتشرت التحركات الاحتجاجية في مناطق عديدة في العاصمة على غرار نازي آباد وطهران بارس وهفت حوض وشارع الثورة (انقلاب) وآريا شهر وستارخان وأكباتان وسعادت آباد وساحة فردوس وشهرك نفط وطهرانسر ونارمك وفيلا وكاشاني وشارع درختي والسيد خندان.
أربعينيات القتلى
وتوسعت مراسم «أربعينية» ضحايا الاحتجاجات المناهضة لنظام الجمهورية الإسلامية في العديد من المناطق في البلاد وشاركت حشود كبيرة في هذه المراسم وذلك بالرغم من القمع الوحشي الذي تمارسه السلطات. واللافت في الأمر أن عائلات الضحايا لم تعد تلتزم الصمت وباتت تتحدث حول أحبائها الذين قتلوا على يد قوات الأمن وأصبحت تفضح ممارسات الأجهزة الأمنية والعنف الممارس على أبنائها.
وشاركت حشود كبيرة في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) في ذكرى مرور أربعين يوما على مقتل حديث نجفي البالغة 20 عاما وبارسا رضا دوست البالغ 18 عاما في كرج. كما حضر عدد كبير من المواطنين في مدينة فولادشهر (أصفهان) للمشاركة في ذكرى مرور أربعين يوما على مقتل مهسا موکویي البالغة 18 عاما خلال الاحتجاجات.
واحتشدت أعداد كبيرة من المواطنين في مدينة شاهين شهر في أصفهان يوم 3 نوفمبر للمشاركة في مراسم أربعينية محمد حسن تركماني البالغ 26 عاما غير أن القوات الأمنية أغلقت الطرق المؤدية إلى المقبرة.
وأظهرت فيديوهات في الشبكات الاجتماعية أن قوات أمنية بملابس مدنية وعسكرية تقوم بإطلاق الشتائم والإساءات على المشاركين في مراسم أربعينية شيرين علي زادة البالغة 36 عاما يوم 3 نوفمبر. كما أظهرت فيديوهات أن القوات الأمنية تطلق الرصاص المطاطي على بعض أعضاء أسرة شيرين علي زادة بعد إطلاق الشتائم عليهم مما يؤدي إلى إصابة 3 منهم على الأقل وتجبرهم على المغادرة.
وقالت مؤسسة «ستار بهشتي» في حسابها على «إنستغرام» يوم 3 نوفمبر بأن كوهر عشقي البالغة 76 عاما، والدة ستار بهشتي تعرضت إلى الضرب والشتم من قبل قوات من وزارة الاستخبارات وقوات أمنية بملابس مدنية في ذكرى مقتل ابنها.
يذكر أن ستار بهشتي كان عاملا ومدونا اعتقلته السلطات في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2012 حيث قتل تحت التعذيب في السجن.
وتنتشر هذه الأيام فيديوهات كثيرة على الشبكات الاجتماعية عن وجع الأمهات الثكالى اللاتي فقدن فلذات أكبادهن خلال الاحتجاجات العارمة. وانتشر فيديو في يوم الجمعة 4 نوفمبر لمراسم مرور 7 أيام على مقتل علي فاضلي في مدينة آمل (شمالي البلاد) حيث إن والدته تقوم بطحن مخاريط من السكر (هذا التقليد من عادات عقد القران بين زوجين في إيران) على قبره. زعمت الماكينة الدعائية للجمهورية الإسلامية بأن علي فاضلي كان من أعضاء قوات التعبئة.
وقد شهدت مدينة آمل (شمالي البلاد) تجمعات حاشدة في 3 نوفمبر في ذكرى مرور أربعين يوما على مقتل غزالة جلاوي برصاص القوات الأمنية.
وتحولت ذكرى مرور أربعين يوما على مقتل بارسا رضا دوست البالغ من العمر 18 عاما خلال الاحتجاجات في مدينة كرج يوم 3 نوفمبر إلى مناسبة لقراءة الأناشيد والتصفيق حزنا على فقدان الشاب اليافع من قبل والدته المكلومة وأقربائه.
وأطلق المشاركون في مراسم أربعينية مهرشاد شهيدي نجاد البالغ من العمر 22 عاما في مدينة أراك هتافات مناهضة للنظام. وکان هذا الطالب الجامعي يعمل طاهيا في أحد المطاعم في مدينة أراك.
الجمعة السوداء في زاهدان
وكانت مدن زاهدان وسراوان وخاش وسوران وراسك وروباز في محافظة سيستان-بلوشستان يوم 4 نوفمبر على موعد مع أكبر مسيرات مناهضة للنظام في المحافظة منذ انطلاق الاحتجاجات الأخيرة. وأفادت التقارير بأن قوات القمع التابعة للنظام أطلقت الرصاص الحي على المحتجين في مدينة خاش ورد المحتجون عليهم من خلال إلقاء الحجارة على مقر تابع للحرس الثوري. ونشرت حملة النشطاء البلوش صورا لعدد من المحتجين الذين قتلوا إثر إطلاق الرصاص من قبل القوات الأمنية عليهم في خاش.
ودعا المولوي عبد الحميد إسماعيل زهي خطيب صلاة الجمعة السني في زاهدان يوم 4 نوفمبر إلى استفتاء برعاية أممية وذلك ردا على حملة القمع والقتل الواسع في سيستان-بلوشستان. وأضاف مولوي عبد الحميد: «لن تستطيعوا إرغام الشعب الذي يتظاهر منذ 50 يوما في الشوارع على التراجع عبر القتل والاعتقالات والضرب».
وقال خطيب جمعة زاهدان إن 16 شخصا على الأقل قتلوا خلال الاحتجاجات عبر إطلاق الرصاص الحي من قبل قوات الأمن في مدينة خاش يوم 4 نوفمبر. وأفاد نشطاء حقوق الإنسان بأن النظام الإيراني ارتكب مجزرة دموية في مدينة خاش مما أدى إلى مقتل العديد من المواطنين البلوش بينهم أطفال. وأضاف نشطاء حقوق الإنسان بأن مجموعة من الشباب احتشدوا أمام مكتب حاكم خاش وأطلقوا هتافات مناهضة للنظام وألقوا الحجارة على المبنى وتعرضوا لإطلاق الرصاص الحي من قبل الأجهزة الأمنية. وخرج المحتجون في محافظات طهران ولرستان وكردستان وتبريز ومناطق أخرى يوم الأحد 6 نوفمبر دعما وتضامنا مع ما حدث في مدينة خاش. كما انتشرت دعوات للإضراب تضامنا مع خاش.
حملات اعتقال عنيفة
وتتزايد أعداد المعتقلين من مختلف الأطياف على غرار الطلبة والمصورين والمحامين والفنانين في هذا المنعطف التاريخي ويمكن الإشارة إلى اعتقال مرضية أميري الصحافية في الشؤون الاقتصادية في أول نوفمبر وتم نقلها إلى العنبر 209 في سجن إيفين.
وخرجت نقابة المصورين والصحافيين في شؤون الرياضة عن صمتها بعد مرور 40 يوما من حملة الاعتقالات الواسعة في صفوف صحافييها ومصوريها المتخصصين في الشؤون الرياضية وأدانت هذه الاعتقالات بدون ذكر أسماء المعتقلات والمعتقلين.
وأعلنت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية في آخر إحصائيات القتلى والمعتقلين خلال الاحتجاجات بأن عدد ضحايا الاحتجاجات في الأيام الخمسين الأخيرة بلغ 304 أشخاص وتم اعتقال 276 شخصا من طلبة الجامعات خلال هذه الفترة.
ويستمر طلبة الجامعات في العديد من المدن في الاحتجاجات والاعتصامات على غرار الأسابيع الماضية متحلين بالعزيمة والإرادة أكثر فأكثر في سبيل رفض الحكم الاستبدادي. وارتفع عدد طلبة جامعة علامة طباطبايي الذين تم حظر دخولهم إلى الجامعة بشكل مؤقت إلى 132 طالبا حتى 31 أكتوبر (تشرين الأول).
ولم يتم التعرف على أسماء كل الطلبة المعتقلين إلا أن هذه الاعتقالات طالت طلبة جامعات عديدة على غرار كلية العلوم الطبية في زاهدان وكليات مختلفة في أصفهان وجامعة نوشيرواني في بابل وجامعة الخليج في بوشهر والكلية التقنية للبنات في كرمانشاه والجامعة الحرة للبحوث العلمية في طهران والكلية التقنية لجامعة طهران وجامعة سجاد الصناعية في مشهد والكلية التقنية لجامعة طهران.
وأفادت تقارير صحافية بأن عدد المحامين المعتقلين خلال الاحتجاجات في الأسبوع الماضي بلغ 4 أشخاص وذلك حتى كتابة هذا التقرير.
فيما طالت حملة الاعتقالات في صفوف الفنانين على غرار زينب موسوي من مدينة قم وهي ممثلة كوميدية تقدم ستاند آب كوميدي، ونك يوسفي المخرج والمصور والناشط، ولقي اعتقال مغني الراب البارز توماج صالحي الذي يعتبر من الفنانين الداعمين للاحتجاجات الجارية اهتماما واسعا في المجتمع وبين المحتجين. ولجأ توماج صالحي إلى «الحياة في الخفاء» بسبب ملاحقة الأجهزة الأمنية له لنشاطه الداعم للحركة الاحتجاجية. واعتقلت قوات الاستخبارات توماج 30 أكتوبر في محافظة جهارمحال وبختياري. ونشرت وسائل إعلام محسوبة على الحرس الثوري مقطع فيديو بعد اعتقاله للإدلاء باعترافات انتزعت منه تحت الضغط. ولم تتمکن عائلة توماج من تأييد هويته في هذا الفيديو الذي يظهر فيه تعرض توماج للضرب والشتم وإجباره على الاعتراف.
كما أن القضاء الإيراني وجه لائحة اتهام ضد سامان ياسين وهو مغني راب من أصل كردي ينحدر من محافظة كرمانشاه بـ«المحاربة والتجمهر والتآمر ضد أمن البلاد». وتعرض سامان ياسين الذي اعتقل في 2 أكتوبر خلال الاحتجاجات للتعذيب القاسي خلال فترة اعتقاله.
من جهة أخرى، لم تعلن سلطات الجمهورية الإسلامية حتى الآن الأعداد الحقيقية لطالبات المدارس المعتقلات وينفي المسؤولون اعتقال أفراد دون سن 18 عاما خلال الاحتجاجات. وتزعم السلطات أن طالبات المدارس المعتقلات إما تم الإفراج عنهن وإما تم نقلهن إلى مراكز التأهيل.
وقال يوسف نوري وزير التعليم إن تلميذات المدارس المعتقلات تم نقلهن إلى «مراكز التأهيل» ويتم تقديم استشارات نفسية لهن «ليعدن إلى المدارس بعد إعادة التأهيل».
وتم قتل أكثر من 45 طفلا خلال الاحتجاجات الأخيرة وإصابة العشرات منهم بجروح بمستويات مختلفة. وتقتحم القوات الأمنية بملابس عسكرية ومدنية المدارس التي تشهد حركات احتجاجية من قبل الطالبات وتقوم باعتقالهن باتهام إطلاق الهتافات والتعبير عن الرأي في انتهاك صارخ لاتفاقية حقوق الطفل الأممية.
وأفادت منظمة حملة نشطاء البلوش بأن إحدى الطالبات في ثانوية «بروين اعتصامي» في مدينة إيرانشهر في محافظة سيستان-بلوشستان تعرضت للضرب حتى الموت بعد أن اقتحمت قوات أمنية المدرسة وقامت بتفتيش الكتب المدرسية وعثرت على صورة ممزقة للخميني في أحد كتبها المدرسية. يذكر أن القوات الأمنية شرعوا في ضرب الفتاة أمام الطالبات الآخريات مما أدى إلى وفاتها بسبب نزيف في الأنف وتلقيها ضربات متعددة على الرأس.
واقتحمت قوات أمنية مدرسة ثانوية «شاهد» للبنات في أردبيل بعد وقفة احتجاجية للطالبات في المدرسة، حيث تعدت القوات الأمنية على المحتجات بالضرب والشتم وتم اعتقال 7 طالبات على الأقل وتم نقل 10 طالبات إلى مستشفى «فاطمي» وتوفيت إحداهن بسبب نزيف داخلي. يذكر أن العديد من المدراء والمسؤولين في المدارس يتعاونون مع أجهزة الأمن ويقومون بإرسال تقارير عن الوقفات الاحتجاجية وهوية الطلبة المحتجات إلى المؤسسات الأمنية.
واقتحمت قوات أمنية بملابس مدنية مدرسة ثانوية «نيكان» للبنات يوم 17 أكتوبر بعد أن اتصلت مديرة المدرسة بهذه القوات التي تبين فيما بعد أن شقيق المديرة كان من ضمن هذه القوات وأن شقيقها هو عنصر أمني بملابس مدنية. وكانت مجموعة من طالبات هذه المدرسة الواقعة في طهران نظمت وقفة احتجاجية وأطلقت هتافات داعمة للاحتجاجات.
وأفادت تقارير بأن طالبات إحدى الثانويات في مدينة أصفهان تعرضن للشتم والسب من قبل مديرة المدرسة بسبب إطلاقهن هتاف «الموت للديكتاتور» و«المرأة الحياة الحرية» وقامت المديرة بصفع إحدى الطالبات. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تطور الأمر حيث إن الطالبات لم يلتزمن الصمت وبالتالي فإن المديرة اتصلت بالقوات الخاصة التي قامت بدورها باقتحام المدرسة. وتعرض عدد من الطالبات إلى الضرب الوحشي من قبل أحد أعضاء القوات الخاصة وفقدن وعيهن وتم نقلهن إلى المستشفى بسيارة إسعاف.
ولم تهدأ مدينة سنندج وهي قلب الثورة النابض كما يصفها المحتجون منذ بداية الاحتجاجات ويعم الحراك الثوري كافة أرجاء المدينة بمدارسها وجامعتها وأسواقها وشوارعها وهي أصبحت مبعث الأمل والطاقة لكل مناطق إيران. وأفادت تقارير بأن قوات تابعة لجهاز الاستخبارات العامة وقوات تابعة لجهاز استخبارات الحرس الثوري في محافظة كردستان قامتا باقتحام عدد من المدارس الابتدائية والثانوية في سنندج يوم 13 أكتوبر، واعتقلتا عددا من الطلبة بسبب إطلاقهن هتاف «المرأة الحياة الحرية».