لصوص النار المقدسة

«واشنطن بوست»: «جواسيس روسيا أخطأوا قراءة أوكرانيا وضللوا الكرملين مع اقتراب الحرب» (أ.ف.ب)

لصوص النار المقدسة

القاهرة: «ضوابط تصدير التكنولوجيا قد تخنق روسيا مثلما خنقت الاتحاد السوفياتي». هذه العبارة التي اختارتها الباحثة ماريا شاغينا عنوانًا لمقال نشرته «فورين بوليسي» (9 سبتمبر/ أيلول 2022) تلخص القصة كلها.
سرقة الأسرار العلمية والتكنولوجية تشبه في آثارها الضخمة الأسطورة اليونانية الشهيرة: أسطورة «بروميثيوس»، الذي كان يسرق النار المقدسة من وراء ظهر الآلهة ويهديها إلى البشر. ورغم وجود الكثير من القصص القديمة المتناثرة في تاريخ أمم كثيرة عن استهداف «سر الصنعة» في مهنة ما بوصفها: «سبيكة التقدم» في مجال مدني أو عسكري، فإن الظاهرة تظل صفحة من صفحات التاريخ الحديث، عندما أدت الثورة الصناعية في الغرب الأوروبي إلى ظهور آلات مُصمَّمة ذات تأثير ثوري في صناعة من الصناعات الوليدة. ومن قصص هذه الجاسوسية، الحديثة نسبيًا، ما حدث في سبعينات القرن الثامن عشر، عندما أقام رجل الأعمال الألماني جوهان جونفريد بروكلمن أول منشآت الثورة الصناعية خارج بريطانيا، بعد أن بقيت الجزيرة المنعزلة جغرافيًا عن اليابس الأوروبي تحتكر هذه الثورة، وما أنشأه كان مصنعًا للقطن سرق فكرته من مصنع بريطاني.
وعبر الأطلنطي انتقلت الثورة الصناعية عبر عمليات مشابهة، ومما ترويه مصادر تاريخ التكنولوجيا من قصص تجسس تكنولوجي، قصة الأميركي فرانسيس كابوت لويل، الذي دخل عام 1811 مصنعًا في إنجلترا ونسخ رسومات لـ«نول» للنسيج اشتهر باسم مبتكره (كارت رايت) فكانت الواقعة أحد الأسس الفنية للثورة الصناعية في أميركا. ويروي الكاتب الأميركي روجير بيرلنجيم في كتابه: «آلات صنعت أمة» قصة انتقال «أبي صناعة النسيج في أميركا»، وكان أحد رجال الصناعة البريطانيين، وبانتقاله لأميركا نقل معه الكثير من «أسرار» الثورة الصناعية. وكان البرلمان البريطاني قد أصدر تشريعًا يقيد هجرة كل من يمكن أن يفشي «أسرار» الثورة الصناعية. وعند الشروع في إنشاء مصنع في أميركا تم إلزام أول فني ميكانيكي أميركي بأن يتعلم للعمل في المصنع أن يقسم على حفظ السر، وقد حصل المهاجر البريطاني، مقابل «الأسرار الصناعية» التي أدخلها البلاد لأول مرة 50 في المائة من عائد المصنع!

آلات عسكرية روسية دُمرت خلال القتال لاستعادة بلدة ليمان في أوكرانيا (غيتي)

الطريق إلى كوكوم
في سياق الحرب الباردة، انتبهت أميركا مبكراً إلى ضرورة الحفاظ على الأسرار التكنولوجية الغربية من التسرب للاتحاد السوفياتي وحلفائه فأنشأت بعد الحرب العالمية الثانية: «لجنة التنسيق المتعددة الأطراف لضبط الصادرات» (Coordinating Committee Multilateral Export Controls) المعروفة اختصارا باسم «COCOM» (كوكوم)، وهي لجنة سرية لمراقبة التجارة مع الكتلة الشرقية. وقد ضمت قائمة أعضاء كوكوم: بريطانيا وأميركا وأستراليا وبلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا واليابان ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال وإسبانيا وتركيا، فضلًا عن عدد من الدول المتعاونة مثل: النمسا وفنلندا وأيرلندا ونيوزيلندا والسويد وسويسرا. وقد كانت اللجنة تجتمع دوريًا في مقر السفارة الأميركية في باريس، وقام عمل اللجنة على تحديد المنتجات التي يجب أن يشملها حظر حتى لا تصل المنتجات الحساسة إلى المكان الخطأ على الجانب الآخر من الستار الحديدي. وقد كانت قضية إمكانية اختراق صرح التقنية الغربي هاجس المعسكرين في الحرب الباردة، وقد عبر الزعيم السوفياتي فلاديمير لينين عن الفكرة مبكرًا بمقولته الشهيرة: «إن رجال الأعمال الغربيين هم الذين سيبيعون للشيوعيين الحبل الذي يشنقونهم به»!
وقد كانت أكبر مشكلات عمل كوكوم رمادية الخط الفاصل بين التكنولوجيا العسكرية والتكنولوجيا المدنية، ولاحقًا ظهر المصطلح المربك: «التكنولوجيا مزدوجة الاستخدام» (المدني/ العسكري)، وبسبب هذا التداخل أصبحت منتجات كثيرة قابلة للتطوير بطريقة لا يمكن التنبؤ بها، ووجدت هيئات الرقابة ما سمي: «العالم الرمادي» حيث يصبح الحصول على إجابات قاطعة أمرًا عسيرًا.
في عام 1982 نشر تقرير عنوانه: «حيازة السوفيات لتكنولوجيا الغرب» كان من أكثر المنشورات رواجاً في العالم وترجم إلى لغات عديدة. ومن معطيات التقرير سرد تفصيلي للكيفية التي تمكن بها السوفيات من الحصول على ما يكفي من المعدات والتكنولوجيا لتصميم صناعاتهم الإلكترونية الدقيقة بكاملها تقريبًا، وصولًا إلى اختراع أجهزة كومبيوتر كاملة. وفجأة أصبحت قصص التجسس التكنولوجي تحتل عناوين الصحف والمجلات يوميًا، وبدأت تتكشف قصة وراء أخرى. وفي الجولة الأولى من حرب التجسس التكنولوجي، لعبت سفارات دول الكتلة الشرقية دورًا مهمًا في المعركة، وامتدت شبكة التهريب من جوهانسبرغ إلى ستكهولم ومن طوكيو إلى برن. وفي مواجهة التعاون الوثيق بين الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية في مجال سرقة التقنية الغربية أعلنت الولايات المتحدة عام 1987 عزمها على إلغاء كل إجراءات الترخيص الخاصة بتصدير التقنيات العسكرية الأميركية الحساسة لحلفائها الغربية ما لم تـُحكِم هذه الدول رقابتها على تصدير هذه المعدات.
وفي مارس (آذار) 2001 دعت دراسة للكونغرس الأميركي إلى عودة كوكوم لضبط التسلح عالي التكنولوجيا، وأعدت الدراسة بمشاركة فعالة من إدارة الرئيس جورج بوش الابن ودعت إلى صيغة تفاهم تجمع 7 دول وتكون مهمتها ضبط تجارة الأسلحة الفائقة التكنولوجيا. وخلال حملته الانتخابية كان واضحًا أن عودة كوكوم سيكون المخطط الذي ستعتمده إدارة بوش الابن في موضوع صادرات السلع التجارية القابلة للاستخدام العسكري. وضبط هذه «السلع المزدوجة الاستخدام» أضحى أحد أهم التحديات التي تتصدى لها أميركا بعد الحرب الباردة، ومع التطور الهائل في تقنيات الأسلحة صارت أنواع عديدة من الصادرات قابلة للاستخدام في أغراض مدنية وعسكرية على السواء. وكوكوم التي حلت يوم 31 مارس من عام 1994، كانت تشكل فيتو على التصدير إلى الكتلة السوفياتية، ولاحقاً الصين.

صواريخ «كروز» الروسية... وفي الإطار الحواسيب وأجهزة الذاكرة والكاميرات الرقمية الممنوعة عن روسيا

السطو على «سبيكة التقدم»
مقال «فورين بوليسي» المشار إليه في بداية المقال يتضمن استنتاجًا يؤكد الدور الحاسم الذي لعبته كوكوم في انهيار الاتحاد السوفياتي، ويؤكد بالقدر نفسه الأهمية الاستثنائية للتكنولوجيا في الصراع على مستقبل البشرية كلها. وما تكشف عنه الحرب الأوكرانية قبل أن تكمل عامًا أن اعتماد شركات التصنيع العسكري الروسية على القطع والآلات الأجنبية مفرط. وفي عودة إلى وضع مشابه تمامًا للصراع التكنولوجي الأطلسي/ السوفياتي، فرضت أميركا و37 دولةً أخرى نظامًا جديدًا معقدًا من ضوابط التصدير ضد روسيا بطريقة عالية التنسيق. والضوابط تمنع تصدير تقنيات استراتيجية إلى روسيا ضمنها: أشباه الموصلات، والإلكترونيات الدقيقة، ومعدات الملاحة، وقطع الطائرات.
و«قد تؤدي ضوابط التصدير، حين تعطي مفعولها بعد فترة من الزمن، دورًا محوريًا في إضعاف قطاع الدفاع الروسي». ويملك الحلفاء الغربيون خبرة واسعة في هذه الممارسات، و«تُعتبر القيود الغربية الجديدة ضد روسيا من أكثر الضوابط الشاملة التي تستهدف بلدًا واحدًا منذ الحرب الباردة». واليوم، وللمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة، توافق الدول الغربية على توسيع نطاق الضوابط بما يتجاوز الأنظمة الراهنة لتقييد الصادرات متعددة الأطراف: «اتفاق فاسنار»، «مجموعة أستراليا»، و«نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف»، وجميعها أدوات للرقابة على التكنولوجيا.
وقد أصبح أحد المتغيرات الرئيسية المهمة التي تحكم تصور الحلفاء الغربيين وممارساتهم في هذا المجال ما يسمى: الاندماج العسكري المدني في روسيا والصين. ويستعمل المصطلح- بالأساس- للإشارة إلى استراتيجية وطنية تعزيز القدرات العسكرية عبر إلغاء الحواجز القائمة بين قطاع الدفاع ومؤسسات الأبحاث المدنية ظاهريًا، حيث يُعد تلاشي الخطوط الفاصلة بين القطاعات العسكرية والمدنية ظاهرة في البلدين. وقد كشف تقرير للمعهد الملكي للخدمات المتحدة حالات كانت فيها أشباه موصلات مُعدّة للاستعمال المدني، لكنها استُعمِلت لتصنيع أسلحة روسية. وقد ازدهرت مؤخرًا، شبكات سرية تديرها أطراف ثالثة لإنجاز الهدف، حيث استعملت روسيا شركات في هونغ كونغ وفيتنام لإخفاء هوية المستخدمين النهائيين. وغالبًا، يصعب التحكم في مثل تلك السلع لأنها ليست واردة في قائمة السلع المحظور تصديرها.
وفي إطار تداعيات حرب أوكرانيا أعربت دوائر غربية عن القلق من أن يفكك الجيش الروسي أجهزة منزلية مصنعة في الغرب لصنع أسلحة، وبخاصة بعد أن ظهرت بالفعل أجزاء من ثلاجات وغسالات في معدات الجيش الروسي العسكرية. وفي تقرير نشره موقع «بلومبرغ الشرق» (31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022) أثار ارتفاع مفاجئ المدهش في صادرات أوروبا من الأجهزة المنزلية إلى جيران روسيا هذه المخاوف. ووفقًا لبيانات «يوروستات» التابعة للاتحاد الأوروبي، استوردت أرمينيا غسالات أكثر من الاتحاد الأوروبي خلال 8 أشهر مقارنة بواردات 24 شهرًا مضت، والأمر نفسه ينطبق على واردات كازاخستان من الثلاجات الأوروبية. أعلن مسؤولون أوروبيون العثور على أجزاء من أجهزة منزلية في معدات عسكرية روسية استخدمت في حرب أوكرانيا. وبحسب جيمس بيرن مدير أبحاث التحليل والاستخبارات مفتوحة المصدر في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث بريطاني، فإن «أنظمة الأسلحة الروسية المتطورة للغاية غالباً ما تُبنى باستخدام مكونات إلكترونية مصغرة دقيقة موجودة في المصانع العادية ومتوافرة في مجموعة من السلع التجارية. ومن الوارد جداً أن يكون المجمع الصناعي العسكري الروسي يستورد سلعاً تجارية جاهزة لتفكيك أجزاء منها». ووجدت دراسة أجريت في أغسطس (آب) الماضي على 27 نظام أسلحة روسية متقدمة أن 450 مكوناً فيها قطع أجنبية صُنع معظمها في أميركا. وتتوفر المكونات الشائعة المستخدمة في الأسلحة في مجموعة واسعة من السلع التجارية على غرار أجهزة التلفزيون والسيارات وأجهزة الكومبيوتر والكاميرات.

الحكومة الألمانية تعمل على إعداد سياسة تجارية جديدة تجاه الصين لتقليل الاعتماد على المواد الخام والبطاريات وأشباه الموصلات الصينية

ضباب «التعاون العلمي»
أحد المجالات الرمادية الجديدة في عالم التجسس التكنولوجي مجال التعاون العلمي، ما يهدد بانتكاسة عالمية لعلاقات التعاون في معظم أنحاء العالم، وقد نشر موقع الإذاعة الألمانية (دويتشه فيلله، 21 مايو/ أيار 2022) تحقيقًا استقصائيا مثيرًا مقلقًا في آن واحد. وقد كشف التحقيق عن ظاهرة توسع المساحة الرمادية لتشمل العلوم الأساسية- إلى جانب التكنولوجيا مزدوجة الاستخدام- فهناك باحثون صينيون درسوا في جامعتين ألمانيتين وعند عودتهم للصين عملوا في الأكاديمية الصينية للفيزياء الهندسية (CAEP) »، وهي المكان الوحيد الذي تطور فيه الصين رؤوسها الحربية النووية، وتوصف بأنها أحد أكثر «الكيانات المخيفة والمثيرة للقلق» في نظام الأبحاث الصيني. وهناك المئات من برامج التمويل المماثلة في الصين، وفي عهد الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ، يستثمر الحزب الشيوعي بكثافة في العلوم و«الاندماج العسكري/ المدني» هدف وطني معلن.
ووثق التحقيق الذي اشتركت فيه 11 وسيلة إعلام أوروبية بقيادة المنصة الاستقصائية الهولندية «Follow the Money» (اتبع المال)، ومركز الأبحاث الألماني غير الربحي (كوريكتيف)، مدى أهمية التعاون البحثي مع الجامعات الأوروبية لخطط التقدم في الصين. وأحد الحالات الصادمة باحث صيني حصل على منحة ألمانية شهيرة (هومبولت) وأصبح لاحقًا عضوًا في قسم تطوير العتاد في اللجنة العسكرية المركزية الصينية التي يترأسها الرئيس الصيني بنفسه. و«وفقًا لمؤسسة معهد ماكس بلانك، (حوالي ثلث) جميع المناصب الإدارية العلمية في الصين، يشغلها الآن أشخاص تم تدريبهم وتأهيلهم في ألمانيا»، وبينهم باحثون عملهم عسكري تمامًا. الحقيقة التي ستكون أكثر تأثيرًا على نطاق واسع ما تلخصه البروفسورة كاتيا بيكر، رئيسة «مؤسسة الأبحاث الألمانية» (DFG)، بقولها: «تعلمنا من هذا أن الثقة والأمل ليسا مبررين دائمًا. للأسف». وهذه الثقة في حال اتسعت دائرة تآكلها يمكن أن تؤثر سلبًا في مشروعات التعاون العلمي في العالم كله، والعواقب على المؤسسات العلمية في العالم الثالث ستكون وخيمة.

تحقيق استقصائي أكّد أنّ هناك باحثون صينيون تم تدريبهم وتأهيلهم في ألمانيا وبينهم باحثون عملهم عسكري تمامًا (أ.ف.ب)

طوفان من التحذيرات
مع تتابع فصول الأزمة الأوكرانية تتكشف على نحو متزايد الأبعاد الأوسع نطاقًا لحالة المواجهة بين الغرب وروسيا والصين، وتنطلق صيحات التحذير من النوافذ المفتوحة في: السياسة والعلم والاقتصاد والإعلام والتعاون العلمي، ولا يستبعد أن تفضي هذه المتوالية إلى مناخ دولي تقل فيه الجسور وتزداد فيه أسوار العزل. وأحد التحذيرات المهمة ما أطلقته الاستخبارات الألمانية (17 مايو 2022) بشأن التجسس الاقتصادي الروسي، وبحسب تقرير نشرته الهيئة الاتحادية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية) تزايدت مخاطر استهداف روسيا للقطاع الاقتصادي الألماني بعمليات تجسس «بعد أن أصبح الاقتصاد الروسي منعزلاً عن المعرفة والتكنولوجيا».
وفي يونيو (حزيران) 2022 كشف تقرير صادر عن عملاق التكنولوجيا الأميركي مايكروسوفت أن قراصنة من روسيا تدعمهم السلطة قاموا بتجسس استراتيجي على أهداف رسمية وغير رسمية في 42 دولة. وفي 12 يوليو (تموز) 2022، وفي واقعة نادرة، حذر كين ماكالوم مدير مكتب المخابرات الداخلية البريطاني المعروف بـ«إم آي 5» (MI5) وكريستوفر راي رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي «إف بي آي» (FBI) في لقاء علني من التهديد الحقيقي الذي باتت تمثله أنشطة التجسس الصينية على التكنولوجيا الغربية، وقد شددا على ضرورة تعبئة أجهزة المخابرات في البلدين لمواجهة «محاولات سرقة الأسرار التكنولوجية»، واتهمت المخابرات البريطانية بكين بالقيام بـ«جهود جبارة من أجل سرقة التكنولوجيا الغربية المتقدمة»، بينما أكد المسئول الأميركي على أن «الحزب الشيوعي الصيني الحاكم أكبر تحد يواجه شركات التكنولوجيا الغربية»، وقد كشف عن رقم ذي دلالة هو أن حوالي 80 في المائة من محاكمات التجسس الاقتصادي والتجاري التي أجرتها وزارة العدل الأميركية ترتبط بأشخاص أو هيئات ترتبط بالصين. وتقدر خسائر أميركا من التجسس التكنولوجي بما بين 225 مليار دولار و600 مليار سنويا. وأجهزة الـ«إف بي آي» تفتح تحقيقًا جديدًا حول التجسس الصيني كل 12 ساعة!!
وقبل أيام حذرت هولندا من «شركات واجهات» تنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى روسيا، وبحسب جهاز الاستخبارات العسكرية الهولندي فإن روسيا تسعى لحيازة أدوات في مجال التكنولوجيا المتقدمة من أجل حربها في أوكرانيا عبر هذه الواجهات. وقال جهاز الاستخبارات الهولندي إنّ أجهزة الاستخبارات الروسية أسست عشرات الشركات في هولندا لهذا الغرض.
وهكذا أعادت حرب أوكرانيا أشباح «كوكوم»، وأخرجت أشباح التجسس التكنولوجي من الظل!

حادثة توشيبا

تعد «حادثة توشيبا» علامة فارقة في تاريخ التجسس التكنولوجي.. ففي مارس (آذار) 1987 اكتشفت أميركا أن شركة توشيبا اليابانية عقدت بالتعاون مع  شركة نرويجية صفقة قيمتها 18 مليون جنيه إسترليني باعت بمقتضاها، للاتحاد السوفياتي روبوت ديناصوري بارتفاع 30 قدماً واتساع 60 قدماً. وقد قامت بالعملية شركة مزورة حصلت خلالها من شركة توشيبا على معدات متطورة لخرط المعادن وصقلها، وهي معدات استخدمها الاتحاد السوفياتي السابق لتخفيض الضوضاء الناجمة عن دوران مراوح دفع غواصاته النووية.
وفي أوائل عام 1983، وصل فريق مهندسين يابانيين من توشيبا إلى لينينغراد، مركز بناء السفن الروسية منذ بطرس الأكبر، وقاموا بتجميع الروبوت الذي يدار بالكومبيوتر يستخدم في صناعة مراوح السفن. وخلال الأشهر الثمانية عشر التالية، عاد المهندسون إلى الاتحاد السوفياتي حوالي عدة مرات. وفي 1987 كُشف عن التفاصيل حيث اشترى الاتحاد السوفياتي 8 آلات بين عامي 1982 و1984 حسنت بشكل كبير قدرة الغواصات السوفياتية على الهرب من أجهزة الرادار، مما حمل أميركا وحلفاءها تكلفة كبيرة لتغيير نظام الرصد، وبلغت هذه التكلفة 30 مليار دولار، وهو ما وصفه بعض السياسيين الأميركيين آنذاك بأنه رد «على الطريقة اليابانية» على هيروشيما ونغازاكي.

* باحثة في العلوم السياسية- مصر.

font change